احتفلت صحيفة "أخبار الخليج" في 9 أغسطس/ آب الجاري بإصدار العدد 10 آلاف ووزعت نسخة للقراء من العدد الأول للصحيفة الذي صدر في الأول من فبراير/ شباط . 1976
وعدا برقيات تهنئة محدودة وصلت الصحيفة من سمو رئيس الوزراء وبعض الشخصيات والمؤسسات، شكا نائب رئيس تحرير الصحيفة مؤنس المردي من تجاهل الصحافة المحلية لهذه المناسبة "وكأن الشأن لا يعنيها بشيء"، مضيفا "علما بان معظم الصحافيين في الصحف المحلية الزميلة بدأوا حياتهم المهنية في أخبار الخليج التي تجاهلوها في هذه المناسبة". "مؤنس المردي، "إنجاز مشهود وجفاء ممجوج" - أخبار الخليج 13 أغسطس".
ويمضي المردي في نقد هذا التجاهل قبل ان يخلص إلى انه "مؤشر على ان الجسم الصحافي في البحرين مصاب بالجفاء والعقوق" ويسدي النصيحة للمهنيين: "فلتكن قلوبكم ايها الزملاء صافية مخلصة لمصلحة الصحافة الوطنية في هذا الوطن العزيز".
وبقدر ما تبدو ملاحظة المردي وشكواه محصورة في عتاب أولئك الذين مروا بالصحيفة في مسيرتهم المهنية متهما اياهم بالتنكر لفضل "أخبار الخليج"، فإنها تلفت إلى أحد أهم أمراض الصحافة المحلية التي تضم الآن 4 صحف يومية باللغة العربية واثنتين بالإنجليزية. ملاحظة المردي وشكواه ليست سوى رأس جبل الجليد لأوضاع صحافة لاتزال أبعد من ان تشكل وسطا صحافيا وإعلاميا يمتلك الحدود الدنيا من الانسجام والفاعلية. وغياب مثل هذه الحميمية التي تمسها شكوى المردي "الصغير" ليست الا ثمرة لوضع لاتزال تعيشه صحافتنا المحلية على رغم عمرها الطويل.
ان 29 عاما مرت منذ صدور "أخبار الخليج" كأول صحيفة يومية في البحرين، ومع نهاية العام سيصبح مجموع الصحف اليومية 6 صحف عربية مضافا إليها اثنتان بالإنجليزية ليصبح المجموع ثماني صحف يومية. ومع هذا يصعب الحديث عن ان هذا العدد من الصحف يقوم على وسط صحافي منسجم حتى في الحدود الدنيا على المستوى الإنساني على الأقل، ناهيك عن المستوى المهني. هذه أولى الملاحظات التي يلمسها المرء، فالصحافيون في البحرين لا يعرفون بعضهم وتبدو العزلة هي السمة الملازمة لهم. ينطبق مفهوم وتعريف العزلة على المؤسسات الصحافية نفسها التي لا تجمع بينها الحدود الدنيا من العلاقات المهنية ويسحب هذا نفسه على العاملين فيها أيضا بحيث تصبح العزلة حالا سائدة نفسيا وذهنيا. والنتيجة ان العلاقات المهنية التي يمكن ان تؤسس لوسط صحافي محترف وعلى قدر من الفاعلية معدومة أو متدنية إلى أبعد الحدود في أفضل الأحوال.
في السياق الأشمل الذي سنحكم من خلاله ما اذا كان توالي إصدار الصحف يمثل نموا طبيعيا ام لا، يمكننا ان نرد شكوى المردي إلى سمة ظلت ملازمة للمشروعات الصحافية التي جاءت بعد "أخبار الخليج". فالملاحظ ان المشروعات الصحافية تأتي وكانها بداية جديدة وليست امتدادا لما سبقها. الدليل سيأتينا من هذه المشروعات نفسها والصحف التي دشنتها، إذ يصعب ملاحظة الفوارق في مستوى الاحتراف والتطور بينها وبين الصحيفة الأولى "أخبار الخليج". على هذا فهي لا تمثل امتدادا لتجربة "أخبار الخليج"، لأنها لم تتجاوزها لا مهنيا ولا حتى إداريا عندما أعادت المشروعات الجديدة استنساخ الأخطاء التي وقعت فيها "أخبار الخليج" ان من الناحية المهنية أو الإدارية. وإذا كانت تلك الأخطاء أو العثرات التي مرت فيها "أخبار الخليج" تبدو طبيعية كثمرة لظروف زمانها، فإن استنساخها من قبل الصحف التي تلت وفي سنوات لاحقة لا يبرهن الا على ان الارتقاء بمستوى الصحافة وتطوير مستواها المهني هو في آخر الاهتمامات. وفي سياق أبعد، السياق الموضوعي الذي لا دخل فيه للاهواء يطالعنا استنتاج أساسي: توالي ظهور الصحف ليس امتدادا طبيعيا لتجربة "أخبار الخليج" بالمعنى المهني.
عملت في "أخبار الخليج" في يناير/ كانون الثاني .1981 وطوال عقد الثمانينات، كانت أحد أهم الصعوبات التي يواجهها مسئولو الصحيفة "اليومية الوحيدة وقتذاك" هي الحصول على الصحافيين الجيدين. اليوم اي بعد عقدين مازال السؤال نفسه يؤرق أصحاب الصحف سواء القائمة منها وتلك التي تستعد للانطلاق. ومع ملاحظة كهذه يصح السؤال عما جرى طوال العقود الثلاثة التي تفصلنا عن صدور أول صحيفة يومية في البحرين. فهذا يؤكد ان توالي صدور الصحف لم يثمر أي تطور في المستوى المهني والاحترافي للصحافيين ولم يخلق بيئة مهنية يمكنها ان ترفد المشروعات الجديدة بالصحافيين الجيدين.
تتحول مرارة المردي في النصف الثاني من مقاله إلى مكان آخر عندما يقارن بين الأخبار المنشورة في العدد الأول من "أخبار الخليج" في 1 فبراير 1976 وما يجري اليوم ويلحظ اننا "وجدنا أن معظم الأخبار المنشورة والمشكلات مازالت حتى اليوم قائمة بشكل أو بآخر".
دفعني هذا لتصفح العدد التذكاري فوجدته محقا. لكن إذ اعتبر المردي الصغير من جيل لاحق للجيل الذي انتمي إليه في الصحافة المحلية، وجدت ان وطأة الاستنتاج ثقيلة بل ولا تحتمل عندما تعيدك العناوين التي لا تتغير الا قليلا إلى دائرة زمن يفصل بينها 30 عاما.
قرأت خبر المحطة الذرية لتحلية المياه التي سيناقشها وزراء الزراعة الخليجيون فتذكرت أزمة المياه وتحذيرات الخبراء عن المخزون. أما خبر سرقة مقر صحيفة "غلف ميرور" من قبل لصين أجنبيين، فاحالني إلى الشكاوى من تزايد السرقة في أيامنا هذه وتفاهة مبالغ السرقات. ففي تلك الحادثة تمت سرقة 216 دينارا وفي ايامنا هذه يمكن ان يسرقوا من أجل 10 دنانير.
وفي العدد نفسه، ثمة خبر عن لجنة تحكيم في مطالب المضربين ببنك تشارترد، فتذكرت الاعتصامات على كل قضية ومظلمة. وفي الصفحة الثانية خبر صدور الحكم في قضية صدى الأسبوع الذي قضى ببراءة الصحافي إبراهيم بشمي فتذكرت العدد المتزايد من زملائنا الصحافيين الذي سيقوا للمحاكم في أقل من ثلاث سنوات لكن مع الفارق. لقد سيق بشمي للمحاكمة بتهمة نشر بيان بشأن حل المجلس الوطني في غياب رئيس التحرير، اما غالبية الصحافيين الذين مثلوا أمام المحاكم في أقل من ثلاث سنوات فقد قدموا إلى المحاكم في عهد الديمقراطية والإصلاح
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 1079 - الجمعة 19 أغسطس 2005م الموافق 14 رجب 1426هـ