العدد 1077 - الأربعاء 17 أغسطس 2005م الموافق 12 رجب 1426هـ

ثرثرة الإمبراطورية...

المنامة - هدير البقالي 

تحديث: 12 مايو 2017

"ما الذي جعل الأمر غير ممكن بالنسبة إلينا أن نعيش زمننا مثل أسماك في الماء، مثل طيور في الهواء، مثل أطفال؟ إنه خطأ الأمبراطورية! إمبرطورية قد خلقت مجريات التاريخ. إمبراطورية حددت وجودها ليس في زمن ناعم يلتف مع دورة الموسم ولكن زمن مرتج من صعود وانهيار، من بداية ونهاية، إمبراطورية تحكم على نفسها أن تعيش في التاريخ وتتآمر ضده".

ج.م. كوتزي

فكرة واحدة، تشغل العقل الخفي للإمبراطورية، كيف لا تنتهي؟ كيف لا تموت؟ كيف تطيل عصرها. إنها تاريخ تفرضه على مواطنيها الخاسرين، إنها مراوغة قاسية، إذ ترسل كلاب صيدها إلى كل مكان. وتغذي نفسها على تخيلات لكوارث نهب المدن، واغتصاب السكان.

زمن الغوغاء والضوضاء والغيبوبة والهذيان والصرع، هو ذا يتواصل تحت أمطار آسيوية فوق صحارى البلاد المستقيلة من وعي طبيعتها والموغلة عميقا في ظلمات غريزتها لإعدام الضمائر وموت القوانين، نحو تحويل البشر إلى كائنات غريزية، خانقة، مدخنة، مسلوبة الإرادة، هي محض قطعان تبحث عن الطعام والأمان في غابة من الوحوش.

الإمبراطورية تقبل الناس وهم راكعون، مرتبكون، ومتجردون من الكرامة للأبعاد المعنوية للقضايا، حتى احتمالات الدفاع عن النفس في المحكمة فقدت عنصر التشويق تحت ضغط الشهية للنفس، فالأسهل لك أن تصرخ وتتعرض للضرب وتصبح شهيدا، من أن تدافع عن قضية العدالة. فالمدافعون عن حكم القانون أعداد بطريقتهم الخاصة للقضية.

الأمر لا يعتبر عقوبة كبيرة، فالانتقال هو ببساطة من عزلة الوجود اليومي إلى عزلة الزنزانة، في حين أنه كان بالإمكان أن تحمل عالما من الأفكار والذكريات من دون الحرية، بمعنى أن تحتفظ بالصمت، وتثرثر لنفسك، وتصرخ قدر المستطاع في هذا الثوب التراجيدي، ولا تصبح أكثر من كومة غير سعيدة من دماء وعظام ولحم.

إن لم يكن الشخص صلبا بمتانة الحديد، فإنه سيستجيب للضغط، فالإمبراطورية ستواصل الضغط بأعمالها البشعة، لأنها بالنسبة إليهم بند من الأيمان من أن الحقيقة الأخيرة لا تقال إلا في أقصى درجات الألم. الألم والموت يتصاحبان معا في الحياة، فلا مفر منهما، فلابد من معانقة أحدهما، إن كان لابد من قول الحقيقة.

الحقيقة هنا تأتي بشكل آخر، وهو ممارسة الضغط للعثور عليها، أكاذيب في البداية، ثم ضغط، والمزيد من الأكاذيب، ومزيد من الضغط، ثم الإنهيار، ومزيد من الضغط، ثم تأتي الحقيقة.

في الإمبراطورية، الليل هو الأفضل لسماع صرخات الموتى، والتي هي مثل الكتابة عرضة لتفسيرات عدة. فالمخلوقات الخربة تبحث حول الخرائب للاستمتاع بتلذذ الإمبراطورية بالموت، فالحياة تمنحنا أوهاما وأحلاما بضربات هادئة غير متعبة عبر واسطة الزمن، وهي واسطة أكثر قصورا من الماء. معادلة الخراب الإمبراطوري لن تنتهي، فهي صراع من دون درجات، وهذا إيذان بأن لا نهاية للخراب، وأن نهاية الخراب هي نهاية العالم





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً