سؤال معرفي وملح: كيف يمكن تضييق الهوة بين المسلمين وبين منظور الآخرين للإسلام؟ لا يمكننا ان نعمل على تضييق الهوة ما لم نعترف بالأخطاء التي نعيشها كمسلمين نتعاطى مع اديولوجية هي في احتكاك دائم مع الواقع بكل تعقيداته وهمومه، فكي نضيق الهوة لابد من الاعتراف بالأخطاء التي حدثت داخل بيوتات الإسلاميين، ولابد من الإيمان بأحقية الرؤية النقدية والتفكيكية عند المرور بالتجارب الإسلامية ان كان على مستوى المشروع أو الأداء. أن تضييق الهوة يكمن باتباع عدة ممارسات وسلوكيات تترجم إلى آليات عملية منها:
1- تغيير نمط الخطاب، فالخطاب الإسلامي مازال يحمل نرجسية احتكار الحقيقة ويعاني من فوقية حادة في تعاطيه مع الأديان الأخرى، وفي معاملاته مع كل آخر. فأحقية الحياة هي له وهو الذي يوزع البقية على الآخرين وبات حلم عودة الخلافة حلما طوباويا يراوده ملغيا لكل تقاطعات وتعقيدات الواقع ومازال يقسم المجتمع إلى مجتمعات للاستيطان ومجتمعات للهجرة والتغريب... الخ من التسميات.
2- على الحركات الإسلامية التي تسعى إلى مفهوم وسطي أن تعمل على ترسيخ مفهوم الشراكة والتداول في الحياة فمن حق كل آخر غير مسلم ان يعيش وان ينعم بكل الحقوق المدنية أكان هو من ضمن الأقليات أو يمثل أكثرية، ولذلك ينبغي ان نعمل على دراسة فقه حقوق الأقليات أو ان نقوم بإعادة المراجعة لكل البنى الفكرية التي عملت على تأسيس حالات القطيعة أو الاضطهاد أو التهميش إلى هذا الآخر. وقد أثبتت التجربة ان الحياة تتكامل بالتنوع وليس التمايز، بالاشتراك وليس القطيعة، بالانفتاح على الآخر وليس الانغلاق، بالتعايش وليس بوهم اختزال الجميع في دين أو فرقة أو مذهب أو حزب.
3- العمل على مأسسة العمل الإسلامي والاشتراك في العمل المدني وليس الفردي، فلابد من انتهاء نظرية الشيخ الوتد واستبدالها بالمؤسسة الوتد، الفردية تصنع التسلط وتعمل على توفير مناخات تنعدم فيها المراقبة والمحاسبة.
4- ترسيخ مفهوم المواطنة في المجتمعات الإسلامية ليكون جامعا لكل الفرق والمذاهب على شتى انتماءاتها، والذي ينبغي ان يعمل الإسلاميون على تأسيس خطاب معتدل يعتمد الدولة المدنية وليس الثيوقراطية طريقا جامعا للجميع، ذلك انه اثبتت التجربة أن تأدلج الدولة يخطف الدولة نحو التمذهب الخاص فتتأدلج المواطنة ما ينعكس على مبدأ تكافؤ الفرص وضياع الأقليات.
5- التخلص من وهم الحلول القصوى أو الشعارات المدغدغة التي تصنع الحلم وتبعد عن الواقع، فالحلول تأتي وفق دراسات استراتيجية تعتمد المعرفة والعلم والأرقام طريقا لفهم الواقع وليس المثيولوجيا. ولابد من التسليم بان هذا العالم لا يمكن اجتزاؤه وان قيمته تكمن في التكامل البشري وفي اعتماد الإنسان في إكمال نواقصه من إيجابيات الآخر والعكس بالعكس. فالحضارات والثقافات لم تأت منفردة وانما جاءت وفق تواصل إنساني، أي وفق تلاقح حضارات متنوعة وإرادات مختلفة لبني البشر.
6- التصالح مع الأنظمة على القواسم المشتركة في ترسيخ الدولة المدنية التي تعتمد الحقوق والحريات العامة كمبادئ للحياة ولابد هنا من إعادة كتابة النظريات ومراجعة بعض الأفكار التي أسست إلى نظريات تدعو إلى تكفير الأنظمة أو ترمي الناس بالجاهلية. فالمواجهة مع الأنظمة والتزام خيار العنف ليس لصالح الأنظمة وليس لصالح الإسلام لأن العنف يستنفذ طاقة المسلمين ويهدد موازناتهم ويعمل على هدر الطاقات البشرية والمادية ويلقي الشباب المسلم في محارق الفتن أما العمل السلمي فهو الأصلح والأفضل للجميع.
7- الامتناع عن تصدير الثنائيات الخانقة من تقسيم العالم إلى أسود وأبيض ومعي وضدي ووطني وخائن...
8- تجديد الخطاب ليتلاءم مع الواقع وان يبتعد عن الهوامات النستولوجية التي تسكنه في الماضي بطريقة سلبية هروبا من الواقع ومن استحقاقات المستقبل القائمة على التساؤل والاشراف.
ولابد من علاج الكثير من الإشكالات الاستبمولوجية التي تواجه الشباب المسلم.
9- تفكيك عقد الاصطفاء والتمايز والاقصاء.
10- الابتعاد عن خطاب التعبئة والتجييش للجماهير إلى خطاب واقعي يعتمد على طرح الحلول والبرامج والمشروعات، والانتقال من خطاب الانوي إلى الخطاب مع الآخر، من خطاب جلد الذات إلى خطاب البحث عن الحلول والآليات، ومن خطاب الإدانة إلى خطاب استكشاف اضاءات الآخر، ومن خطاب الكراهية الى خطاب الحب والسلام والعودة إلى التأصيل الوسطي للرسول "ص" والعودة إلى آية "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" "النحل:125" بعد استبدالها إلى آية التفخيخ "ادعو إلى سبيل ربك بالأحزمة والقنبلة الحسنة وفجرهم بالتي هي أحسن".
11- ضرورة فك الاشتباك بين الحزب والدين، ويجب ان يوضح للجمهور الفارق بين الحزب الإسلامي وحزب الإسلام فلا أحد يستطيع ان يقول انه حزب الاسلام ذلك حتى نحد من تسلط الشرطة العقائدية التي زادت من تقسيم المسلمين انفسهم وادعت امتلاكها الصكوك.
12- ضرورة اندماج المجتمعات الإسلامية في مواقع الشراكة والقرار المحلية والعالمية والقطيعة المقاطعة تزيد من العزلة وتسبب عقدا سيكولوجية وسوسيولوجية. والعزلة السياسية تؤدي إلى تفجير احتقانات في أوساط الجمهور بسبب الشعور بألم جلد الواقع اليومي وعدم التمكن يسبب العزلة من أداء أي دور.
13- الانفتاح على التنمية الاقتصادية وعدم الاقتصار على الديمقراطية السياسية، فلابد من العمل على تحقيق إصلاح اقتصادي، فالمسلمون والتيارات الإسلامية اشتغلت بالهموم السياسية وأهملت القضايا الاقتصادية لذلك ضاعات بين براغماتية الدول، واستقلالية القرار وهذا الإهمال ساعدها على ابقاء جماهيرها في محارق السياسات الملتهبة.
14- التركيز على إعادة انتاج الفقه المقاصدي بدلا من فقه البئر وفقه الآخر بدلا من فقه الذات.
15- الاعتراف بإيجابيات الآخر من الشعوب والدول، فالعقول التي استطاعت انتاج كل هذه التكنولوجيا والثروة المعلوماتية لم تأت من فراغ فلابد من الاستفادة من عبقرية الغرب وتفهمه وليس الذوبان فيه أو كراهيته كما فعلت اليابان.
16- التواصل مع المراكز والمؤسسات الأهلية في الغرب لتوصيل الصورة الإسلامية الصحيحة مع العمل على إيجاد تعاون مع هذه المؤسسات للانفتاح على المجتمعات الإسلامية لتقرأ المسلم عن قرب.
17- التركيز على التنمية العلمية والإعلامية والاقتصادية كما فعل اليهود.
18- لابد من احتضان الوسطيين في العالم عموما ودعمهم كي يحصلوا على المناخ الذي من خلاله يقدمون الصورة الإسلامية المعتدلة، وذلك عبر فتح الإعلام والصحف والمؤتمرات ليعبروا عن حضورهم ودورهم.
19- العمل على تفريغ التراث من الروايات الملغمة والأحاديث المفخخة التي دست في التراث، فأسست إلى ثقافة الكراهية والعنف مع التركيز على إظهار الروايات التاريخية التي تتحدث عن الاعتدال والتسامح. فلابد من إعادة قراءة التاريخ قراءة علمية وتنقية التراث مما علق به.
قد نستطيع بذلك إذابة الشحوم المؤدلجة والمتراكمة على مفاصل الثقافة الإسلامية التي سببت بقاء كلسترول الفجوة التي ان لم نزلها قد تسبب جلطة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية تجعلنا دائما نعيش في قطيعة وغربة مع العالم.
20- الابتعاد عن تسييس الدين وخلط الأوراق الدينية بالأوراق السياسية، فأزمة جزء من النص الديني من روايات وأحاديث انها انتجت في مطابخ الدولة الأموية والعباسية، حتى الدولة الصفوية والعثمانية، وهكذا فعلت بعض الدول العظمى ودول الحاضر في تحريك الدين وفق البرغماتية الرسمية، حتى بات عندنا أكثر من دين وأكثر من إسلام يحمل نكهات الدول.
21- النظر إلى أهمية الزمان والمكان في فهم الإسلام كي نستطيع ان نعيش الحاضر مع الإسلام من دون الارتهان المطلق للسياقات التاريخية. فلابد من إزالة ما علق بالدين من مثيولوجيا وأساطير كرست عقلا خرافيا قطعيا وثوقيا لدى المسلم واستبداله بالعقل النقدي الذي يحمل المساءلة طريقا للوصول للحقيقة والمعرفة.
22- تأسيس منابر جادة تعمل على تحريك العقل والمعرفة وتعتمد علم الانثربولوجيا في تحليل الواقع بدلا من الارتهان للتحليل اليتوبي الطوباوي الذي كثيرا ما أوقع المسلمين في كوارث تاريخية زادتهم ضعفا وتراجعا ولابد من استبدال ذلك الخطاب الساذج المكرور والسطحي التعميمي الذي يلقى في بعض منابر الجمع والجماعات واستبداله بخطاب آخر يعتمد المنطق والعقل والنقد والتحليل والمساءلة طريقا للاقناع مع الابتعاد عن المنابر التي تكرر لغة تبريرية لكل سلبيات المسلمين وتكرس نظرية المؤامرة في كل شيء ويجب البحث عن إيجابيات الآخر وليس عفريت الآخر للتمهيد لأرضية مشتركة.
23- النخب الثقافية يجب ان تأخذ بدورها الشعبي وليس النخبوي، فلابد من الخروج من العاجية إلى حيث مواقع التأثير على الجمهور كي تعمل على تأسيس هذا الخطاب النقدي كي تمهد لإذابة الجليد المتراكم وإزالة الفجوة العالقة بين المسلمين وغيرهم.
24- الابتعاد عن التعميم في قراءة الغرب أو الشرق أو المذاهب أو الديانات. فكل هذه الشرائح تمتلك خطوطا وتوجهات وأطيافا مع العمل على التحرر من منطق الإدانة أو لغة المطابقات واستنساخ الآخر على ذات الانا أو الرفض.
25- ترسيخ ثقافة الحياة لدى الشباب المسلم بدلا من ثقافة الموت فالدنيا جنة المؤمن طريقه إلى الآخرة والدنيا أولى بها أبرارها كما يقول الحديث. فلا من ان يفتح الشباب على الابداع والفن.
* المقال ورقة قدمت إلى منتدى أصيلة الذي جرى في المغرب مطلع الشهر الجاري
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1079 - الجمعة 19 أغسطس 2005م الموافق 14 رجب 1426هـ