لابد من صناعة حد فاصل، بين العلاقات العامة كمفهوم علمي، وبينها كتلفيق أو عادة إدارية. هناك صورتان لا ثالثة لهما، إما أن تكون أجهزة العلاقات العامة في المؤسسات الوطنية "علمية"، وإما أن تعتمد في أدائها على ما يسمى حينا بالتلفيق، أو "الفن الإداري". قد تنجح العلاقات العامة "كفن"، لكنها لا تستطيع أن تستمر في نجاحاتها.
تتعدد مفاهيم إدارة العلاقات العامة الحديثة، سواء عبر مدرسة العلاقات العامة التسويقية والناشطة حديثا في "المملكة المتحدة"، أو عبر النموذج الأميركي، والذي يتميز برواجه في أكثر الشركات المتعددة الجنسية، التي تسيطر سيطرة شاملة على السوق العالمية.
ولا نهمل مفاهيم "ما بعد الحداثة"، وأعني بذلك المنتج النظري والمعرفي الذي أضافته "المدرسة الأوروبية الشرقية" لمفاهيم ووظائف أجهزة العلاقات العامة، التي انضمت للمدرسة الرأسمالية حديثا، وأضافت الكثير من المفاهيم لسياقات التنظير والتطبيق للعلاقات العامة، بما تحتوي هذه المفاهيم الجديدة من أطر "إنسانية"، ورثتها تلك الدول عن تجاربها السياسية المنهارة.
وزارة الصحة... نموذجا
سأحاول استعراض ما خرجت به وزارة الصحة البحرينية، عبر مقالة نشرتها صحيفة "الوسط" لمدير إدارة العلاقات العامة والدولية عادل علي عبدالله ردا على الصحافي جعفر الجمري بتاريخ 28-7-،2005 وسأسعى من خلالها لسبر خطاب التنظير للعلاقات العامة من قبل وزارة الصحة البحرينية، إذ كان ملاحظا اعتماد الرد على "الاتجاه النظري"، وسعى بذلك إلى استقطاب المفاهيم النظرية لدعم والرأي الذي تتبناه الوزارة.
لست في صدد بحث موضوع الرسالة الرئيسي، أو التعليق عليه سلبا أو إيجابا، أهتم في هذه القراءة فقط بتلك المفاهيم والأطر النظرية التي سردها مدير إدارة العلاقات العامة والدولية، في سياق شروحاته لمفهوم عمل هذا الجهاز في الوزارة، خصوصا في تركيزه المقصود عن فرض ثابت، وهو أن لإدارات العلاقات العامة في الوزارات الخدمية دورا مميزا ومختلفا عن باقي المؤسسات الأخرى.
لابد من الانتباه إلى أن أجهزة العلاقات العامة - في المفهوم الحديث - لابد أن لا تلعب ذلك الدور التقليدي في تمثيل رأي المؤسسة التي تعمل بها، أو الترويج لها، وصولا إلى إقامة المؤتمرات الصحافية أو الرد على الصحافة، لعل هذه البوتقة من الأعمال لا تخرج عن عمل قسم من أقسام العلاقات العامة، إلا أنها بالتأكيد ليست وظيفة "إدارة العلاقات العامة" في أي من المفاهيم الإدارية الحديثة.
مقتطفات انفعالية
أن تكون مهمة إدارة العلاقات العامة هي أن "تقوم بتوضيح موقف المؤسسة"، فهذا منتج منظري العلاقات العامة من الجيل الستيني والسبعيني، وهم ما يطلق عليهم بمنظري المفهوم الكلاسيكي في العلوم الإدارية، وهذا ما سرده خطاب الوزارة بوضوح "ضد إدارة من مهماتها الأساسية البيان وتوضيح موقف المؤسسة"، ما يجعل من منطق الرد محكوما بوجهة نظر المؤسسة، وليس محكوما بالحقيقة، أو الإشكالية التي حاول الصحافي استنطاق نتائجها، بمعنى أكثر وضوحا، إن العلاقات العامة الحديثة لم تعد جهازا ممثلا للمؤسسة، بقدر ما هي جهاز يقوم بخدمة مصالح الجمهور في المؤسسة.
في النموذج الحديث للعلاقات العامة، قد تخرج المؤسسة لتعتذر عن تقصيرها وتعد بالإصلاح، أما في المفهوم الكلاسيكي، فإن العلاقات العامة لا تزيد عن استراتيجيات وزير الإعلام العراقي السابق. فحين دخلت الدبابات الأميركية العاصمة، استمر يقول للإعلاميين "العلوج على بعد 200 كلم من بغداد".
إن السياق الذي بحثت عنه وزارة الصحة البحرينية هو سياق الهروب عن خدمة مصالح الناس، نحو الانسياق خلف ذرائعية "الوظيفة" وهي نشر رأي المؤسسة، وهذا ما يمثل منهجا كلاسيكيا في فهم الوظائف الحديثة لهذا الجهاز.
ورد في خطاب وزارة الصحة "كعادتنا نحن البشر، خلقنا وفي أفواهنا ألسنة وفي رؤوسنا آلات توجيه تسمى عقولا، تحلل وتضع المقدمات لتعطي نتائج نعبر عنها باللسان أو بالقلم، فحكمنا الذي نخرج به مبني على المعلومات المتوافرة لدينا، التي هي المقدمات، على قاعدة أن النتيجة بنت المعلومة"، بقدر ما تحاول العبارات الماضية جر الخطاب لسياقات "الأدب اللغوي" أو "التأثير المعرفي النظري"، فإنها تخفق في تحقيق مفاهيم العلاقات العامة الحديثة، فإذا كانت العلاقات العامة ستعتمد حكم البشر "التفكير في المعلومات واستخلاص النتائج" فهي لن تكون محكومة برأي المؤسسة او مصالحها، وفي هذا تناقض واضح.
أجهزة العلاقات العامة، في ضوء وظائفها الرئيسية- حسب توصيف الوزارة نفسها - لا تحتاج إلى عقل، فهي جهاز "إخباري" إعلامي" فقط، بمعنى أنه لا علاقة مباشرة بين وجود اللسان والعقل وأداء المهمات التي وضحها خطاب الوزارة. والنتيجة في حقيقتها "ليست بنتا للمعلومة"، بل هي نتيجة فهمنا للمعلومة، فقد نورد سلسلة من المعلومات، ونختلف كثيرا في تفسيرها وتأويلها، هذا ما يحيل إلى أن إدارات العلاقات العامة في سياقاتها الحديثة لا تحاول في المطلق فرض قراءات محددة لمشكلات المؤسسة، بل هي تسعى إلى تطبيق ما يسمى بأبحاث المجموعات المركزة focus group dissection والتي تلعب دور الفلترة للأفكار والتأويل للمعلومات المتوافرة، وليس جهاز العلاقات العامة جهازا يقوم بتفسير المعلومات ليقدمها كبيانات أو حلول جاهزة للجمهور، إلا في مضامين العلاقات العامة من منظورها السبعيني، والذي تعج به مكتباتنا عبر منتجات المدارس الأكاديمية العربية.
وزارة الصحة بوصفها "سلعة"!
حمل خطاب وزارة الصحة توصيفا خاصا، أو زعما معرفيا، بأن لأجهزة العلاقات العامة في الوزارات والمؤسسات الخدمية دور خاص، "لتسمح لنا صحيفتكم الغراء أن نضع بعض المقدمات التي تحكم عمل إدارات العلاقات العامة في أية مؤسسة، وخصوصا الخدماتية".
وتضيف الوزارة "تحدد جهة خاصة من مهماتها مخاطبة الرأي العام، وتمثيل المؤسسة تجاهه، وبحكم انضوائها تحت المؤسسة فرسالتها ومهمتها واستراتيجيتها من الطبيعي أن تكون متناغمة مع كينونة المؤسسة وهويتها؛ لأنها الناطق باسمها، ومن هنا لا يمكن لأية إدارة أن تخرج على هذا الإطار الوظيفي الحاكم".
إن إدارات العلاقات العامة محكومة في التجارب الحديثة، بأن تخرج عن سياق المؤسسة التابعة، أو لأية إطارات عليا للمؤسسة، بل إن للمؤسسات الخدمية خصوصية عكسية لما ورد في خطاب الوزارة، فالعلاقات العامة هي جهاز "رعاية مصالح الجمهور في المؤسسة" "راسم الجمال وخيرت عياد 2005"، بمعنى أن للجهاز أن ينفك عن المؤسسة ومصالحها الخاصة، وعليه أن يتحول إلى أداة ضغط لصالح الجمهور، عبر تكريسه مجمل نشاطاته لإيجاد صيغ توفيقية لمصلحة الجمهور وتقديم أفضل رعاية يحتاجها.
وهذا يدعونا إلى الاعتقاد، بأن سلوك الوظيفة العكسية للأجهزة العلاقات العامة في المؤسسات الخدمية يزداد، في نتيجة مناقضة لما ذهبت له إدارة العلاقات العامة والدولية بوزارة الصحة، فكلما زادت نسب الجمهور، كلما زادت برمجيات رعاية مصالحة والضغط على الهرم الإداري للمؤسسة.
هذا ما يحيل إلى نقطة مهمة، وهي أن الكثير من المؤسسات والوزارات الخدمية لا تقوم بأي بحوث مسحية لقياس الرأي العام، وهذا ما يعتبر "علميا" أكثر الإخفاقات النظرية في أجهزة العلاقات العامة الحكومية على الإطلاق، فهل تقوم وزارة الصحة بوضع بحوث دورية على الجمهور لتتعرف عليه وعلى مشكلاته الحيوية؟، بالطبع لا، لأنها - حسبما يتضح من خطابها - تمثل الوزير والوكلاء، ولا علاقة لها بالمرضى أو بمصلحة المرضى.
وتضيف الوزارة في خطابها خصوصية غريبة للوزارات والمؤسسات الخدمية تتضح في العبارات التالية "معلوم أن المؤسسات الخدمية الحكومية ليست ربحية، ما يعني أن هذه الإدارات ليس بمقدورها أن تسوق بضاعة المؤسسة"، وهذه دلالة على غياب إحدى أهم السياقات الحديثة في مفاهيم العلاقات العامة، وهو ما يسمى "التسويق الاجتماعي" social marketing، أولا ليست السلعة "مادية" بحتة في المفاهيم الإدارية الحديثة، بمعنى أنها ليست معرفة بقابليتها للبيع أو الشراء، السلعة قد تكون "فكرة"، أو "نظرية"، أو "صورة اجتماعية"، فليس لوزارة الصحة خصوصية في أن لا تقوم بترويج بضاعتها "خدماتها الطبية"، بل هي مسئولة عن ترويج هذه السلع بما يتوافر حديثا من أداوات تسويقية متطورة، قد لا يكون لإدارات العلاقات العامة بالمؤسسات الحكومية دراية بها.
نعرض مثالا توضيحيا، يقبل الكثير من البحرينيين على العلاج بالأردن، في ظاهرة تتنامى كل يوم، وتتكاثر الطلبات على الإرسال للخارج من قبل المرضى، وهذه الظاهرة تتطلب ردة فعل، فالحقيقة أن الكثير من المرضى عادوا من الأردن بإصابات مضاعفة، هنا يأتي دور العلاقات العامة بالوزارة لتقوم بترويج العلاج في البحرين، عبر خطط تسويق متطورة وحديثة، ولابد أن تتصف بتجنب المواجهة المباشرة مع الجمهور. هكذا نستطيع أن نتعرف على خاصية أن "الخدمات الطبية" تعتبر سلعة، وإن كانت مجانية.
الصحافيون... "أطباء رقابة"!
ليس من مهمات الصحافة والأجهزة الإعلامية أن تضطلع برقابة الخدمات الصحية، وذلك لاسباب عدة، ليس للجهاز الإعلامي "خاصة في السياقات العربية" خبرة متخصصة في الرقابة على الخدمات الفنية، فالصحف الأميركية تجلب المتقاعدين من الأطباء والصيادلة والممرضين لإدارة صفحاتها الطبية، كما أن التخصصية تفرض لا تكون النقودات "تنبؤيه"، بل هي مبنية على أبحاث أمبريقية علمية، صدقيتها مرهونة بتكرار البحوث وتناسخ نتائجها كما أشرنا.
هذا ما جعلنا نستغرب إعطاء الصحافة البحرينية دورا ليس من المقبول أو المعقول أن تقوم به، ورد في رد الوزارة "منذ تولي وزيرة الصحة ندى عباس حفاظ الوزارة، أرست قاعدة واضحة في التعامل مع وسائل الإعلام، تقوم على جعلها شريكا في مراقبة مستوى خدمات المؤسسة الطبية الكبرى في البلاد".
تقوم الصحافة بدور الباحث عن القصص الخبرية، بما يشمل وزارة الصحة، لكنها ليست مسئولة عن الرقابة، هذه الوظيفة تقوم بها "إدارات العلاقات العامة وإدارة مراقبة الجودة"، والتي في العادة توكل مهماتها للمتخصصين، إذ تعمد وزارات الصحة في الدول المتقدمة، إلى إنشاء لجان تتسم بالتخصصية لمراقبة جودة الخدمات، بموازاة مع نتائج البحوث المسحية الاستقصائية المنظمة على الجمهور.
وتقنن الوزارة دعوتها للصحافة بالمشاركة، عبر دعوتها الصحافة إلى الالتزام بالحقائق والبراهين "لكن هذه الشراكة منضبطة بالاحتكام إلى الحقائق والبراهين لا إلى الظنون والأقاويل المجردة..."، والسؤال كيف لجهاز الصحافة أن يحدد مضامين الحقائق والبراهين في الحقل الطبي؟، وهذا خلط رهيب وتداخل "مغلوط" لصلاحية التعاملات بين الحقول المنفصلة، كما يذهب الفرنسي بيير بورديو، في دراساته عن مفاهيم الحقوق الاجتماعية وقوى الضبط المسيطرة عليها.
الهاجس... فقط من "التشويش"!
وفي الإطار الذي وضعته وزارة الصحة كتقسيم رئيسي لما تنشره الصحافة عن وزارة الصحة، لنا الكثير من الملاحظات أهمها:
أولا: إن عمليات الرصد لما تحتويه الصحافة او أجهزة الإعلام لا تخضع لمسبق تنظيمي كما ورد في رد وزارة الصحة "قسمت الوزارة ما يرصد إلى ثلاثة أقسام رئيسية أفقيا وخمسة رأسيا"، وهذا التقسيم لا يحمل صفة علمية إجرائية، وإن سلمنا بكونه شأنا تنظيميا داخليا، فإن الصورة لا تزيد عن أنها صورة من السياق الإجرائي الداخلي، والذي لا يفي القارئ "فعليا"، في تناول القضية موضوع الرد، فلو كانت الاستراتيجية سبعة رأسيا، وتسعة أفقيا، ما الذي يتغير!
ثانيا: السابقة الحقيقة في قواعد التناول للنقودات من قبل وزارة الصحة هو "إزاحة النقودات الاستراتيجية"، وهذا ما يحمل إهمالا متعمدا لأهم النقودات، إن الوزارات في الدول المتقدمة ذات التجارب المدنية تقوم بإعداد الاستراتيجيات، ومن ثم عرضها على مؤسسات القرار، أما أن تهمل الوزارة هذا الخطاب بداعي أنه مهمة خاصة بالقيادة العليا في البلاد، فهذا ما يشكل خللا رهيبا في سياقات التنظيم الاستراتيجي لإدارة العلاقات العامة، وهذا ما أعتقد أنه بحاجة إلى مراجعة خاصة من قبل المسئولين، فالسؤال: هل إدارة العلاقات العامة بالديوان الملكي مثلا، هي المسئولة عن متابعة النقودات الاستراتيجية لوزارة الصحة البحرينية؟
ثالثا: تحتوي إحدى الاستراتيجيات على العبارة الآتية "فكل ما يكتب يلقى اهتمامنا لكننا - كإدارة علاقات - لا نتدخل في عمل أية جهة في الوزارة، بل نستفسر عن الشكوى وحقيقتها"، هذا التخصيص الواضح في أن إدارة العلاقات العامة لا تتدخل في عمل أية جهة في الوزارة يحتوي تأكيدا مباشرا على أن الرؤية الإدارية والاستراتيجية لهذا الجهاز تقتصر على أداء هامشي، لا يمس محاولة التطوير أو حتى التدخل في سياقات إيجاد بيئة poisoning جيدة وفاعلة لجهاز العلاقات العامة بين الأجهزة الأخرى في وزارة الصحة.
رابعا: كما هو مذكور في وثيقة وزارة الصحة، إن مهمات إدارة العلاقات العامة لا تتعدى الرصد والرد أو إقامة المؤتمرات الصحافية أو الحملات الإعلامية، وهذا ما يسمى في مفاهيم العلاقات العامة بالأجهزة المحكومة بمنهجية "ردة الفعل"، فهذه الإدارة مجرد جهاز استقبال وإرسال، وهذا ما يهمش إلى أقصى درجة وظائف أجهزة العلاقات العامة في العمل المؤسسي الحديث، بما يشمل المهمات الاستراتيجية في التخطيط وإعداد التكتيكات المرحلية لإدارة المؤسسات، وتنمية خدماتها وسلعها بمختلف ما ننظر للسلعة، كمفهوم واسع، ومتعدد.
خامسا: تركز أدبيات البيان الوظيفي لجهاز العلاقات العامة والدولية بوزارة الصحة على اعتماد ما أسماه "تشويش الرأي العام" كمحور مهم في تحديد نوعية وتوقيت رد الفعل الرسمي للوزارة، هذا ما يجعل المتابع يرى أن الإدارة تهدف في سياساتها إلى ضبط الرأي العام فقط، فإذا ما بقي الرأي العام ساكنا "غير مشوش"، فإن إدارة العلاقات العامة تكون في ردود أفعالها هادئة، لكن دونما أن تجعل من الرأي العام ومصلحته سياسة عليا، المهم والمقلق هو تشويش الرأي العام، وليست مصلحة الجمهور، فلو كانت الخدمات الصحية سيئة بحسب المقاييس الطبية الدولية، وكان الرأي العام هادئا، فليس لإدارة العلاقات العامة أي دور تقوم به سوى الفرجة، ونحيل في هذا الصدد إلى تقرير منظمة الصحة العالمية الذي كان يذهب إلى اعتبار نسب استخدام الأدوية المخدرة في البحرين مرتفعة نسبيا، لم يكن لهذا النبأ أي "تشويش" على الرأي العام البحريني، لذلك ليس لإدارة العلاقات العامة أي دور تسهم به في هذا الصدد، على رغم خطورة هذا التقرير وأهميته على الصحة العامة للمجتمع البحريني.
سادسا: من أبرز الأمور في تبيان بعض الشروحات في البيان هو ذهابه إلى اعتبار جهاز العلاقات العامة "مجازيا" جهازا منفصلا عن وزارة الصحة، فيقول: "إذ إن الوزارة وجهت إليها انتقادات كثيرة، وليست العلاقات العامة"، وعلى رغم أن البيان يحتوي على تأكيد أن إدارة العلاقات العامة هي جهاز الإعلان الرسمي للوزارة، فإنه في سياق تبيان حالات الاعتراض على "نشرات الوزارة" يجعل من إدارة العلاقات العامة بعيدة عن أي نقد من قبل الصحافة، فليست إدارة العلاقات العامة مسئولة عن شيء، وهذا ما يجعل من هذه القراءة غريبة، أو من الصعوبة بمكان أن أتنبأ إلى أي تصنيف من العلاقات العامة يجب أن ألصق هذه الظاهرة، وهي أن الانتقادات وجهت لوزارة الصحة، وليس لإدارة العلاقات العامة بوزارة الصحة.
سابعا: تتميز أدبيات البيان بالتأكيد على الاستراتيجيات الرئيسية لإدارة العلاقات العامة في مضامين تتسم بأنها "خطاب فضفاض"، ولعل أبرز مثال هو هذه العبارات "فدورنا منحصر في المراقبة العامة، ومخاطبة الجمهور وقنوات صناعة الرأي العام بما لديها من بيانات ومعلومات، وليس من مصلحتنا ولا من شرف مهنتنا أن نكذب أو نحرف المعلومات، لأننا - كوزارة وإدارة - عملنا خدمة المواطنين والمقيمين"، وهذا ما يعبر عنه في المفاهيم الحديثة للعلاقات العامة بالإدارة المتسمة بالعاطفة والأبوية، دونما تحديد استراتيجيات ومفاهيم قارة وثابتة goals أو أهداف إجرائية objectives، بشكل قابل للقياس بهدف الاستخدام الرشيد، والثاني جعلها قابلة للتقييم والاختبار.
ثامنا: يفتقد النموذج المقدم من قبل إدارة العلاقات العامة والدولية بوزارة الصحة إلى احدث المضامين الخاصة بالجمهور "الرأي العام" وتحليله أو اعتبار مصلحته لا تشويشه هدفا إجرائيا مباشرا، ويمكن للقارئ الكريم الاستزادة في هذا السياق بأحدث نظريات "جيفكتر"، أو "نورمان ستون".
تاسعا: على رغم تركيز خطاب وزارة الصحة على أن التعاون مع الصحافة هو خيار قائم، فإنه لا يذكر أيا من الاستراتيجيات والقضايا والأفكار الاتصالية التي تمكن من بلوغ الأهداف الإجرائية، سواء على صعيد العلاقات مع أجهزة الإعلام، أو المشكلات الطارئة، تبقى منظومة الحراك مقتصرة على ما ينشر في الصحافة وردود الفعل، او على الرأي العام "تشوش" أم لم "يتشوش".
كما أن الخطاب يتعفف عن ذكر أي من التكتيكات الخاصة بالتعامل مع المؤسسات الإعلامية، ويرمي بالمسئولية على أجهزة الصحافة في عجزها عن إثبات مثلا أن بعض الأطباء مستاؤون من بيانات وزارة الصحة، إلا أن الوزارة نفسها لا تقوم بعرض ما يقوله الأطباء والممرضون المستاؤون من التغطيات الصحافية التي تتم بحضورهم.
*كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1080 - السبت 20 أغسطس 2005م الموافق 15 رجب 1426هـ