سعى الإسرائيليون منذ احتلال الأراضي الفلسطينية في يونيو/ حزيران 1967 إلى تقوية نفوذهم من خلال الاستيطان، لكن على رغم ذلك لم يتمكنوا الآن من البقاء فيها إذ فشلت كل جهودهم لمنع خطة جلائهم التي جاءت على أيدي أشخاص من بني جلدتهم "يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. ..". "الحشر: 2"

ويشكل إجلاء ثمانية آلاف مستوطن اعتبارا من يوم أمس أكبر هزيمة لهم بعد 38 عاما من احتلال قطاع غزة. ولم تنجح التظاهرات والمسيرات والحواجز على الطرقات في ساعات الذروة في تغيير رأي رئيس وزرائهم ارييل شارون الذي كان في السابق أكبر المدافعين عنهم.

كان آخر تحرك للمستوطنين ومناصريهم ضد الانسحاب الحملة الاحتجاجية التي شارك فيها عشرات الآلاف لإجبار الحكومة على التراجع عن تنفيذ هذه الخطة. كما أن المجزرة التي ارتكبها المستوطن المجرم ناتان زاده يوم الخميس الماضي بإعدامه أربعة من عرب 48 في مدينة شفا عمرو تصب في ذات الهدف. لقد سببت مثل هذه الضغوطات صداعا كبيرا للجيش الإسرائيلي ولقوات الأمن المكلفة الحفاظ على النظام وان وجد فيها متواطئون مع المستوطنين.

إن التحدي الذي سيواجهه جيش الاحتلال هذه الأيام هو احتمال سقوط جرحى أو قتلى في صفوف اليهود الذين حافظوا على المستوطنات الأكثر عرضة للخطر في الدولة العبرية على مدى عقود، وهو أمر ان حدث قد يؤدي إلى انقسام داخلي، ويهدد زعامة شارون لحساب وزير المالية المستقيل بنيامين نتنياهو، أو العضو في البرلمان عوزي اللذين يطمحان للفوز برئاسة حزب الليكود.

لقد طالت تهديدات المتطرفين اليهود حتى شارون الذي أخذ ينام وعلى وسادته مسدس ملغم بالذخيرة خشية اغتياله، فهم الذين اغتالوا من قبل رئيس الوزراء السابق اسحق رابين حين جنح للسلم. إذ يشعر المستوطنون بان شارون خانهم على رغم أنه ساهم في ازدهارهم عندما كان وزيرا للإسكان والبناء في التسعينات. فبفضله يعيش اليوم 245 ألف يهودي في 144 مستوطنة سكنية غالبيتها مشتتة في الضفة الغربية، فيما لم يكونوا إلا حفنة من المستوطنين منذ أربعين عاما.

وهكذا سيظل القادة الإسرائيليون قلقين هذه الأيام مع تنفيذ الجلاء الهزيمة، فهم بين سندان مكائد المستوطنين ومطرقة صواريخ المقاومة الفلسطينية التي تريد أيضا أن تكسب إنجازا تاريخيا من وراء الانسحاب باعتباره نصرا وطنيا لكفاحها