الزمان: في 15 أغسطس / آب 2005 غداة استكمال مشروع هدم الدولة العراقية والانطلاق منه إلى مشروع بناء "الشرق الأوسط الكبير" على قاعدة الرؤية الطوائفية للمنطقة العربية والإسلامية.
المكان: بغداد إذ يقف المندوب السامي الأميركي في العراق وهو الافغاني الأصل زلماي خليل زاد متحدثا في مؤتمر صحافي مباشر من العاصمة العراقية عن محاسن الدستور الجديد لعراق فيدرالي متعدد ديمقراطي ومنفتح على الآخر!
انها "العملية السياسية" الأكثر نجاحا في معادلات لعبة الأمم المليئة بالأسرار! انها الحلم الذي يتحقق للمؤرخ البريطاني الشهير برناود لويس: ان اجتياح هذا البلد "اي العراق" سيخلق فجرا جديدا!
انها الرد الضروري على الإسلام السياسي الزاحف على أوروبا كما يتصور المفوض الأوروبي للسوق الداخلية فريتز بولكشتاين وهو يشرح سبب مخالفته لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي إذ يقول: "لقد أوقفناهم في بواتييه... أوقفناهم أمام فيينا... وسنوقفهم مرة أخرى...". لماذا كل هذا القلق؟ يستند بولكشتاين إلى تنظيرات برناود لويس عندما يقول: "ستصبح أوروبا دولة مسلمة مع نهاية القرن!".
ولكن كيف يمكن ان يكون العراق المحتل بداية فجر جديد؟
الجواب لدى ناتان شارانسكي في كتابه "قضية الديمقراطية" وكتاب شارانسكي هذا يمكن اعتباره بمثابة "الخريطة الجينية" لسياسات الرئيس الأميركي وإداراته كما يقول الكاتب اللبناني وليد شرارة في "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية اثناء شرحه المفصل لسياسة "الفوضى البناءة" التي تتبعها الإدارة الإميركية المدمجة بالمحافظين الجدد.
وشارانسكي هذا بالمناسبة هو اليهودي السوفياتي المنشق والذي التحقق بالدولة العبرية ليصبح واحدا من اعضاء حكومة شارون المهمين الذي استقال احتجاجا على خطة الانسحاب من غزة.
ماذا يقول شارانسكي عن العالمين العربي والإسلامي؟
ان الإسلام في نظر شارانسكي حركة إرهابية في الاساس لا تهدد وجود "إسرائيل" فقط بل العالم الغربي اجمع.
والعالم العربي ليس إلا تجمعا لاقليات دينية وعرقية عاجزة عن العيش سوية في كيانات دولة - وطنية... إذا لابد من حلول استئصالية لمنابع العنف والإرهاب الذي نشهده من أجل خدمة الديمقراطية ومصالح أميركا معا! وانه لا حل لهذا الا باستخدام صريح للطائفية في إطار استراتيجية الفوضى البناءة!
إذا ومن أجل ذلك كله تذهب الإدارة الأميركية إلى حد تبني نظرية شارانسكي هذه بالتمام والكمال إلى الحد الذي تقول فيه كوندليزا رايس إنه: "لابد من إعادة النظر بالاوضاع القائمة في الشرق الأوسط منذ عقود مهما كانت المخاطر الناجمة عن ذلك".
وهكذا يستحضر الرئيس بوش إصطلاح "الرجل المريض" الذي سبق ان اطلق على الدولة العثمانية ليسقطه على العالم العربي ليصبح "رجل القرن الواحد والعشرين المريض" في اشارة واضحة إلى ضرورة تقسيمه وتفتيته!
