العدد 2420 - الثلثاء 21 أبريل 2009م الموافق 25 ربيع الثاني 1430هـ

إجماع على النهج السلمي... فأين تكمن المشكلة؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المتتبع للوضع السياسي على ساحتنا المحلية يدرك حجم التعقيدات في مجتمع صغير ابتلي بموروث تاريخي وبانعكاسات لمشكلات إقليمية لا دخل له بها. هذه الأمور مجتمعة أربكت الجميع وأوجدت حالة من الهواجس وانعدام الثقة، تمثلت في مراوحة الوضع في مكانه وضمن دائرة مغلقة تخشى الأطياف السياسية مغادرتها.

في تناولنا لوضعنا المحلي نستعرض الرؤى المختلفة لبعض القوى الفاعلة على الساحة السياسية، والتي تبلورت بصورة أكثر وضوحا بعد المبادرة الملكية بإطلاق سراح المعتقلين.

أولى هذه الرؤى هي ما عبّر عنه الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في حواره الصحافي مع «الوسط» بتاريخ 16 أبريل/ نيسان2009. في هذا اللقاء كان الشيخ علي واضحا في طرحه المتمثل في نبذ العنف والتخلي عن تبني الخيار الأمني لمشكلات سياسية. فقد أكد على ضرورة التمسك بالنهج السلمي لمعالجة الملفات المختلف عليها مع الجهة الرسمية، باتباع آليات مشروعة كالاعتصامات والمسيرات المرخصة، والعصيان المدني. ورأى سماحته أن في القانون، رغم ضيقه، مساحة يمكن العمل من خلالها للتوافق على حلول لمشكلات كالتجنيس والتمييز وتوزيع الثروة والمسألة الدستورية، مستدركا أن الحكومة لم تعمل بصورة صحيحة مع البرلمان في الفصلين التشريعيين.

وعن الاختلاف مع بقية فصائل المعارضة أوضح سماحته أن الاختلاف معهم يتركز حول المرجعية التي تتبعها الوفاق، ممثلة في سماحة الشيخ عيسى قاسم والمجلس العلمائي. وبالرغم من هذا الاختلاف يبقى التنسيق قائما بينهم بحسب تصريحه.

هذا الطرح الوفاقي يقابله طرح آخر يتطابق معه حول مسألة نبذ العنف وضرورة الالتزام بالنهج السلمي كوسيلة لمعالجة المشكلات العالقة. ويمثل هذا الطرح فصائل المعارضة الأخرى سواء المؤيدة للمشاركة في البرلمان أو الرافضة لها. الناشط السياسي حسن مشيمع لا يرى في البرلمان أداة لمعالجة المشكلات العالقة بسبب نقص في صلاحياته، ويرى في الحراك السياسي خارجه وسيلة أكثر نفعا وأجدى. كما يرى أن عنف الشارع هو رد فعل ناتج عن عدم الاعتراف بوجود أزمة سياسية تسببت في حدوث أزمة أمنية. فالأزمة السياسية هي الأصل.

في خطبته ليوم الجمعة الموافق 17 أبريل ثمن سماحة الشيخ عيسى قاسم بمبادرة إطلاق سراح الموقوفين واعتبرها خطوة حكيمة لها قيمتها العملية لكونها تشكل معالجة أولية لوضع كان قائما يُخاف منه بدرجة عالية على الوطن وأهله. ورأى في الخطوة فرصة لانفراج حقيقي في الأزمة الأصل والتي لها جانب سياسي وآخر حقوقي ولها تداعياتها المتمثلة في الاحتجاجات لرفض هذه السياسات، يتبعها تشديد في القوانين ومطاردات وسجن. واعتبر سماحته أن التخلص من كل التداعيات يتطلب الخلاص من أساس الأزمة عن طريق الحوار الذي يفتح تجاهله البديل الأسوأ لكون الفعل السيئ له رد فعل من جنس الفعل.

من الواضح أن جميع فصائل المعارضة الأخرى تتبنى النهج ذاته، فهي أيضا تتوق للحوار وتنبذ العنف وتجنح للسلم في معالجة الأمور المختلف عليها. وفي استعراضنا للطروحات المذكورة أعلاه نركّز على موقفين أحدهما ما تتبناه جمعية الوفاق ومن ورائها المجلس العلمائي، والآخر هو ما تتبناه جمعية «حق». فبالرغم من توافق الطرفين في تشخيصهما لطبيعة المشكلة إلا أنهما يختلفان في جزئية من طرق معالجتها. فجمعية حق لا ترى في البرلمان وسيلة ولو محدودة للدفع باتجاه رفع الضيم وتحقيق العدالة. ويضفي تعثر البرلمان في معالجته لملفات رئيسية صدقية على موقف حق.

وقد برّر الشيخ علي سلمان ذلك بعدم تعاون الحكومة بصورة كافية مع البرلمان، ونضيف إليه هنا أن طبيعة تركيبة البرلمان أدت إلى انقسامه إلى محورين فئويين بعباءة مذهبية، لمضاعفة حدة التشرنق والاحتقان ليس على مستوى البرلمان وحده بل على مستوى المجتمع بأسره. ففي حين ترى الوفاق ومعها بقية فصائل المعارضة ضرورة استخدام جميع الوسائل المتوفرة ومن ضمنها البرلمان بمعوقاته لمعالجة الوضع السياسي، لا ترى حق في البرلمان بتركيبته الحالية أداة فعّالة بسبب المسألة الدستورية والانتقاص من صلاحياته، وطريقة توزيع المناطق الانتخابية التي جعلت من الاصطفاف الفئوي سمة تطغى على العمل الوطني الجامع.

وسواء كان البرلمان أداة فعالة أم العكس، فإن لوجوده جوانب عدة يمكن تسخيرها للدفع باتجاه الإصلاح. فعضويته في المنظمات الدولية مثلا هي بحد ذاتها أداة فاعلة لتسليط الضوء على التجاوزات القانونية والمواثيق الدولية.

إن مثل هذا الاختلاف في الرأي حول الأدوات الأنسب ليس مدعاة للانقسام والتشطير. ففي علم الإدارة كما في السياسة، لا يوجد حل واحد فقط لمشكلة واحدة بل توجد بدائل لحلول متعددة. من هنا فإن الاجتهاد لاختيار أفضل الحلول لا يستدعي أو يتطلب الانقسام والفرقة. فالإبداع ابتكار الحلول من خصائص ديناميكية القيادة المدربة والمحترفة التي لا تحصر ذاتها في طريق مغلق.

إن الدعوة للحوار مثلا هي أداة لحمل الطرف الآخر للتخلي عن البديل وهو أسلوب القوة والعنف لمعالجة مسائل سياسية، وإقناعه بوجود مشكلة. وفي المقابل فإن الحوار في البرلمان أو خارجه يتطلب أولا الاقتناع بوجود مشكلة غير مجزأة، وثانيا الاتفاق على أن الحل لهذه المشكلة يتطلب جهدا جماعيا مشتركا، لا فئويا أو طائفيا.

يقول علماء الإدارة إن نصف الحل لأية مشكلة يكمن في اعتراف الأطراف المعنية بوجودها، فهذا الاعتراف يمهد لحوار يدفع الأطراف المتحاورة للبحث عن حل لها. فإذا كان الطرف الحكومي لا يرى مشكلة في طريقة توزيع الثروة أو في التمييز أو التوطين أو توزيع المناطق الانتخابية، في حين ترى المعارضة في ذلك لبّ المشكلة، فإن الدعوة للتحاور تبقى فارغة المضمون ما لم يتفق الطرفان على وجود مشكلات وجب التحاور بشأنها.

إن لكل قوى المعارضة وجاهة في أسلوب معالجتها للملفات العالقة، مادامت جميعها تنأى بنفسها عن العنف. الشيخ عيسى قاسم والشيخ حسن مشيمع كلاهما يتفقان على أن معالجة العنف يتطلب الإسراع في معالجة أصل المشكلة. صحيح لا يوجد حل واحد فقط لمشكلة واحدة، والقيادة الواعية المحترفة هي القادرة على ابتكار أدواتها واستثمار كل الأدوات المتاحة بدلا من الانشغال عن أهدافها وعن الغرض من وجودها بمناقرة بعضها، والتراشق بالحجارة أو التسابق للظفر بإطراءٍ عن دورها في إطلاق سراح الموقوفين من دون أن ترسم لنفسها خططا توصلها إلى أهدافها.

إن العمل السياسي الناضج لا يتسق من دون إلمام وإتقان لمبادئ التخطيط. فللجهة الرسمية مثلا إستراتيجيتها حيال الوضع المحلي ولها الخطط المنفذة لهذه الإستراتيجية التي لا تجهلها فصائل المعارضة. وفي المقابل لا توجد بوادر لخطط لدى هذه الفصائل تبني عليها مسار عملها سوى أنها استعاضت عن ذلك باستنزاف قواها حول مسألة البيضة والدجاجة. فهل باتت قياداتها تستصغر طبيعة وحجم المشكلة حتى تنشغل بسواها؟ فهكذا سوء تقدير سيدفع ثمنه الجميع دون استثناء.

إن خطورة الأوضاع المحلية والإقليمية تتطلب من الجميع النضج والوعي بحجم المسئولية. فكما للانفلات الأمني مضاره فإن لسياسة الاستئثار والإقصاء تداعياتها الأمنية، وانعكاساتها على استقرار الوطن وازدهاره، وهنا تكمن المشكلة، سواء اتفق الجميع أو اختلفوا حول أدوات علاجها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2420 - الثلثاء 21 أبريل 2009م الموافق 25 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً