مما لا شك فيه أن توافر السكن الملائم للمواطن يساهم في توفير الاستقرار للمواطن، ويعتبر توفير السكن المناسب واحدا من أهم متطلبات التنمية البشرية المستدامة طبقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وعلى الحكومة أن تعمل بجد بتوفير السكن اللائق للمواطنين وإعطاء الأولوية لمحدودي الدخل.
وبالنظر إلى المشكلة الإسكانية على أرض الواقع نجد ان هناك أكثر من 43 ألف طلب من المواطنين في وزارة الإسكان والعدد اخذ في التزايد مضى على بعضها أكثر من 12 عاما أي أن تواريخ طلبات البعض منذ 1992م، وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن إجمالي معدل السكان في البحرين بحسب العام 2004م "707,000" أي أن ذلك يعني زيادة كبيرة من 4 - 5 في المئة، أي أن معدل النمو السكاني 6,2 في المئة بحسب العام 2003م، من العام 2000 - 2004 زاد عدد السكان ،100000 الآن يشكل 60 في المئة من "15 - 44" الفئة الشبابية، بالتالي هي بحاجة ماسة إلى سكن ومن هم في سن العطاء، أي أن الشباب البحريني يمثلون النصف وهذه الشريحة متطلباتها مختلفة وبالتالي هناك ضغط على الوحدات الإسكانية وتعد مشكلة غياب الأرض من أهم المشكلات التي تواجه الوزارة، فأرض البحرين البالغة 700 كم مربع تعود ملكية 500 كم مربع إلى عدد قليل من الملاك، ويتوزع 200 كم مربع على الباقي بين ملكية الدولة وملكية الموطنين والمستثمرين العاديين.
الوضع الإسكاني تعقد لعدة أسباب وعلى رأسها انعدام وجود السياسة الإسكانية الشفافة، إلى جانب عدم تعافي وزارة الإسكان من داء الفساد التي أضر بالوزارة أولا وأضر بمصالح المواطنين الذين إلى الآن لم ينتفعوا بحقوقهم، إن هناك "سرا" بات يحير المشتغلين في قطاع العقارات، وهو انه لا يوجد مصدر يعرفه الناس للأراضي وكيفية توزيعها. فلا أحد يدري من هو المصدر الذي يقرر توزيع هذه القسائم أو تلك وكل ما يسمعه الناس أن هذه المنطقة أو تلك تم تخطيطها ومن ثم بيعها، ولذلك أصبح وضعنا مرهونا بسياسات غير معلنة وغير معروفة المصدر.
بات المواطن اليوم لا يستطيع شراء حتى الأرض فكيف له بالبناء أو شراء منزل، لا سيما أن قروض الشراء التي تقدمها الوزارة إلى المواطنين لا تكفي إلى سد حاجة المواطن إذ إنها لا تتجاوز الـ 40000 دينار في أحسن الظروف وبالتالي كيف له أن يشتري بيتا وأسعار البيوت قد تجاوزت أضعاف القرض التي حصل عليه! فالحياة تطورت وازدادت غلاء على غلاها والقروض بقت كما هي والله يكون في عون عباده.
لقد أصبحت الأراضي وسيلة ثراء لبعض الأشخاص إذ تمكنوا الحصول على قطع أراض شاسعة جدا في فترة من الفترات بالمجان والآن يمكنهم بيعها بأسعار خيالية جدا وهي معروضة للبيع ليس فقط للبحريني وإنما لجميع مواطني دول مجلس التعاون الخليجي بعدما كان ذلك غير ممكن في الفترة الماضية ما يعني ارتفاع العقارات، هذا يعني أن المواطن العادي لن يتمكن بأي حال من الأحوال من الحصول على أرض وإذا حصل عليها فإنه سيكون حتما عاجزا عن بنائها وخصوصا مع ازدياد غلاء مواد البناء وعدم وجود تسهيلات كافية هذا إلى جانب استمرار السياسة الحالية، وقد ازدادت المشكلة مع السماح للأثرياء من خارج البحرين بشراء الأراضي، وهؤلاء لديهم قوة شرائية أدت إلى ارتفاع الأسعار بصورة مستمرة. وهذا يعني أن المواطن العادي الذي لا بد له أن يكدح طوال حياته من أجل أن يدفع ما يجنيه إلى شخص لم يصرف دينارا واحدا على الأرض التي يبيعه إياها وإنما حصل عليها هبة لسبب أو لآخر.
إن القطاع الخاص تم تهميشه في المشروعات الإسكانية، وزير الإسكان صرح أكثر من مرة بأن الحكومة تخطط لإشراك القطاع الخاص في إنشاء المدينة الشمالية على ألف هكتار، القطاع الخاص يذكر أنه سمع عن هذا الأمر منذ فترة غير قصيرة ولم ير شيئا على أرض الواقع، مشكلة السكن قد تتحول إلى أزمة خانقة إذا لم تتدخل الحكومة وتطرح مشروعات أكثر عملية يشاركها في ذلك القطاع الخاص.
وللتصدي لملف الإسكان لا بد من العمل على شراء الحكومة لمخزون كاف من الأراضي من الآن وقبل فوات الأوان من مالكي الأراضي أنفسهم لضمان الاستفادة منها في المشروعات الإسكانية هذا إلى جانب مضاعفة موازنة وزارة الإسكان لتمكينها من تلبية طلبات المواطنين المتزايدة والاستفادة من عائد مشروعات الإسكان للإسكان مرة أخرى مع ضخ أموال إضافية بنسبة واضحة ومعتمدة من قبل الحكومة سنويا وذلك لضمان القضاء على الطلبات المتراكمة والمنتظرة في طابور الإسكان منذ سنين.
كما لا بد من النظر بعين الاعتبار لأصحاب الطلبات الإسكانية التي تجاوزت طالباتهم خمس سنوات وتحقيق بدل مالي لحين حصولهم على طلبهم. وعلينا الاستفادة من تجارب البلدان الأخرى التي لا توجد فيها وزارة إسكان، ولكن هناك مستثمرين مطورين تستخدمهم الحكومات لتطوير منطقة سكنية بكامل خدماتها ومن ثم عرضها على المواطن بأسعار معقولة بمساندة الدولة لذلك فإن دخول القطاع الخاص في البرامج الإسكانية وإعطاءها الدور الحقيقي سيخفف من وطأة المشكلة وأعتقد أنه آن الأوان لكي يعطى القطاع الخاص فرصته كأحد الشركاء الذين يجب أن يتحملوا جزءا يسيرا من القضايا المؤرقة والملفات الثقيلة التي تؤرق المجتمع وتهدد استقراره.
فقد شهدت الساحة البحرينية في الآونة الأخيرة الكثير من المسيرات والاعتصامات لأصحاب الطلبات الإسكانية القديمة التي مضى على بعضها 13 سنة، كما شهدت وزارة الإسكان مراجعات مستمرة تسببت في تعطيل عمل الوزارة، وبالتالي وجب على الوزارة التفكير مليا بمتابعة طلبات هؤلاء الذين تضرروا كثيرا جراء تعطيل طلباتهم، والعمل على إيجاد حلول سريعة، فليس من المعقول أن المواطن يعيش في بهدلة دائمة يطالب بالحصول على مسكن يأوي إليه بعد عناء يوم طويل، في حين أن الأجنبي في البلد يعيش معزز مكرما، وعلى الحكومة أن تفي بالتزاماتها تجاه مواطنيها.
* كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1078 - الخميس 18 أغسطس 2005م الموافق 13 رجب 1426هـ