العدد 1083 - الثلثاء 23 أغسطس 2005م الموافق 18 رجب 1426هـ

ظاهرة التسول تؤرق المجتمع

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

التسول أصبح نمط حياة ومهنة ترزق وقد تكون مصدر ثراء أحيانا! بعد أن كان ظاهرة مستفحلة. يغرس الإسلام في نفس المسلم كراهة السؤال للناس، تربية له على علو الهمة وعزة النفس، والترفع عن الدنايا، ولكن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة التي نشهدها قد تكون وراء انتشار هذه الظاهرة، لكن البعض يرى أنه ليست الحاجة والفقر والبطالة وحدها التي تدفع المتسولين إلى التسول بل يرون فيها عملية منظمة تقف وراءها عصابات تعتبر التسول أسهل الطرق لجمع المال ويستدلون على ذلك بأنهم يطلبون المال لتوفير الغذاء لهم ولأطفالهم، لكن عندما تقدم لهم الغذاء أو الملبس يرفضون ذلك.

فالمتجول في طرق وشوارع البحرين يجد بنفسه هذه الحقيقة مترسخة ثابتة إلى درجة أنه لا يكاد يخلو شارع من الشوارع عموما من وجود متسول رجلا كان، أو امرأة، أو طفلا بحيث يقفون على قارعة الطرق، ويطلبون المال من أصحاب السيارات في الشوارع، بينما يقف البعض الآخر عند تقاطع الإشارات الضوئية آملا وقوف السيارات عند اشتغال اللون الأحمر؛ من أجل جمع المال من أصحاب السيارات الواقفة أو إنه أحيانا يتحرك مع تحرك السيارات ما يعرض حياته وحياة السائق إلى الخطر؛ من أجل نقود معدنية بسيطة لا تكاد تساوي الجهد والتعب المبذول من أجلها، بينما يداوم البعض عند المساجد في أوقات الصلاة من أجل جمع المال من المصلين، في حين يقف البعض عند المقابر من أجل الهدف نفسه، كما يذهب البعض الآخر إلى المحلات التجارية لجمع المال من الزبائن وأصحاب المحلات التجارية، بينما يحرص البعض الآخر على وجوده وبقائه في محطات النقل العام من أجل الهدف نفسه، وأستطيع أن أشبه الأمر من دقته وتنظيمه بأنه أشبه بنظام الساعة حيث تتوقع وجود اجتماع خاص بين المتسولين في شتى أنحاء المملكة بحيث تم الاتفاق فيما بينهم على توزيع المهمات والأدوار والأماكن وتم تحديد المنطقة الفلانية للشخص الفلاني. وهكذا فلا أحد يعتدي على مكان وهدف الآخر، والغريب في الموضوع قد نجد متسولا في شارع أو مكان معين ونجد له شبيها في الشكل العام في شارع آخر، والذي يشاهد هذا المنظر قد يعتقد أنهما توأمين إذ المظهر نفسه "الشكل الخارجي، التعبيرات، العصا، وحتى الملابس"، وكأنما اتفقا على ذلك مسبقا، والجميع في انسجام، واتفاق تام، ولم يحدث أن تشاجر أحدهم مع الآخر بسبب احتلال أحدهم مكان الآخر أو بسبب أخذ احدهما رزق الآخر على رغم أن المهمة أصعب بكثير مما نتصور أو نعتقد، والأدهى من ذلك أننا نرى البعض وهو يمارس ظاهرة التسول يظهر بشكل يحسب بأنه ذاهب إلى حفلة تنكرية إذ إنه يعمد إلى تغيير شكله، وشكل شعره، ومظهره الخارجي، ولا يكتفي بذلك فحسب، وإنما يلجأ أيضا إذا أضطره الأمر إلى الادعاء بأنه معوق إذ يعمد إلى استخدام العصا، ويضطر إلى حني ظهره، والغريب أنه يبرع ويبدع في ذلك كما أنه يتصنع تعبيرات خاصة حتى يضمن استثارة واستدرار شفقة ورحمة الناس؛ ولكي تعذره الناس فيما هو عليه وتكون كريمة سخية معه. أقول هنا والقصد ليس التحريض وإنما بقصد التحليل قد يكون المتسولون ممن استحقوا هذا المال البسيط الذي لا يتعدى النقود المعدنية البسيطة فهم على الأقل بذلوا مجهودا كبيرا في الوقوف لساعات وساعات في الشوارع، كما أنهم فكروا في استخدام عقلهم ولو بشكل سلبي في البحث عن آلية معينة في الحصول على المال بإرادة الشخص أي أنهم لم يسرقوا، أو أنهم لم يختلسوا، ولكنهم تحايلوا، ومثلوا على الناس؛ من أجل لقمة العيش كما يدعون، ولو أردنا تسليط الضوء أكثر على هذه الظاهرة وعلى المتسولين لوجدنا أنهم ممن يجيدون الإدارة وحسن توزيع الأدوار كما أنهم يمتلكون رصيدا لا بأس به من الذكاء والحنكة بدليل أسر مشاعر الناس، وأن مكانهم في هذه الحال ليست الطرقات والشوارع العامة، وإنما يجب استقطابهم، والعمل على إيجاد أماكن مناسبة لهم، والمهم هو قبل إصدار أحكام خاصة على هؤلاء قد تكون قاسية لا بد من سؤال أنفسنا هذه الأسئلة التي بدورها قد تفتح آفاق المشكلة من أجل حصرها ومحاولة حلها، ما الدافع الذي دفع هؤلاء إلى التسول والضحك والتلاعب والتحايل على المجتمع بكل فئاته؟ ولماذا تمنى هؤلاء على رغم ما يمتلكون من قدرات، وذكاء أن يكونوا في يوم من الأيام معوقين يستخدمون العصا؟

فالحال التي وصلنا إليها لا تحتمل والأسلوب غير حضاري ولاسيما أمام الزوار والأجانب وأقصد بذلك السياح. وزارة الشئون الاجتماعية يبدو أنها استنفدت الحلول أمامها في سبيل اجتثاث التسول من شوارع وأروقة ومساجد المملكة. أو إنها وضعت لها أولويات على جدول أعمالها ووضعت مكافحة التسول في ذيل قائمة الأولويات الواجب التصدي لها.

ظاهرة التسول وانتقالها من الظاهرة إلى المهنة ليست مقتصرة على بلد مثل البحرين بل أن هناك بلدانا عربية كثيرة تعاني منها. في دولة مثل الأردن يكافحونها بأساليب مختلفة، والمهم في الأمر الإرادة السياسية الجادة في محاولة اجتثاثها من أسسها وفق برنامج يعنى بالاحتياجات الحقيقية للمتسولين دائم غير منقطع ومذيل بقانون جزائي رادع، وأهمية توعية المجتمع بأضرارها. قام الصحافي الذي يعمل لصحيفة "الدستور" الأردنية حسين العموش بمهمة مبتدعة جيدة، فقد تقمص الصحافي دور متسول لمدة 10 أيام فقط بالتنسيق مع الصحيفة طبعا وتم وضعه في مواقع مختلفة في فترة محددة على بعض إشارات المرور وفي بعض الجوامع والأماكن العامة في العاصمة "عمان". وأفاد أن التسول مهنة مربحة إذ انه استطاع جمع مبلغ قدره 18 دينارا وستون قرشا خلال ثلاث ساعات ونصف فقط، في حين أن مبلغ 5 دنانير أردنية تجمع خلال 5 أيام. وأوعز ذلك إلى طيبة الناس والتوجه الخير لديهم. وان أكثر ما آلمه أن رجلا طاعنا في السن قدم له عشرة قروش قد يكون بحاجة إليها مؤثرا حب فعل الخير. وقال الصحافي إن الملفت للنظر انه خلال 18 يوما لم يجد أي شخص من المعنيين في وزارة التنمية الاجتماعية المتابعين والملاحقين للمتسولين! لكن وزير التنمية الاجتماعية يصرح بين الفينة والأخرى بأن الوزارة تقوم بحملة إعلامية مع اتخاذ إجراءات صارمة حيال ظاهرة التسول وملاحقتهم وتوعيتهم من خلال الندوات والمحاضرات وورش العمل. كما أن هناك مثالا آخر من البلد نفسه "الأردن" يقال إن هناك باحثا أردنيا تقدم للحصول على شهادة الماجستير عن موضوع التسول. وعندما أراد أن يجري بحثا عن التسول مارس "التسول" ليصل - عبر البحث الميداني - إلى المعلومات التي يحتاجها في رسالته، ولكن هذا الباحث أحب العملية كثيرا ووجد أن الدخل من مهنة التسول يعادل أضعاف ما سيحصل عليه عند حصوله على هذه الشهادة. من هنا صرف النظر عن استكمال الرسالة، واتجه إلى هذه المهنة طائعا مختارا.

والعلاج العملي هنا يتمثل في أمرين، أولهما: تهيئة العمل المناسب لكل عاطل قادر على العمل، وهذا واجب الدولة نحو أبنائها. فما ينبغي لراع مسئول عن رعيته أن يقف مكتوف اليدين أمام القادرين العاطلين من المواطنين، فقبل أن نبدأ في محاربة التسول بالكلام والإرشاد، نبدأ أولا بحل المشكلات، وتهيئة العمل لكل عاطل. وثانيهما: هو ضمان المعيشة الملائمة لكل عاجز عن اكتساب ما يكفيه، وعجزه هذا لسببين:

"أ" إما لضعف جسماني يحول بينه وبين الكسب لصغر السن وعدم العائل كما في اليتامى، أو لنقص بعض الحواس أو بعض الأعضاء، أو مرض معجز... إلخ، تلك الأسباب البدنية التي يبتلى المرء بها، ولا يملك إلى التغلب عليها سبيلا. أن عصرنا الحديث قد استطاع أن ييسر بواسطة العلم لبعض ذوي العاهات كالمكفوفين وغيرهم، من الحرف والصناعات ما يليق بهم، ويناسب حالتهم، ويكفيهم هوان السؤال، ويضمن لهم العيش الكريم.

"ب" والسبب الثاني للعجز عن الكسب هو انسداد أبواب العمل الحلال في وجه القادرين عليه، على رغم طلبهم له، وسعيهم الحثيث إليه، وعلى رغم محاولة ولي الأمر إتاحة الكسب لهؤلاء. فهؤلاء - ولا شك - في حكم العاجزين عجزا جسمانيا مقعدا، وإن كانوا يتمتعون بالقوة؛ لأن القوة الجسدية وحدها لا تطعم ولا تغني من جوع، ما لم يكن معها اكتساب.

وفي الختام، على وزارتي العمل والشئون الاجتماعية أن تعملا دراسات لاحتياجات المتسولين الحقيقية إضافة إلى محاضرات وندوات وورش عمل وتبين نظرة الدين الإسلامي في ايجابية العمل. هذا إلى جانب تفعيل الإجراءات المتخذة في سبيل حجر المتسولين وجمعهم وتثقيفهم من خلال المحاضرات. وأنا شخصيا لا اعتقد أن المحاضرات قد تفيد ما لم تكن ضمن برنامج عمل متكامل وأهمها تلبية احتياجاتهم الضرورية من خلال صندوق الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل وكبار السن، وتقليص نسبة البطالة في المجتمع، والتشدد في إلزامية التعليم، حتى لا يستغل الأطفال في امتهان التسول وإبعادهم عن حقل التعليم.

كما يجب على وزارتي العمل والشئون الاجتماعية أن تهتما بتشغيل طلبة وتلاميذ المدارس في العطلة الصيفية في مختلف وزارات ومؤسسات الدولة، يكون ذلك ضمن برنامج حكومي يكسبهم الخبرة ويشغل أوقاتهم ويستفيد الطالب ماديا ومعنويا منه في فترة الصيف من خلال صرف الحوافز المالية المشجعة، فقد لوحظ أن نسبة التسول تزداد بصورة غير معهودة مع فترة الإجازة الصيفية بسبب قلة البرامج الهادفة والفراغ الذي يعيشه أبناؤنا الطلبة. إن مثل هذه البرامج والأنشطة جيدة يمكنها أن تحد من تسول الأطفال وان تشغل وقتهم بما هو مفيد.

*كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1083 - الثلثاء 23 أغسطس 2005م الموافق 18 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً