العدد 1077 - الأربعاء 17 أغسطس 2005م الموافق 12 رجب 1426هـ

حين يتحول الشكل إلى فخ "2-2"

بالنظر إلى طبيعة الأنشطة والفعاليات الثقافية العربية، يتكشف واقع وحقيقة تعاطي تلك الدول مع الثقافة باعتبارها جانبا مزوقا لبنيتها كدول، وليس باعتبارها حاجة وضرورة، بدليل ان الثقافي ظل في الذيل والهامش من اهتمامات تلك الدول، ظلت الثقافة المعبرة عن حضور السلطة هي المهيمنة والمكرسة لعقود طويلة، وبات عليها في ظل عدد من التحولات والتغيرات التي طرأت على بنية المجتمع، ان تفرد مساحة لثقافة ظلت على شيء من التماس مع قضايا وصور تلك التحولات المجتمعية الجديدة، فيما الجانب الآخر من تلك الثقافة القادرة على إعطاء مزيد من الدفع بتلك التحولات الى الاطراد والتراكم، ومن ثم إحداث مزيد من النتائج على أرض الواقع، ظل متحفظا عليه وغير مرحب به الى ما قبل منتصف الثمانينات من القرن الماضي.

لعب عدد من الأسماء دورا كبيرا وأساسيا في جانب تحفظ دول الخليج على نمط وتوجه معينين من الثقافة، وخصوصا بعد عمليات احتواء كبيرة عمدت اليها السلطة، دافعة بتلك الأسماء الى مراكز ضوء أكثر ابهارا تحت سمعها وبصرها وتحت تمويلها، ولم تكتف تلك الأسماء بالدخول في تلك الدائرة، بل تجاوزت ذلك حين قامت السلطة باستخدامها كأدوات في تكريس تحفظها على نمط من الثقافة والأسماء، وتنفيذ أدوار لم تخل من القمع وكأنها متحدث رسمي باسم السلطة.

لم تكن دول الخليج العربية بمعزل عما يحدث في بقية الدول العربية في تعاطيها مع الشأن الثقافي ومواقفها من أنماط معينة منها، وكان للتحولات والحوادث الاقليمية دورها الفاعل في تكريس مثل ذلك التوجه، وخصوصا مع قيام الحرب العراقية - الإيرانية، التي عمدت الى انتاج أدب في العراق تكرس في جانب كبير منه في طريق تمجيد السلطة ومواقفها من الحرب، ما انعكس بصورة أو أخرى على جانب من مجمل الحياة الأدبية والثقافية في دول الخليج، وصار رصد الأصوات المناوئة لتوجهات الحرب، واحدا من أولويات السلطات فيها، فيما الأصوات الممجدة لها حسبت على الأصوات المتوافقة مع توجهات تلك الحكومات التي ألقت بكل ثقلها، دعما وتأييدا على أكثر من صعيد.

كان مجرد انخراط عدد من الأسماء المؤثرة في الفعاليات والأنشطة التي تمولها السلطة، يشعر الأخيرة - ولو وهما - بنجاح خطواتها واجراءاتها في احتواء عدد لا بأس منهم، واقحامهم في فعاليات ثقافية أقل ما يمكن القول عنها انها ضاربة وضالعة في الشكل، ولم تكتف بذلك على الصعيد العملي، اذ كان للأجهزة الاعلامية دور كبير وفاعل في استبعاد خيرة أولئك الأدباء والمثقفين والرموز من المشهد، مكرسة لحضور آخر محسوب عليها أسهم في جانب من مراحل التدجين التي كانت شبه متفق عليها من قبل الأنظمة السياسية في المنطقة.

كان المشهد الثقافي في دولة الإمارات المتحدة الأبعد نوعا ما عن تلك الصورة السائدة في علاقة المثقف بالسلطة، بسبب أن الجهاز الأمني لم يكن معنيا وبشكل منظم، برصد أو محاولة احتواء ثقافة نابعة من ابنائها المنتمين اليها، الا ان الجهاز الأمني نفسه لم يكن بمنأى عن رصد واحتواء - واحيانا كثيرة - التدخل فيما يتم نشره في الصحف المحلية، مع دفع وزارة الاعلام والثقافة الى الواجهة في القضايا التي يشم منها مساس مباشر بأمن الدولة أو رموزها، وقد تم ترحيل - مع بداية منتصف الثمانينات - عدد من الكتاب والمثقفين العرب في كل من امارة أبوظبي، ومدينة العين، وإمارتي دبي والشارقة الا ان الصورة العامة كانت تتجه صوب اتاحة مساحة وهامش من حركة للكتاب المواطنين بما لا يمس بشكل مباشر الخطوط الحمراء، والضوابط المتعارف عليها، والتي هي ضوابط لا يختلف عليها اثنان يعيشان واقع المتاح والممكن من حرية التعبير والتناول ضمن جزء من هذه المنطقة من العالم، ولا بأس ان نشير هنا الى ان دولة الامارات العربية المتحدة لم تستضف سجونها منذ قيامها الا كاتبا سياسيا واحدا هو الشاعر عارف الخاجة.

بدأت منذ العام 1982 تتضح صورة حركة ثقافية تجديدية وبزخم كبير في دولة الامارات العربية المتحدة، وساعد على قيامها وبلورتها، وجود عدد من الرموز والأسماء الثقافية والابداعية العربية، وكان من أشهرها الشاعر والكاتب المسرحي السوري المعروف محمد الماغوط، والناقد المسرحي السوداني يوسف عايدابي، وغيرهما وخصوصا مع ظهور الملحق الثقافي الأسبوعي الذي كان يصدر كل يوم اثنين عن صحيفة "الخليج"، وكان يشرف عليه الشاعر الماغوط.

في تلك الفترة بدأت أسماء مثل: أحمد راشد ثاني، خالد بدر عبيد، نجوم الغانم، منى مطر، سلمى مطر سيف، أمينة بوشهاب، تلتها بعد ذلك أسماء مثل: ابراهيم محمد ابراهيم، عبدالعزيز جاسم، ناصر الظاهري، ثاني السويدي، حارب الظاهري، أسماء الزرعوني، صالحة غابش، والقاص الراحل جمعة الفيروز، يضاف الى ذلك الأسماء التي كانت حاضرة أساسا قبل ذلك بسنوات وغابت بسبب من حال بيات عمقه غياب المنابر والصفحات الثقافية المنتظمة، لتجدد حضورها ونشاطها منخرطة في الحركة الثقافية وضمن توجهاتها المتباينة، ومن بين تلك الاسماء: حبيب الصايغ، علي أبوالريش، عبدالحميد أحمد، محمد حسن الحربي، اضافة الى رموز المدرسة التقليدية وقتها: مانع سعيد العتيبة، شهاب غانم، سلطان بن علي العويس، أحمد أمين المدني، حمد خليفة بوشهاب، عبدالغفار حسين وآخرين.

على الجهة الأخرى شكلت أسماء في البحرين مثل: قاسم حداد، أمين صالح، علوي الهاشمي، عبدالقادر عقيل، محمد جابر الانصاري، وفوزية السندي، نماذج قدوة للحركة الثقافية التجديدية في دولة الامارات العربية المتحدة، وهو ما كرس نوعا من النظر الجاهز والمرتجل للحركة الثقافية في البحرين، ليس لعدم أهمية وجدارة تلك الأسماء، ولكن للخلط الذي لم يخل من سذاجة، بين تلك الأسماء والحركة الثقافية عموما في البحرين وفي اختزال بين، كانت تلك الأسماء ومن دون شك تمثل عضلة مهمة من عضلات الحراك الثقافي في البحرين والمنطقة، الا ان بعضها من جهة لم يكن على وفاق أو مصالحة مع السلطة، الامر الذي حد الكثير من تحركاتها والاشتغال على مشروعاتها بعيدا عن التوجس والتحفظ خصوصا ان من بين تلك الاسماء من قضى أعواما طويلة في ضيافة أجهزة أمن الدولة وسجونها أو تحت مراقبة عناصرها، وصار تحركها على صعيد المشاركات الخارجية محسوبا ومرصودا ومحفوفا بالكثير من المخاطر.

ومن جهة أخرى لم تكن البيئة التي تحركت فيها تلك الأسماء في البحرين صالحة وخالية من الرصد المركز والمصادرات التي لا تحتاج الى تبرير، وبالتالي لا يمثل الحراك الثقافي في بيئة بتلك المواصفات، الصورة الحقيقية لما يجري ويدور.

من جهة ثالثة، ظلت الكويت بالمناخ المغاير من الحريات بحكم وجود مجلس منتخب، الأقرب بالدرجة الثانية الى الحركة التجديدية الاماراتية، وخصوصا مع وجود أسماء مثل: اسماعيل فهد اسماعيل، ليلى العثمان، محمد الرميحي، سليمان العسكري، أحمد البغدادي، الشاعرة سعاد الصباح، وغيرهم.

ختاما، هل الشكل الذي تم استقباله للنشاط الثقافي في البحرين يمثل المضمون الفعلي لحراك حقيقي ينطلق في بيئات لا تعاني من الرقابة المفرطة التي تحولت الى هوس وهاجس أمني؟ وهل تبدلت الصورة كثيرا في ظل المشروع الاصلاحي لعاهل البلاد المفدى في ظل استمرار وجود بعض القوانين المقيدة للحريات، ليس آخرها القانون سيئ الصيت لـ "المطبوعات" ولن يكون آخرها القانون الأسوأ لـ "الجمعيات"، وهل وجود غابرييل غارسيا ماركيز، وامبرتو ايكو، ونعوم تشومسكي بيننا كمواطنين ومثقفين بحرينيين كبار على سبيل المثال، في ظل حزمة القوانين تلك يعطي مؤشرا حقيقيا لحراك ثقافي يكتنز بمضامينه الكبيرة؟ لا أحد يعتقد بذلك





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً