العدد 1081 - الأحد 21 أغسطس 2005م الموافق 16 رجب 1426هـ

عالي والمحرق والمنامة وتوبلي... تصنيع الخمور المنزلية لايزال مستمرا!

أين المجالس البلدية؟

عالي، سترة، المنامة، المحرق، الحورة وأخيرا توبلي. .. صناعة الخمور في الأحياء السكنية تعيد السؤال عمن يتحمل مسئولية هذه المساكن المهجورة بقلب المناطق المأهولة في المدن والقرى والتي تستخدم للدعارة وأخرى لتصنيع وترويج الخمور؟

أين الدولة؟ أين المجالس البلدية؟ أين المؤسسات الاجتماعية؟ أسئلة كثيرا ما تردد على ألسن أهالي الكثير من المناطق السكنية في محافظات البحرين الخمس الذين ضاقوا ذرعا بهذه الممارسات المشبوهة.

"الوسط" حاولت استقراء هذه الظاهرة خلال عامين فقط، وكانت المفاجأة فوق المتوقع، إذ إنها كانت محصلة كبيرة... كبيرة جدا، لا تتحملها هذه السطور القليلة بالتأكيد، لكننا نحاول تسليط الضوء على جزء يسير فقط من هذه الظاهرة المنتشرة في الكثير من المناطق في المملكة، وخصوصا في المناطق المحافظة.

على مدار العامين الماضيين يواجه المواطنون مسلسلا متكاملا من الممارسات اللاأخلاقية... وسايرت "الوسط" والرأي العام البحريني كذلك هذه الحوادث منذ بداياتها. وقبل أن يجف حبر البلاغات عن شبكة ما، يتفاجأ الرأي العام بثانية وثالثة ورابعة... والقائمة طويلة!

أيام قلائل مضت على عملية رجال الأمن في إلقاء القبض على ثلاثة آسيويين في وضح النهار بمنطقة توبلي بتهمة ترويج وتصنيع الخمور بعد أن داهمت منزلا عثر فيه على مواد كيميائية وغير كيميائية تستخدم في تصنيع الخمور، ولاتزال التحريات مستمرة في البحث عن خيوط ودهاليز هذه الشبكة التي لها فروع مترامية الأطراف في مناطق مختلفة من المملكة بحسب ما يقول السكان هنا.

وفي الثامن عشر من فبراير/ شباط الماضي اكتشف عدد من أهالي منطقة واديان "سترة" عمارة كبيرة في وسط حيهم السكني تستخدم كوكر لتصنيع الخمور وممارسة الرذيلة. وقام الأهالي برفع عريضة كبيرة ضمت أكثر من 300 فرد منهم محتجين على هذا التجاوز الأخلاقي والقانوني، وسلمت العريضة إلى جهات مختلفة منها المحافظة الوسطى، ولكن "لا خبر جاء ولا وحي نزل" وهو تعليق ساخر من أحد الأهالي، لكنه يحمل في طياته نوعا من الحقيقة والحقيقة المرة من عدم تجاوب المسئولين في استشعار خطر هذا الناقوس!

وفي السادس من شهر مارس/ آذار ،2004 اكتشف أهالي حي المخارقة "وسط المنامة" منازل لممارسة الدعارة، ووصلت فصول هذا المسلسل إلى ذروتها عندما اكتشف الأهالي محلات لصناعة وبيع الخمور بالقرب من مأتم بن سلوم، وتجمع المئات من سكان المنطقة ووقعت مصادمات بين عدد من الشباب من جانب وأصحاب هذه المحلات من جانب آخر، أسفرت عن إصابات متفرقة لدى بعض الأهالي.

