العدد 1081 - الأحد 21 أغسطس 2005م الموافق 16 رجب 1426هـ

طهران تملك الورقة الأقوى وليس واشنطن

خيارات أميركا محدودة والحل المفاوضات الدبلوماسية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كل ثاني وظيفة عمل في ألمانيا تعتمد على التجارة الخارجية. إذا وقعت حرب جديدة في منطقة الخليج سيكون لها أثر سلبي جدا على الاقتصاد الألماني. إنه أبرز سبب وراء انتقاد المستشار الألماني غيرهارد شرودر تهديدات الرئيس الأميركي جورج بوش بشن حملة عسكرية على إيران. منذ وقت تحولت العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا وإيران إلى ما يوصف بقصة نجاح. نسبة 12 في المئة من حجم المشروعات المشتركة التي يجرى العمل فيها في إيران تمولها ألمانيا التي تعتبر الشريك التجاري الأول لطهران بينما الأخيرة تحتل المرتبة 35 على قائمة الشركاء التجاريين لألمانيا. برأي معلق قضايا الشرق الأوسط في محطة "صوت ألمانيا" بيتر فيليب فإن العلاقات التجارية المكثفة بين ألمانيا وإيران أبرز دافع وراء رفض شرودر الخيار العسكري ضد الجمهورية الإسلامية. ويذكر هنا أن ألمانيا أحد أطراف "ترويكا الأوروبي" الذي يتفاوض مع إيران لإقناعها بالعدول عن خططها النووية، وعرض بديل عليها، وتساندها في ذلك بريطانيا وفرنسا.

الخلاف بين الغرب وإيران يتجه نحو التصعيد. هذا ما تكشفه تصريحات السياسيين الأميركيين. فقد أعلن السفير الأميركي في العراق زلماي خليل زاد عن قلقه واتهم إيران علنا بدعم من وصفهم بالمتمردين وتسهيل تسلل الأشخاص والسلاح عبر حدودها مع العراق. صدرت تصريحات زلماي بعد يوم على إعلان بوش في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي أنه لا يستبعد الخيار العسكري. وقال بوش: استخدام العنف آخر ما يلجأ إليه الرئيس لكن كما تعلمون استخدمنا قبل وقت قصير العنف لهدف حماية بلدنا.

على العكس من دول أخرى تسببت تصريحات بوش في إثارة حفيظة الألمان مثلما أثارتهم في السابق دعوة واشنطن لغزو العراق. في غمرة الحملة الانتخابية أتت تصريحات بوش مناسبة لشرودر الذي ذكر الناخبين بموقفه المعارض لحرب العراق وكم كان على حق في التحذير من نتائج الحرب. أما منافسته على المستشارية أنجيلا ميركل فقد أكدت لمجلة "شتيرن" أنها على عكس موقفها المؤيد لحرب العراق فإنها تعارض حملة عسكرية ضد إيران ودعت القيادة الإيرانية إلى التجاوب. غير أن المرشح لمنصب وزير الخارجية فولفجانغ شويبلي إذا استعاد المحافظون السلطة في ألمانيا، انتقد موقف شرودر وقال إن معارضة خيار الحل العسكري يجعل إيران ترتاح لأن الغرب منقسم على نفسه. وزاد مدير مؤسسة أسبين الأميركية المحسوبة على اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة جيفري جيدمين أن بوش يعمل بما تنص عليه السياسة الخارجية الأميركية حين تتعامل مع أنظمة استبدادية وانتقد شرودر وقال "إنه يقول للإيرانيين بإمكانكم الاعتماد على ألمانيا". برأي خبير قضايا الشرق الأوسط في الاتحاد المسيحي الديمقراطي المعارض روبريشت بولينز لا ينبغي طرح عروض على إيران وإنما التوضيح لها بوجود عواقب إذا ظلت متشبثة بموقفها الرافض للتراجع عن خططها النووية. اتهم بولينز المستشار الألماني بإضعاف موقف الغرب وقال: السياسة الخارجة مثل لعبة الورق، لا يسمح لاعب لآخر رؤية أوراقه. لا يتوقع المرء رأيا مغايرا لأن الورقة الإيرانية يجرى استخدامها في الحملة الانتخابية بألمانيا.

ماذا يقول الخبراء بشأن هذا الخلاف؟ الخبير العسكري في جامعة "هومبولدت" هيرفريد مونكلر ببرلين قال: المشكلة أنه إذا هدد الغرب باستخدام القوة العسكرية، يتعين عليه الاستعداد لها ليثبت أنه عازم عليها في حال انتهت المفاوضات بالفشل. لكن مونكلر ذكر ملاحظة مهمة وهي أن الجيش الأميركي يواجه صعوبات كبيرة في العراق لم تكن في حساب مخططي الغزو، الأمر الذي يستبعد مشاركة القوات البرية المتمركزة في البلد المجاور لإيران بحملة عسكرية جديدة والشيء الوحيد الذي تقدر عليه الولايات المتحدة ما يسمح به تفوقها العسكري بتوجيه ضربات من الجو أو من البحر. يضيف مدير معهد "الشرق" بمدينة هامبورج أودو شتاينباخ مشكلة أخرى حين قال: إذا صعدت واشنطن تهديداتها وشعرت إيران بخطر هجوم عسكري ستقوي نفوذها في العراق.

في عددها الأخير نقلت مجلة "تايم" الأميركية عن تقارير للمخابرات ووثائق إيرانية سرية أن إيران تمول العمليات التي ينفذها المتمردون وزودتهم بأسلحة حديثة وخصوصا تقنية صنع القنابل. إضافة إلى وجود علاقات متينة بين طهران وعدد من الجماعات الشيعية داخل العراق. سينتفض البركان الشيعي في العراق إذا تعرضت إيران لهجوم أميركي لأن ثلث الشعب العراقي شيعة سيسارعون للتعبير عن تضامنهم مع أقرانهم في إيران. برأي شتاينباخ إذا حصلت انتفاضة الشيعة في العراق أو ظهور معارضة شعبية واسعة للسياسة الأميركية، ستظهر مشكلة كبيرة أمام الولايات المتحدة. يعترف جيفري جيدمان من مؤسسة أسبين "أن إيران بيدها الكارت الأفضل"، وقال "إن الرئيس الأميركي منشغل جدا لإصلاح النظام الاجتماعي وآخر ما يحصل له هو تحديات جديدة في حقل السياسة الخارجية". يستطرد جيدمان:" الأوروبيون الذين لا يؤيدون الخيار العسكري هم على حق مثل الأميركيين الذين راهنوا منذ البداية على فشل المفاوضات. ولأن إيران تملك الورقة الأقوى يتعين على الغرب مراجعة الموقف والتفكير بما يمكن عمله حين تنجح إيران بامتلاك القنبلة". بحسب رأي مدير أسبين في برلين ينبغي على الغرب دعم عملية الديمقراطية في إيران كي تأتي حكومة ديمقراطية إلى الحكم تكون فرص نجاح المفاوضات معها أفضل من النظام الحالي. لكن شتاينباخ يجد "أن تهديدات واشنطن لإيران تضع العراقيل أمام عملية الدمقرطة وتقوي نفوذ المتشددين إذ لا يمكن أن يتصور بوش أن الشعب الإيراني سينتفض ضد النظام بأمر منه".

ماذا عن الشعب الأميركي؟ هل سيؤيد حملة عسكرية ضد إيران؟ في الماضي أيد غالبية الأميركيين غزو العراق لأن بوش وتشيني ورامسفيلد وباول قالوا لهم إن "نظام صدام حسين له علاقة بتنظيم "القاعدة" الذي نفذ هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001". بعد نصف عام على بدء ولايته الثانية لا يؤيده حاليا أكثر من 42 في المئة من الأميركيين. ولا يزيد عدد الذين يؤيدون سياسته في العراق على 34 في المئة. جاء هذا في عملية استطلاع للرأي نشرتها مجلة "نيوزويك" في عددها الأخير. هكذا يكون بوش قد وصل إلى مستوى التأييد الذي حصل عليه الرئيس السابق ليندون جونسون في مطلع العام 1968 حين كانت الولايات المتحدة غارقة في حرب فيتنام. هذه النتيجة التي دفعت جونسون إلى العدول عن الترشيح لولاية ثانية.

