استقبل نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في مكتبه التنفيذي بأبراج الإمارات يوم الإثنين 20 أبريل/ نيسان الجاري، وفدا مصرفيا يمثل كبرى البنوك الصينية. وجرى خلال اللقاء، كما نقلته وكالة أنباء الإمارات، «استعراض علاقات التعاون بين المؤسسات المالية والمصرفية في البلدين وسبل تعزيز دور البنوك الصينية الكبيرة في أسواق الإمارات من خلال مركز دبي المالي العالمي والتعاون مع المؤسسات المالية الوطنية الأخرى من أجل تطوير الشراكة والاستثمار المشترك في القطاع المصرفي لدى الجانبين».
ربما يكون موعد الزيارة مقررا سلفا قبل أن تصدم موجة الأزمة المالية العالمية بشواطئ إمارة دبي، لكنه المؤكد أنها جاءت في أكثر الأوقات ملائمة للطرفين. فعلى المستوى «الدبوي»، وبغض النظر عن تصريحات المسئولين فيها عن قدرة اقتصادهم على تجاوز الأزمة، وفي فترة قصيرة، وكذلك بعيدا عن العديد من التقارير الصحافية، الممعنة في تشاؤمها بشأن مستقبل أوضاع دبي الاقتصادية، كذلك التقرير الذي نشرته صحيفة الإندبندنت (The Independent ) اللندنية قبل أسابيع، فإن دبي بحاجة إلى مثل هذا اللقاء لأنه يحقق لها الأهداف التالية:
1. يعيد للإمارة شيئا من بريق صورتها الاقتصادية المزدهرة التي بهتت خلال الأشهر الماضية جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية، والتي لا تعاني منها دبي وحدها. فزيارة وفد مصرفي صيني بهذا الحجم من حيث عدد المصارف، وهذا المستوى الرفيع من التمثيل، يؤكد أن دبي قادرة على استعادة عافيتها، رغم كل الإجراءات التقشفية التي لجأت إليها من دمج للشركات، وخاصة العقارية منها، وتسريح لنسبة عالية من موظفي تلك الشركات، بمن فيهم ذوي الخبرات العالمية العالية.
2. تساعد دبي من خلال حصولها على الدعم المالي المباشر، والاستثماري غير المباشر، على تقليص الدورة الزمنية التي تحتاجها للتعافي. فدبي، كما نجحت في أن تكون موطئ أقدام الاستثمارات العالمية، وعلى وجه الخصوص الغربية منها، قبل أن تتراجع هذه الأخيرة تحت ضربات أزمتها الذاتية، تريد اليوم أن تكون أيضا مركز انطلاق الاستثمارات الصينية، وتدفق رؤوس أموالها نحو الأسواق الخليجية. ودبي قادرة على قراءة أرقام التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون منذ العام 1980م والذي قفز بشكل ملحوظ في العام 2000، ثم عاد مرة أخرى إلى الارتفاع في العام 2004 ليصل إلى نحو 17 مليار دولار، كانت صادرات الخليج منها، ومعظمها من المشتقات النفطية 8.01 مليارات دولار، والواردات نحو 8.9 مليارات دولار.
وقبل التطرق لما تتوخاه الصين من هذه الخطوة الجريئة، لابد لنا من أن ندرك ظاهرة ارتفاع معدلات القروض الجديدة إلى جانب المعروض النقدي للصين بشكل قياسي منذ شهر مارس/ آذار الماضي، فوفقا لما نشره المواقع الإلكترونية نقلا عن وكالات الإنباء العالمية، «قدمت البنوك الصينية قروضا بلغت قيمتها 276.6 مليار دولار، ليصل إجمالي الربع الأول من العام إلى 586 مليار دولار وهو ما يقترب من هدف حددته الحكومة للعام بأكمله، وزادت الاحتياطيات 7.7 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام لتصل إلى 1.9537 تريليون دولار في نهاية مارس 2009.
على هذه الأرضية الاقتصادية الصلبة، نسبيا، حينما ينظر لها في ضوء الأزمة المالية العالمية، يبدو أن بكين تتطلع من وراء هذه الزيارة نحو تحقيق الأهداف التالية:
1. حصة مناسبة من نفط الخليج، فقد بات معروفا أن الصين تستهلك اليوم، لوحدها 1.8 في المئة من استهلاك العالم من الطاقة، وهو ما يساوي نحو 2.5 مليون برميل نفط يوميا، لكنها ستكون بحاجة إلى نحو 9 ملايين برميل نفط بحلول العام 2025. وقد بدأت الصين في «استيراد النفط من دول الخليج في العام 1995، وفي العام 2003 استوردت الصين من الدول الخليجية نحو 28 مليون طن نفط أي 30 في المئة من وارداتها النفطية».
2. الإستفادة من حاجة المنطقة، وعلى وجه الخصوص دبي التي دخلت في مشروعات ضخمة بحاجة إلى تريليونات الدولارات كي تتمكن من الاستمرار في الوفاء بتعهداتهاعلى الصعيدين الداخلي المحلي والدولي، إلى سيولة لم يعد في الوسع توفيرها من الأموال الداخلية، وليس هناك أي مجال للاستعانة بقروض خارجية ، نظرا لمعاناة المؤسسات العالمية من شحة السيولة النقدية التي بحوزتها.
3. نيل حصة سياسية من الكعكة العالمية، ففي وجه التعنت الأميركي المصر على تقزيم الحصة السياسية الصينية من فطيرة ساحة العلاقات الدولية، وأمام الإصرار الصيني على تبوء موقع متقدم في تلك العلاقات، تحاول الصين أن تتسلل من المنافذ الإقليمية، كي تصل من خلالها إلى تحقيق أهداقها العالمية. بكين هنا تلجأ إلى سياسة القضم الصغير والبطيء، عوضا عن الابتلاع الضخم. لم تكن انطلاقة الصين من دبي، بل من إفريقيا، والمتابع للسياسة الصينية في إفريقيا يكتشف أنها نجحت ليس في كنس النفوذ الغربي فحسب، بل وحتى تقليص التسلل السوفياتي، وتعد مصر والسنغال من النماذج الدامغة على هذا الصعيد.
برؤية استراتيجية لأهداف الطرفين، بوسعنا أن نرى الكثير من التقاطعات التي متى ما أحسن استخدامها، بوسعها أن تشكل بادرة يمكن لأن يستفيد منها الطرفان، الجانب العربي، الذي ينبغي أن يشمل أكثر من دبي وحدها، كي يقلص من اعتماده المطلق على العلاقات مع الغرب، والصين كي تحد من الضغوطات التي تمارسها المؤسسات الغربية أيضا وفي مقدمتها واشنطن.
فرصة جديدة أمام العرب، فهل نضيعها كما أهدرنا فرصا تاريخية أخرى؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2420 - الثلثاء 21 أبريل 2009م الموافق 25 ربيع الثاني 1430هـ