وتأسيسا على ذلك كله تذهب مؤسسات الابحاث الأميركية العاملة في خدمة المحافظين الجدد لاعداد المعايير والمصطلحات السياسية التي يجب ان تتغير بشأن المنطقة بما تتلاءم مع هذه الرؤية الطوائفية الآنفة الذكر. فتقترح مؤسسة "أميركا انترليرايس" التابعة لجماعة بول وولفويتز عبارة "الشرق الأوسط" بدل العالم العربي والإسلامي في حين ينصح المدير التنفيذي المعروف في مؤسسة واشنطن لسياسات الشرق الادنى روبرت ساتلوف في رسالة موجهة إلى مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشئون السياسات العامة كارن هيوجز: "اقصاء تعابير العالم العربي والعالم الإسلامي من القاموس الدبلوماسي الأميركي" بينما يطالبها بصراحة: "دافعوا قدر الإمكان عن مقاربة خاصة بكل بلد على حدة. ان الإسلاميين المتطرفين يريدون محو الحدود وخلق عالم فوق الأوطان... لا تتراجعوا امامهم حتى قبل خوض المعركة".
الآن نفهم سبب اصرار البعض على رفض أية هوية عربية أو إسلامية للعراق! أليس كذلك؟
وهكذا إذا، يصبح لبنان بلدا فينيقيا أو وطنا للمسيحيين بالاساس كما يقول فؤاد عجمي الرمز الآخر من رموز التنظير للرؤية الطوائفية للعالمين العربي والإسلامي. وتصبح مصر دولة فرعونية، والإسلام عليها "طارئ" وكذلك بلاد فارس التي "غزاها" المسلمون الحفاة من "الاعراب" في لحظة غفلة - المدنية والحضارة العالمية كما ينظر بعض القوميين المتعصبين من النخبة الايرانية المعادية للنظام الإسلامي الحاكم في إيران، وتركيا دولة يجب ان تدير ظهرها تماما للإسلام فضلا عن العالم العربي الذي لم يجلب لها أية مصلحة مادية أو حتى معنوية بل "معوقات" وجدانية أمام ضرورة التحاقها بالركب الحضاري العالمي من بوابة الدولة العبرية التي صارت البوابة الوحيدة المقبولة لدخول دول العالم الثالث إلى ركب المدنية والدول العصرية والتي تصبح شرطا من شروط القبول الاعتراف بالمشروع النووي الإيراني!
هذه هي فيدرالية العراق وتعدديته وديمقراطيته التي يعدونها للعالم العربي والإسلامي والذي يجب ان يتغير اسمهما ليصبح "الشرق الأوسط الكبير" لماذا؟ لانه من دون ذلك لا مفهوم ولا مكان ولا محل من الإعراب لكيان اسمه "إسرائيل"... هذا الكلام قيل مبكرا من قبل قادة الحركة الصهيونية العالمية وقد ذكروا بصراحة وقتها ان المطلوب ايجاد "هوية شرق أوسطية" حتى تصبح "إسرائيل" "طبيعية" فيها!
ونحن نضيف حتى تصبح الدولة الأقوى، بل المتعهد الوحيد الذي يوكل إليه التزام تقسيم حصص ميراث "الرجل العربي المريض" على دول الغرب، واستطرادا تقسيم العالم الإسلامي بناء على النظرة نفسها - الرؤية الطوائفية الآنفة الذكر.
ثمة من يرى خطرا داهما ومباشرا على وحدة وأمن واستقرار كل من إيران والسعودية ومصر وسورية انطلاقا من مشروع العراق الفيدرالي الديمقراطي المتعدد. لماذا؟ لان ما يحصل على الأرض المحتلة هناك لم يأت في اطار تحول اجتماعي طبيعي وسلمي بقدر ما هو مشروع تقسيمي قسري مغلف بغلاف الديمقراطية والتعددية المذهب هدفه خدمة سياسة "الفوضى البناءة" القائمة على خدمة أمن "إسرائيل" ونجاح معركة السيطرة على الموارد الفنية للعالمين العربي والإسلامي انطلاقا من العراق.
* رئيس "منتدى الحوار العربي - الإيراني
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1079 - الجمعة 19 أغسطس 2005م الموافق 14 رجب 1426هـ