حتى لو فشلت جميع المفاوضات فإن الحل العسكري بشن غارات جوية على منشآت النفط في إيران ليس حلا واقعيا برأي الخبراء السياسيين والعسكريين. لا يعني ذلك أن أميركا ضعيفة عسكريا. في العراق كميات كبيرة من القنابل التي لم يعد الجيش الأميركي بحاجة إليها ويمكن رميها على المنشآت النووية الإيرانية بواسطة طائرات من طراز 120 -1 و-2 و-25 كما بوسع الولايات المتحدة مهاجمة خمسة آلاف هدف في وقت واحد. لكن السؤال الكبير؛ ماذا يتبع ذلك؟

وفقا لتقديرات خبير الشئون الإيرانية في كلية الحرب الوطنية الأميركية مايكل مازار، سترد إيران بعمليات استفزازية تقع في مختلف أنحاء العالم، بعبارة أخرى، سترد بعمليات إرهابية من شأنها أن تمد من عمر الحرب زمنا طويلا. بوسع الإيرانيين وضع ألغام في مضيق هرمز وشل حركة ناقلات النفط المتجهة إلى الغرب وسيكون لهذا أثر سلبي للغاية على الاقتصاد العالمي كما سيرتفع سعر النفط إلى حد يصعب تصوره. الآن كل يوم يمر 15 مليون برميل من النفط من منطقة الخليج عبر مضيق هرمز باتجاه السوق العالمية. لن يكون بوسع أحد تفادي نشوب أزمة اقتصادية عالمية وانفجار أسعار النفط. في العراق ستتصاعد أعمال العنف بصورة تزيد أضعافا عما يجري في هذا البلد حاليا. سيكون بوسع الشيعة في العراق وخصوم النظام في المملكة العربية السعودية إشعال النار في المنطقة كما سيبدأ حزب الله اللبناني هجمات جديدة على "إسرائيل".

بيد إيران إمكانات ليست محدودة لتصعيد النزاع مع الولايات المتحدة. السبيل الوحيد لحصر هذه الإمكانات هو احتلال إيران أو تغيير النظام الحاكم. الخيار الأول ليس بوسع الولايات المتحدة القيام به والثاني لن يتحقق إذا شنت الولايات المتحدة هجمات عسكرية. منذ سنوات تنبأ المحافظون في واشنطن بقرب انهيار النظام في إيران. منذ أن صعدت واشنطن حملتها على إيران بسبب البرنامج النووي الإيراني يمكن القول إن الأمة الإيرانية تقف موحدة بوجه التهديدات الأميركية وأيضا بوجه معارضة المجتمع الدولي لمواصلة العمل بهذا البرنامج إذا كان يرمي لإنتاج أسلحة نووية. لم يسبق وأن حصلت طهران على تأييد شعبي واسع مثل اليوم.

كذلك، فإن تهديد إيران بنقل الخلاف بشأن برنامجها النووي إلى الولايات المتحدة لهدف فرض عقوبات اقتصادية عليها لا يزعج الإيرانيين. أولا، هذه العقوبات فرضتها الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة على إيران. لكن نتائج هذه العقوبات - مثل ازدياد عدد العاطلين عن العمل وعدم توافر قطع غيار الطائرات الأميركية - لم تجبر إيران على الركوع. روسيا والصين لن توافقا على وقف التجارة مع إيران. بينما تحتاج الصين إلى النفط والغاز من إيران فإن روسيا تريد مواصلة بيع إيران تقنية نووية.

لكن قد يقتنع الأميركيون بالخيار الثالث وهو الذي لا يجري الحديث عنه في العلن: الدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران. التفاوض مع إيران مسألة محرمة منذ ربع قرن وعلى إثر عملية احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية بعد انهيار نظام الشاه. يعتقد البعض أن عودة العلاقات الدبلوماسية لسابق عهدها بين البلدين قد يكون الثمن الذي تطلبه إيران للتراجع عن خططها النووية، وترشح الشائعات المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي ليكون الشاهد على عقد هذه الصفقة

العدد 1081 - الأحد 21 أغسطس 2005م الموافق 16 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً