أمهلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران مدة لا تزيد عن أسبوعين لإغلاق مفاعل تحويل اليورانيوم الذي أعادت تشغيله في أصفهان. المدة تنتهي في 3 سبتمبر/ أيلول المقبل وفي حال لم تغلق طهران مفاعل أصفهان فإن الوكالة تهدد بنقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي.
من الآن وحتى انتهاء مهلة التهديد ماذا يمكن أن تفعله إيران. طهران واضحة في موقفها فهي أشارت مرارا إلى حقها في إنتاج الطاقة "صناعة الوقود" للاغراض السلمية والتنمية، وأكدت أنها لا تخطط لصناعة قنبلة نووية. ويرجح الا تتراجع إيران عن موقفها هذا الذي سبق وكررته مرارا وفي أكثر من مناسبة. فالموقف واضح إذا ولا توجد مخارج أخرى سوى قبول الوكالة بالحقوق المشروعة لإيران أو رفضها لخطوة طهران ودفعها العلاقة إلى مزيد من التأزم. وإيران لا تملك مخارج بديلة فهي اما أن تستمر على موقفها مستفيدة من قانونيته والدعم الدولي له "باستثناء الولايات المتحدة وبعض أوروبا" أو تتراجع عن خطوتها وتقدم على إغلاق مفاعل أصفهان وتعود إلى التفاوض مع الترويكا الأوروبية لمعالجة ملفات الازمة وفق الصيغة المقترحة من الوكالة.
من الآن وحتى 3 سبتمبر من يتراجع أمام الآخر. إيران صاحبة حق في هذا المجال لأنها التزمت سقف الشرعية الدولية ولم تخالف القانون، وأكدت مرارا أن نسبة التخصيب لن تتجاوز الثلاثة أو الأربعة في المئة وهي كافية لإنتاج الطاقة السلمية، بينما التخصيب لحاجات عسكرية يحتاج إلى نسبة لا تقل عن تسعين في المئة. والوكالة تجنت في تهديداتها على إيران لأن الأخيرة اعطت "الترويكا الأوروبية" فرصة سنة للتفاوض بشأن الملف ولم تتوصل إلى إيجاد مخرج معقول يلبي حاجات طهران ولا يضر بمصالحها الاستراتيجية في المستقبل. بينما "الترويكا" لم تكن جادة خلال فترة المفاوضات إذ حاولت مرارا كسب الوقت بإثارة الجدل الكلامي واطلاق الوعود من دون رغبة في تنفيذها.
إلى عامل الوقت واللعب الكلامي واطلاق الوعود لجأت "الترويكا" إلى ممارسة سياسة الابتزاز والتخويف مستفيدة من التهديدات الأميركية والضغوط الإسرائيلية المستمرة على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
الآن وصلت المواقف إلى نقطة اللاتراجع. فإيران لا تستطيع تغيير موقفها وخصوصا بعد أن رفضت التهديدات وردت على لغة التهويل بلغة مشابهة. و"الترويكا" التي وصلت إلى طريق مسدود، بعد اعتمادها سياسة التسويف والمماطلة، أصبحت في موقع لا يسمح لها بالتنازل عن خططها وهي كلها تنتهي في إطار واحد: وقف إيران لبرنامجها النووي السلمي بشكل كامل مقابل اغراءات اقتصادية لا تغني ولا تسمن.
هل يعني الوصول إلى نقطة اللاتراجع اندفاع الأطراف المعنية إلى التصادم المباشر؟ الأمر ليس بسيطا. والمواجهة ليست واردة الآن وبمثل هذه السهولة. إلا أن احتمالات تطور الازمة وانفتاحها جزئيا على الحل العسكري ليست مستبعدة كليا. فالخيار العسكري من الاحتمالات الواردة خصوصا أن "إسرائيل" تدفع الوضع الدولي بهذا الاتجاه خدمة لمصالحها وسياساتها المعروفة في منطقة ما يسمى بـ "الشرق الأوسط الكبير".
إيران من جانبها أعلنت مرارا أنها ليست خائفة وهي قادرة على الدفاع عن حدودها ومصالحها. وأوروبا مترددة في هذا الصدد، وروسيا تؤيد حقوق طهران ولكنها لا تحبذ انزلاق المفاوضات إلى حدود الانفجار العسكري.
يبقى الموقف الأميركي ومدى استعداد واشنطن إلى الانجرار إلى مواجهة عسكرية خدمة لأمن "إسرائيل" وتلبية لرغبات تل أبيب واستراتيجيتها الإقليمية القاضية بإضعاف مختلف المواقع العربية والإسلامية وبغض النظر عن مدى قرب تلك الدول الجغرافي أو بعدها عن فلسطين المحتلة.
الموقف الأميركي في هذا الملف يمثل حجر الزاوية في المعادلة سواء اتجهت المفاوضات إلى مزيد من التأزم أو انفرجت العلاقات وانفتحت على حل سلمي يعتمد السياسة في معالجة الحاجة الإيرانية إلى إنتاج الطاقة النووية.
واشنطن حتى الآن انتهجت سياسة الانتظار مستخدمة الضغط على أوروبا لإنجاز الملف أو تحويله إلى مجلس الأمن. ولعبة الانتظار اربكت "الترويكا" وجعلتها غير قادرة على اتخاذ مبادرات مستقلة وذات فاعلية، الأمر الذي أسرع في إفشال المفاوضات وتهديد الوكالة بنقل الملف إلى نيويورك.
احتمال نقل الملف إلى مجلس الأمن بعد مرور موعد 3 سبتمبر بات هو المرجح بعد انسداد آفاق التفاوض ووصول الأطراف إلى نقطة اللاتراجع. وفي حال نقل الملف فمعنى ذلك أن الدور الأميركي سيتعاظم على حساب أوروبا وتصبح احتمالات تدخل واشنطن في حل الازمة سلما أم حربا أقوى بكثير من إمكانات حليفها الأوروبي. وربما هذا ما أراده "البيت الأبيض" من وراء تأزيم الملف وتعقيده
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1080 - السبت 20 أغسطس 2005م الموافق 15 رجب 1426هـ