العدد 1078 - الخميس 18 أغسطس 2005م الموافق 13 رجب 1426هـ

عواطف وعواصف... بين الأب "البريء" وابنه "الكذاب"

في ذكرى مولد الإمام "ع"

سأل أحد الطلاب زملاءه: أين نشر والدك خبر نجاحك؟ فأجابه: في صفحة "صدق أو لا تصدق"! عندما نتكلم عن الأسرة المتكاملة المكونة من "الأب والأم" لاشك في أننا نركز في كلامنا على الأب بالذات، أي رب الأسرة وقائدها، فإذا صلح الأب صلحت الأسرة وإذا فسد فسدت الأسرة بكاملها.

فما أعظم هذه الأسرة إذا صلح الأب وقاد زمامها ومنح حنانه وعواطفه لأبنائه... وما أعظم هذا الابن إذا ما أطاع والده. هذه العلاقة لاشك في أنها تكبر وتكبر كلما كبر هذا الابن فلذة كبده وخصوصا "البكر" الذي يظل يسهر على جميع أموره واحتياجاته كالعين الساهرة ويراقبه في تصرفاته وسلوكه ويرعاه في كل لحظة وثانية.

كما ورد في الحديث الشريف "علمه سبعا وأدبه سبعا ثم اتركه سبعا"، أي يرعاه منذ طفولته ونعومة أظفاره يحمله على أكتافه ويدلله ويلقمه اللقمة الحلال ويجنبه الحرام ويدافع عنه ويتكبد المشاق والأهوال في سبيل إطعامه ويلاعبه في مهده ويحزن حزنا شديدا عليه في حال مرضه ويكتئب أكثر إذا طال مرضه أو إذا أصابه مكروه. وهذا الاهتمام ليس بغريب، فكما هو موجود في بني البشر فهو موجود في سلوك الأنبياء والرسل من دون استثناء.

وما ورد في قصة النبي يوسف "ع" مع اخوته خير برهان حينما اغرورقت عينا النبي يعقوب، بل فقد بصره حزنا على فقد ابنه يوسف "ع"، إذ يقول القرآن الشريف "وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم" "يوسف: 84". ونجد في أحوال الأئمة الأطهار الكثير مما يدلل ذلك، فالحسنان يمتطيان ظهر جدهما النبي "ص" أثناء الصلاة كلما هوى للسجود من دون أن يتضايق "ص".

هذه بعض من صور الحب والدلال والعلاقة الأبوية الطاهرة البريئة التي تربط الأب وابنه... ولكن كيف كانت النتائج؟ أي ما المقابل الذي حصل عليه الأب "البريء"؟ أليس من المفروض أن تكون النتيجة والمقابل للثمن الذي تكبده الأب "البريء" طوال سنوات التربية والإعداد لأجل ابنه إيجابية ومشجعة؟! أي أن تكون واضحة وجلية في الطاعة والتحصيل العلمي والثبات الأخلاقي وعدم الانحراف والانجراف وراء الرياح الغربية والشرقية وأصدقاء السوء واللهو الذين يقودون إلى الفشل أو تدمير المستقبل؟

المفروض من الابن "الكذاب" بعد أن اشتد عوده أن يصبح قادرا على تحمل المسئولية كاملة تجاه سلوكه وتجاه تحصيله المدرسي ومستقبله وتجاه والديه اللذين يجب أن تقر عيناهما وأن يقر اسم ابنهما في صفحة الناجحين بدلا من علامات الندم والحسرة التي يصاب بها الوالدان عندما تنحني رقبتهما وتحول عيناهما وهما يبحثان عن اسم ولدهما في الصحف المحلية أو تحميل والده مسئوليات جديدة تثقل كاهله بسبب سلوكه السيئ كتذمر الجيران أو كثرة دعاوى مراكز الشرطة المتتالية مصحوبة بغرامات الكفالة أو تخريب ممتلكات الآخرين.

والأدهى من ذلك القصص الكاذبة عن حياته الخافية على والده "البريء" الذي لا يعرف من عالم الحاسب الآلي إلا القليل بينما يجهل عالم المواقع والإنترنت وما وراء الغرف المغلقة والأحاديث المشتركة بين الجنسين والأفلام الاباحية التي شدد عليها الشيخ علي سلمان في خطبه في صلاة الجماعة في العاصمة المنامة، إذ أفرد لها بحثا مطولا في عشرة محرم الحرام الماضي وحذر من آثارها السلبية على عقول وسلوكيات كلا الجنسين وخصوصا المراهقين في أجواء يهيؤها الأب لأنه "بريء"... وبحسب تصريح إدارة المطبوعات بوزارة الإعلام أيضا، فإنها ضبطت وأتلفت 20 ألف وحدة من بينها أفلام إباحية ومواد "بلاي ستيشن" التي تنتشر لدى الباعة الجوالين.

هذه المواد والمصنفات وجدها "الكذاب" وغيره أرضية سهلة كي يقضي جل أوقاته من دون رقيب ولا حسيب بدلا من الاجتهاد والمثابرة وإعطاء المبررات الواهية المعلبة لوالده في أسباب فشله في دراسته أو تأخر مستواه.

هذه ليست قصة مفتعلة وهمية بل هي واقع سيئ يعيشه الأبناء ويتجرعه ويتألمه الآباء ليتحول الأب من رافع الرأس أمام الناس إلى منحني الهامة أشيب الرأس والحاجبين يخجل من أصدقائه وجيرانه بسبب أفعال ابنه ونتائجه النهائية السلبية. أين تعب الأيام والسنين وأين هي التربية الصالحة والأجواء المناسبة التي وفرها الوالدان له؟!

أين هي تعاليم أهل البيت وأخلاقهم وسيرتهم كما في سيرة هذا الإمام العظيم علي بن أبي طالب "ع" المحتفى به وبمولده في هذا اليوم 13 رجب 1426 وهو المسمى بـ "القرآن الناطق" لغزارة علمه وورعه و"أسد الله" لبطولته وشجاعته في ميادين وسوح الجهاد و"أول الناس إسلاما وتضحية" وفداء للنبي "ص" لمبيته في سريره "ص" و"أعلمهم علما" وأعدلهم قضاء لحله الكثير من المشكلات والقضايا العالقة التي يعجز القلم عن سردها وهو خارج السلطة! و"أنصفهم عدلا" بالرعية في طريقة توزيع المستحقات، وأفضلهم إنسانية بالفقراء والمحتاجين لحمايته بيت المال مدة حكمه.

فإذا كانت أمة تملك هكذا قادة وأبطال وتزخر بهم الأمة الإسلامية كالأئمة الأطهار "ع" الذين تتباهى بهم الملائكة وتجللهم السموات السبع والأرضون السبع فلماذا يتجاهل أبناؤنا هذه السيرة وينشأ ويتزايد في مجتمعاتنا أبناء وأجيال هكذا فاشلين، تتكبدهم أسرهم وتتحمل مصائرهم؟! وبحسب تصريح لرئيس الجمعية البحرينية للجامعيين فإن عدد المتفوقين من كلا الجنسين في منطقة سترة بلغ 41 متفوقا فقط! من مجموع سكانها البالغ 40 ألف نسمة تقريبا! إننا لا نطالبهم بأن يصبحوا رواد فضاء ولا علماء ذرة... ولكن كل ما يتمناه أولياء الأمور أن يكملوا دراستهم الجامعية بنجاح كي يخدموا أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم بدلا من أن يصبحوا على قارعة الطريق أو عالة على غيرهم.

ذكرى مولد أمير المؤمنين دعوة للتعلم والمعرفة وشعاع يتجدد لنا كل عام... ولأبنائنا أمل ينمو ليضخ لهم نورا وهداية وعلما كل يوم بدلا من انجرارهم وراء الكماليات اليومية التي لا تنتهي "هاتف نقال ذو كاميرا أو كمبيوتر للهو والعبث وسيارة" من دون الاهتمام بالمستقبل المشرق وتحمل المسئولية والمعاناة كما تحملها آباؤهم وأجدادهم سواء في الحقول الزراعية أو في ركوب البحر أو في الصناعة والتجارة البعيدة لطلب الرزق.

فليكن شعار أبنائنا "المستقبل أولا" وليس الهاتف النقال ولا تعلم السواقة التي تقضي على حياتهم وحياة والديهم في غمضة عين في الكثير من الحوادث المرورية، وطاعة الوالدين أولا وليس أصدقاء السوء.

مهدي خليل

العدد 1078 - الخميس 18 أغسطس 2005م الموافق 13 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً