هكذا قُدّر له، أن يوأد قبل أن يولد أو يخرج مشوها كالمسخ ليعيش في أروقة المستشفيات تتسابق إلى جسده الأجهزة والمغذيات، علّها تعيد له شيئا من الحياة أو تمنحه بريقا من الأمل يتعلق به.
هذا هو قدرنا، أن ننفق آلاف الدنانير وأن نستنفر كل الجهود ونسخر كل الإمكانات والوسائل، ومن ثم نفاجأ بأن ما جاهدنا من أجله ما هو إلا سراب وسط إجراءات إدارية روتينية لا يبتعد إطارها العام عن التسويف والمماطلة والتلكؤ. لمَ لا والكثير من المشروعات التي تمس المجتمع في صميم حاجاته إما تركن في الأدراج أو تجد طريقها إلى سلة المهملات.
ليس علينا أن نمتعض أو تعترينا الدهشة، فبعد أن كان الطموح يجذبنا نحو إيجاد برلمان شبابي حقيقي يعبّر عن هموم وتطلعات وآمال شريحة مهمة طالما وجهت القيادة السياسية في البلاد إلى الاهتمام بها ورعايتها واحتضانها، نجد أنفسنا اليوم هكذا وبلا مقدمات أمام مجلس تشريعي خاضع لإشراف أبوي، وأعضاؤه معينون بدلا من أن يكونوا منتخبين، ومقررٌ علينا أن نركن إلى الواقع ونتناسى التأجيلات المتكررة التي صادفت المشروع، حتى بتنا فاقدين القدرة على التمسك ببصيص أمل يطمئننا بخروجه من الرحم سالما معافى.
وفيما كانت بلدان عربية وغربية تنظر بعين الاحترام والتقدير إلى البحرين التي أوجدت استراتيجية خاصة بفئة الشباب، تهتم بأدق تفاصيل احتياجاتهم ومتطلبات تأهيلهم وإعدادهم بالصورة الأمثل لتبوأ مناصب قيادية مستقبلا، أصبحنا نبحث عن مبررات وحجج تشفع لنا التأخر في تنفيذ بنود هذه الاستراتيجية التي لم تكترث بها أجهزة الدولة الرسمية، على رغم التوجيه الملكي الصريح بضرورة تفعيلها على أرض الواقع.
وبات علينا من الآن فصاعدا أن نقنع الوفود التي تزور البحرين للاستزادة من محصلة انطلاقتها نحو تشجيع الشباب على ممارسة العمل التشريعي، بأن ما تعرضنا له خلال الأربع أو الخمس سنوات من تعطيل المشروع ما هو إلا مجرد كبوة، وأن من سيعينهم معهد البحرين للتنمية السياسية سيتم تربيتهم على الممارسة البرلمانية ولن تكون لهم صلاحية تحديد المشروعات التي تنمي مهاراتهم وتصقل قدراتهم، تلافيا للتضارب بين قبتي برلمان تمارسان العمل التشريعي في الوقت ذاته.
ويبدو أن المعهد لم ينتبه إلى أن التعيين يوصلنا بشكل أو بآخر إلى عرف مرفوض وغير مقبول، لأنه يعبر عن دلالة واحدة وهي أن المعين سيكون مخلصا في المقام الأول لمن أوصله إلى موقعه، وليس إلى الفئة التي أوجد لخدمتها والدفاع عن مصالحها، وهذا كله يتعارض مع الهدف الأساسي من تأسيس المشروع.
كان من المقرر أن نكون في موقع الصدارة على المستوى الإقليمي، لو أن الجهة الرسمية كانت جادة في ترجمة آمال الشباب إلى حقائق يتلمسها القاصي والداني، وخصوصا أن الاستراتيجية الوطنية التي نفخر بأن شبابنا لهم بصماتهم الواضحة في كل فصل من فصولها، لم تكن إلا سمة من سمات دول معدودة قطعت مشوارا طويلا في هذا المجال، ولكن يبدو أنه مُحتمٌ علينا أن نعمل ونستنزف من أموالنا وعقولنا الكثير ليأتي الآخرون ليجنوا ما كنا قد زرعناه.
وهنا نتساءل عن الهدف من تعيين أفراد ربما لا يجدون القبول من الشريحة التي سيمثلونها؟ وهل هناك ما يضمن نجاح هذا التوجه ونحن نعلم بوجود حاجز نفسي يمنع الشاب من الحديث عن احتياجاته لشخص يمثله ولم تكن له الحرية في اختياره أسوة بالبرلمان الحقيقي؟ ولماذا تم تأجيل اتخاذ خطوات عملية نحو تطبيق هذا المشروع طوال السنوات الماضية ولم يفصح عن التعيين إلا في هذه الفترة؟ وهل يمكننا أن نعول على تأسيس برلمان تربوي في حماية الشباب من الانزلاق في طريق العنف الذي عشناه بكل تفاصيله في الحوادث الأمنية الأخيرة؟
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2420 - الثلثاء 21 أبريل 2009م الموافق 25 ربيع الثاني 1430هـ