بدأت القصة الأخيرة في العاشرة مساء عندما ذاع الخبر في أرجاء المنامة، وتمكن المئات من الوصول إلى المنزل الأول الذي يضم غرفتين، إحداهما تضم ثلاجات من القطع الكبير مملوءة بأنواع مختلفة من الخمور وجهاز تلفاز ومبالغ نقدية، فيما كانت تستعمل الأخرى كحانة لشرب الخمر على ما يبدو، ونجح قاطنو المنزل الثلاثة في الفرار من الباب الخلفي للمنزل، ليعاد السيناريو ذاته مع أربعة منازل أخرى مشابهة.

وأفاد عضو المجلس البلدي مجيد ميلاد لـ "الوسط" بأنه تم "اكتشاف بيوت كثيرة كانت عبارة عن "بارات"، فعندما دخل فيها الشباب لم يجدوا فيها أماكن للنوم بل كانت كلها عبارة عن حانات مجهزة لاحتساء الخمر، وهذا البيت الذي نحن أمامه، اكتشف الأهالي أن به مخزنا للخمور فيه كميات كبيرة جدا جدا، ونحن لم نتوقع وجود هذه الكميات الهائلة والتي خزن بعض منها في السقف، أيضا كان هناك بيتان أو ثلاثة للدعارة، وأحد الضباط شاهد بنفسه آثارا تدل على استخدام أحد المنازل للدعارة".

ورد أحد الاهالي على الآراء التي تقول إن ما يفعله الأهالي ينم عن عدم احترام لاختيار الآخرين قائلا "أية خيارات قبال الدين والشريعة؟! وثانيا نحن نخاف على أجيالنا أن تتعود على هذه التجاوزات، ورأينا بأم أعيننا في أحد الأيام أحد الشباب يدخل مع إحدى الآسيويات منزلا مشبوها فماذا ننتظر؟".

تأجير العزاب... بثمن بخس!

المؤسسات الاجتماعية الأهلية تقوم بدور مشهود في رصد هذه التجاوزات، ونقلها إلى الجهات المعنية في الدولة، وعن ذلك يتحدث رئيس جمعية العاصمة للثقافة الإسلامية صالح القطري عن مشكلة هذه المنطقة "المنامة" التي رأى أنها تكمن بدرجة كبيرة في هجران كثير من الأهالي لها بسبب ضيق البيوت من جهة وتوسع العوائل من جهة أخرى، إذ هجرت الكثير من البيوت والتي في غالبيتها أصبحت الآن غير صالحة للسكن "آيلة للسقوط أو بحاجة إلى إعادة ترميم" وغير لائقة بسكن المواطنين، وتحتاج إلى تصنيف من قبل البلدية بما يتناسب وقوانين البناء".

ويضيف القطري قائلا "بعد هجرة هذه البيوت أجرت للأجانب العزاب بمبالغ عالية جدا بالنظر إلى ما يمكن أن يدفعه المواطن لمثل هذه البيوت، وبالتالي فإن أصحاب العقارات يطمعون في تأجير العزاب، ويتناسون الأضرار الكبيرة التي يلحقها هؤلاء العزاب سواء من الجوانب الأخلاقية أو غيرها، بما يهدد أهالي المنطقة وخصوصا الأطفال بخطر حقيقي، وهنا تأتي أهمية تدخل رجال الأمن لحفظ هذه المنطقة عن هذا الوجود المرفوض من جميع الأهالي".

على أن المنامة لم تكن وحدها التي تعرضت لهذا الغزو أللاأخلاقي الذي يضرب البنية الاجتماعية في الصميم، فها هي المحرق، النعيم، الجفير، سترة، مدينة حمد، وأخيرا وليس آخرا ما حدث في منطقة توبلي، إذ نجحت قوات الأمن في القبض على شبكة لتصنيع الخمور المحلية التي يرى كثير من الأطباء أنها تترك تأثيرا سلبيا مضاعفا على صحة الإنسان، وفي الدول المجاورة المحاكم مليئة - وربما في البحرين أيضا - من هذا النمط من التجاوزات التي يكون روادها من الآسيويين الذين يطلق عليهم لفظة "الفري فيزا" أو العمالة السائبة التي تتأجر هذه المنازل بسعر عال جدا يفوق قيمتها الحقيقية من أجل المتاجرة غير المباحة لا شرعا ولا قانونا.

وعن الحلول الواقعية للتصدي لهذه الظاهرة يقول حسين جاسم "قاطن في منطقة توبلي بالقرب من مسرح الحوادث الأخيرة" إن هذه المسئولية ثنائية ومشتركة، فهي من الجانب القانوني تكون من ضمن مسئوليات الدولة في حفظ هوية وصحة وسلامة مواطنيها، ومن الجانب الآخر تدخل هذه القضية في ما يمكن أن نطلق عليه "المسئولية الاجتماعية"، فبعض أصحاب العقارات الجشعة، وهي كثيرة ومنتشرة في مختلف مناطق البحرين يتحملون مسئولية أدبية وشرعية ولربما قانونية بسبب تأجير هذه العقارات القديمة أو الخربة إلى الآسيويين طمعا في المال، ورغبا في جني الربح السريع، ولكن ما الخسارة في المقابل؟

يسكت حسين قليلا ثم يواصل: "الضحية هم أبناؤنا وبناتنا وأجيالنا الشابة، الضحية الأولى هي هويتنا وإسلامنا وتاريخنا ووطننا "..." وكبح جماح هذا الاستثمار الشديد يحتاج إلى سلطة رقابية فعالة سواء في المجالس البلدية المنتخبة من قبل الناس أنفسهم، أو من خلال واجب الدولة في أجهزتها المختلفة حمايتنا من هذه الظاهرة الخطيرة، والغريبة كل الغرابة عن عاداتنا وتقاليدنا".

إجهاض مقترح نيابي

وفي مطلع هذا العام تقدمت كتلتان نيابيتان "الأصالة والمنبر الوطني الإسلامي" بثلاثة اقتراحات إلى مجلس النواب، واقترحت الكتلتان تعديل العقوبة المنصوص عليها في قانون المسكرات، وتعديل قانون العقوبات للعام 1976 بما يؤمن تجريم استيراد وحيازة أو صنع المشروبات المسكرة، لكن المقترح أجهض عمليا من أطراف مختلفة لكي لا يرى النور على الأقل خلال الدورة الحالية للمجلس التي تنتهي العام المقبل.

تشكيل لجان أهلية

فيما اقترح أحد المواطنين - كحل مؤقت - تشكيل "لجنة أهلية" تتكون من ضابط أمن وعضو في الصندوق الخيري، وممثلو المجالس البلدية لتدارس هذا الملف الخطير وتداعياته بالسرعة المطلوبة مع الحفاظ على الجانب الأمني الذي يدل على وعي وتحضر أهالي البحرين، وتكامل الجهود من جميع الأطراف المعنية لتجاوز هذه الحال الشاذة، ومحاربة أوكار الفساد والرذيلة بأسلوب راق يتناسب مع هذه الغاية النبيلة.

ودعا مواطن آخر مطلع على هذه الحوادث إلى "تعاون مختلف الجهات الرسمية في المملكة، وخصوصا الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية مع المجلس البلدي والأهالي لإزالة هذه الأنواع من الأوكار التي لم يألفها أهالي البحرين من قبل - على حد قوله - لحماية المناطق السكنية المأهولة والحفاظ على عراقتها".

عرائض تتبعها عرائض

لم يمل الناس هنا على ما يبدو من رفع العرائض تلو العرائض، والمناشدات تلو المناشدات إلى كل المسئولين، وفي قبال هذه الاحتجاجات، وعود معسولة، تتبعها وعود أكثر حلاوة ولكن الغائب الحاضر هو تطبيق القانون الرادع، فمن أمن العقاب أساء الأدب

العدد 1081 - الأحد 21 أغسطس 2005م الموافق 16 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً