العدد 1074 - الأحد 14 أغسطس 2005م الموافق 09 رجب 1426هـ

التطويع أو التقطيع

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في ضوء ردود الفعل الغاضبة على تصريح السيدعبدالعزيز الحكيم بشأن احتمال قيام كيان إقليمي في جنوب ووسط العراق، كيف يمكن قراءة مستقبل البلد الذي تعرض خلال عقود ثلاثة إلى حرب تصفيات داخلية وحكم استبدادي وحرب طويلة مع إيران وحرب قصيرة مع الولايات المتحدة، ثم حصار طويل وأخيرا الاجتياح الأميركي وإسقاط النظام وتقويض الدولة؟ مثل هكذا بلد كيف يمكن تصور مستقبله في حال قررت مثلا القوات الأجنبية "الأميركية - البريطانية تحديدا" الانسحاب فجأة منه؟ ومثل هكذا بلد عانى ما عاناه وخسر ما خسره ودمرت مقوماته وتعرضت للنهب والحرق والاقتلاع كيف يمكن أن يتعامل مع نفسه، وكيف تستطيع السلطة السياسية البديلة تصريف أعماله؟ السؤال الافتراضي ليس دقيقا في اعتبار أن الانسحاب الأميركي الشامل ليس واردا الآن. .. ولكنه مجرد سؤال للتعرف على احتمالات لابد من طرحها نظريا حتى لو كان الاختبار الميداني لها ليس واردا الآن.

هناك أجوبة "فرضيات" كثيرة مطروحة في حال انسحب الاحتلال ويمكن تصورها في سياق البحث عن مخارج لازمات تراكمت في بلد منذ 30 سنة. الفرضية الأولى احتمال اندلاع الحرب الأهلية وانزلاق المجتمع نحو اقتتال يقضي على ما تبقى من معالم دولة كانت موجودة. والفرضية الثانية احتمال ظهور وعي جمعي غير منتظر يدفع الناس نحو الاجتماع على مصير مشترك يؤسس لدولة جديدة تأخذ في الاعتبار الوقائع الموضوعية التي طرأت على البلاد. والفرضية الثالثة احتمال نشوء نوع من الاتفاق على طلاق سلمي بين المجموعات والمكونات والتشكيلات "الطائفية والمذهبية والاقوامية" التي يتألف منها العراق والتفاهم بينها على تأسيس وحدات "كانتونات" محلية ترتبط بهيئة إدارية مركزية واحدة. والفرضية الرابعة احتمال انقسام "الدولة" إلى ثلاث دويلات واحدة في الشمال "كردية" وثانية في الجنوب والوسط "شيعية" وثالثة في الغرب والوسط "سنية" تتوافق فيما بينها على أن تكون بغداد عاصمة مركزية مشتركة تشرف على السياستين الخارجية والدفاعية وتترك الشئون الأخرى للإدارات المحلية.

هذه الاحتمالات مجرد فرضيات ولكنها في النهاية تكشف عن وجود خلل بنيوي/ نفسي ضرب مؤسسات الدولة وأضعف الثقة بين المواطنين وعزز تلك الهواجس والمشاعر التي أخذت تعطي الذرائع والتبريرات لقيام دعوات تقسيمية في أوساط مختلفة من المجتمع. والخلل كما يبدو تتسع عناصره مع الأيام بتشجيع من الاحتلال الذي يدفع العراق نحو سياسة الهاوية لتغطية انسحابه إذا اراد الانسحاب أو تغطية وجوده إذا اراد الاستمرار.

الاحتلال في الأول والأخير يتحمل مسئولية أساسية في إنشاء هذه الفوضى العارمة التي تضرب العراق. وتتحمل سياسة الاحتلال كل النتائج الكارثية التي وصل إليها شعب العراق من مخاوف وهواجس وشكوك وتعصب متبادل وتخوين كل طرف للآخر. فالاحتلال منذ البداية وضع خطة تقوم على سياستين: اما تطويع العراق لمصلحة استراتيجيته واما تقطيعه إذا فشل التطويع.

ما يحصل اليوم في بلاد الرافدين ليس بعيدا عن الاستراتيجية الأميركية العامة التي سبق وتحدث عنها بوضوح بعض المسئولين عشية الحرب وخلالها وبعدها. فالكلام الذي قيل عن إعادة تشكيل خريطة "الشرق الأوسط" السياسية يتوافق مع النتائج التي توصل إليها الاحتلال بعد بسط هيمنته العسكرية على العراق. فالحديث عن إعادة تشكيل "هيكلة الدول" يتطلب تأسيس وقائع ميدانية على الأرض تلبي رغبات واشنطن في صوغ مؤسسات محلية تعكس ذاك الفرز المناطقي "الطائفي والمذهبي" وتبرر قيام "دويلات" تتمتع بشيء من الاستقلال النسبي. وهذا ما بدأ يظهر على سطح تأزم العلاقات الأهلية في بلاد الرافدين وبروز دعوات علنية لإنشاء كيانات "كانتونات" في أكثر من موضع.

ردود الفعل الغاضبة على تصريح السيدالحكيم هي بداية موجة مضادة ليست خالية بدورها من عصبيات طائفية ومذهبية ومناطقية. فالموجة المضادة تحمل في تضاعيفها السياسية الكثير من الهواجس والمخاوف الأهلية، الأمر الذي يعني أن هناك وجهات نظر أخرى ليست بعيدة عن جوهر كلام السيدالحكيم. وهنا الطامة الكبرى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1074 - الأحد 14 أغسطس 2005م الموافق 09 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً