أين أصبح المشروع الأميركي للإصلاح الذي أقرته الدول الصناعية الثماني في قمة سي ايلاند؟ فالمشروع الذي طبلت وزمرت ورقصت الإدارة الأميركية على انغامه دخل أدراج النسيان كما سبق وحصل مع عشرات المشروعات. واشنطن الآن اطبقت الصمت ولم تعد تتحدث عن تلك الوعود الوردية "السحرية" التي اطلقتها بعد غزو العراق وتقويض دولته. الإدارة تتحدث سرا عن وسائل أخرى لترتيب وضعها وتأمين مخارج معقولة لتغطية الفشل أو عن خطط جديدة غير معلنة تريد إطلاقها تحت غطاء الصمت.
وحتى تنجلي سياسة الغموض الأميركية لابد من التذكير بذاك المشروع الذي توافقت عليه الدول الصناعية في سي ايلاند. فالمشروع أعلن عنه وكأنه بداية نهاية التخلف والفساد والدكتاتورية في المنطقة ونقطة انطلاق لفجر عربي جديد. إلا أن عناصر المشروع الذي أعلن كانت مضحكة وتفتقد إلى الكثير من المقومات الواقعية وأحيانا تفتقر إلى معرفة حقيقية بطبيعة المنطقة ومستوى نموها الاجتماعي وتطورها السياسي.
هناك الكثير من المطبات التي وقع فيها المشروع مضافا إليها الكثير من الأخطاء التي يمكن حصرها بنقاط عشر.
الخطأ الأول، الفصل بين تسوية النزاعات في المنطقة "فلسطين مثلا" وخطة الإصلاح.
الثاني، تغييب العدالة والمحاسبة وعدم نقد السياسة الأميركية السابقة والاعتذار عنها.
الثالث، تبسيط المشكلات، وافتراض مدة زمنية للإصلاح تنتهي في العام .2015
الرابع، انتداب شركات تابعة لحكومات أجنبية تنفذ خطوات الإصلاح باشراف الدول الثماني.
الخامس، عدم الوضوح في السياسة الأميركية واعتماد أساليب الخداع في تمرير مشروعات تقويض الدول "العراق مثلا" والدفع باتجاه هيكلة التقسيمات الإدارية وفق نموذج يميل إلى رسم الحدود في إطار ما يسفر عنه التفكك الأهلي.
السادس، استسهال عملية الإصلاح وتقليل أهمية العامل الزمني في التطور الاجتماعي واختصار النهضة الموعودة بجملة خطوات ساذجة مثل: برامج ترجمة، تنقيح كتب التربية، استخدام الكمبيوتر، التدريب على النشاط البلدي أو البرلماني، وأيضا إصلاح القضاء والتدريب المهني وإنشاء مؤسسات صغيرة الحجم. فهذا النوع من الخطوات يعطي فكرة مشوهة عن مسألة النهضة العربية "الإصلاح". فالمشروع المعروض هو أقرب إلى عملية انقلابية "زمنيا" وليس خطة عمل طويلة المدى تأخذ في الاعتبار ذاك التفاوت الهائل بين الدول التابعة والدول المتبوعة.
السابع، اعتماد موازنة هزيلة "100 مليون دولار أو يورو" لتنفيذ خطط الإصلاح بذريعة تأهيل نواة بشرية واعدادها نفسيا وثقافيا للقيام بالدور الموكول. والموازنة المرصودة لا تكفي لعقد المؤتمرات وطباعة الابحاث وشراء الذمم وبعض الأقلام "المتأمركة" أصلا.
الثامن، تغييب عنصر المال "الاستثمار" العربي في تأسيس قواعد الإنتاج وبناه التحتية. فالمشروع الأميركي لا يتحدث عن الأموال "الودائع" العربية في المصارف الأجنبية وتقدر بـ 1400 مليار دولار، وهي كافية لتحقيق نهضة اقتصادية إذا سمح بتحريرها أو عودتها إلى بلدانها وتوظيفها في قطاعات إنتاجية "زراعة، صناعة، وتربية".
التاسع، ربط الإصلاح بالمظلة السياسية للخارجية الأميركية وعزله عن مسألة النمو الداخلي ونسبة التفاوت القائم بين الدول العربية نفسها. فهناك بعض الدول متقدم اجتماعيا "تنمويا" ومتخلف سياسيا. وهناك بعض الدول متقدم سياسيا ومتخلف اجتماعيا وتنمويا.
الخطأ العاشر، وهو الأهم في السلسلة، فصل الإصلاح عن هويته التاريخية، وتغييب مسألة الاستقلال السياسي والسيادة والتغاضي عن دور الإسلام كرافعة تاريخية "ثقافية" لكل مشروع حضاري وحيوي ومتقدم في العالم الإسلامي.
هذه الأخطاء العشرة هي مجرد ملاحظات للكشف عن أسباب غياب المشروع الأميركي للإصلاح وعدم استجابة الشعوب العربية لوعوده. فالمشروع حتى ينجح بحاجة إلى إعادة نظر وتأصيله وفق قواعد المنطقة وآليات تطورها الخاص بعيدا عن تلك التي اعتمدتها واشنطن في سياساتها الفوقية والعدوانية والانقلابية ضد العرب والمسلمين.
المشروع فاشل من أساسه وهو مجرد أوراق تقول الكثير من الكلام بينما الواقع يتحرك بعيدا عن تلك الأحلام الوردية والحلول السحرية. والعراق هو المثال الأخير والتطبيق الميداني لمدى احتمال فشل المشروع الأميركي المفروض بالقوة العسكرية على المنطقة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1082 - الإثنين 22 أغسطس 2005م الموافق 17 رجب 1426هـ