"أزمة" حقيقية، تثير أسئلة: كيف ننظر إلى دور الشباب في التنمية: عبء أم شريك؟ هل التمكين السياسي للشباب أولوية في بناء مؤسسات الحكم الجيد والديمقراطية؟ هل لدينا سياسة لتمكين الشباب وكيف نقيمها؟ هل إننا فعلا نثق بالشباب ونصبر عليهم؟ هل نعتبر التجديد فرصة أم تحديا؟ من يثق في الشباب؟ هل يثق الشباب العربي في ذاته؟ وهل تثق النخب الحاكمة فيه؟ إذ إن الثقة في الذات عامل مهم في الميل إلى المشاركة "الطوعية والإرادية"، وليس الحشد، أسئلة كثيرة أمامنا يجب علينا أن نكون واقعيين وصريحين حيالها، البند الثاني من المادة الخامسة في قانون الجمعيات السياسية الذي تم التصديق عليه حديثا تنص إحدى مواده وبالتحديد البند الثاني من المادة الخامسة على أن "يكون المؤسس والمنظم قد بلغ من العمر 21 سنة ميلادية كاملة وقت التقدم بطلب التأسيس أو يوم الانضمام للجمعية" هذه المادة تجحف حق الشاب في الانضمام لأي مؤسسة سياسية طالما لم يبلغ السن ،21 كما أن هذه المادة تصادر حقه في العمل السياسي قبل بلوغه السن ،21 تعني حرمان طلبة الجامعات من عضوية الجمعيات السياسية وبالتالي ابتعادهم عن الساحة والشأن العام. بمعنى آخر: تأخر نضوجهم السياسي والتحاقهم متأخر بالسياسة ودهاليزها، كما يفهم منه في البعد الآخر إضعاف التنظيمات السياسية وخلخلة تركيبتها. والنتيجة بقاؤها مشلولة لفترة طويلة من الزمن، بدليل أن القاعدة التي تستند عليها الجمعيات السياسية سواء من خلال الاعتصامات والمسيرات أو الأمور التنظيمية الأخرى تعتمد بشكل كبير جدا على القطاعات الشبابية سواء على مستوى الإعداد والتنظيم أو الحضور، فالمجتمع البحريني عموما فتي.
اللجان الشبابية المنضوية تحت مظلة الجمعيات السياسية كثرت ويعد ذلك حراكا سياسيا متشبعا برائحة السياسية، أذكر من بينها: مركز البحرين الشبابي، جمعية الشبيبة البحرينية، ملتقى الشباب البحريني، نادي صناع الحياة، جمعية البحرين الشبابية، جمعية أطفال وشباب المستقبل، منتدى العمل الشبابي، منتدى الجامعيين، مركز فوارس الوسط وكانت لها وجهة نظر مهمة حيال مسألة إبعادهم عن الانضمام للمؤسسات السياسية، ويجب التوقف عندها إذ بينت أن لديها النية مبدئيا على فك الارتباط عن الكيانات التي ينتمون إليها، وذلك بعد انتهاء المهلة التي حددتها وزارة العدل للتنظيمات السياسية لتصحيح أوضاعها وفق قانون الجمعيات السياسية. وفي مؤتمر صحافي نظمه التحالف الشبابي في الفترة الماضية في مقر جمعية العمل الوطني الديمقراطي أشار أحد القيادات الشبابية إلى أن هناك خيارات مطروحة أمام اللجان الشبابية، من ضمنها التحول إلى أحزاب أو العمل في مجال السياسة بصورة غير علنية، كاشفا من جانب آخر عزم التحالف تنظيم ورشة عمل بعد الانتهاء من العريضة في الخامس عشر من الشهر الجاري لمناقشة تداعيات البند الثاني من المادة الخامسة من قانون الجمعيات السياسية.
مؤكدا عزم اللجان الشبابية على الاستمرار في العمل السياسي عبر قنوات أخرى، في حال تجاهلت الجهات الرسمية مطالب الجمعيات المتمثلة في تعديل البند الثاني من المادة الخامسة من قانون الجمعيات السياسية. وأن العريضة ستستمر حتى منتصف شهر أغسطس/ آب وذلك من خلال مراكز موزعة على مقار التنظيمات المشاركة في التحالف، مشيرا إلى أن الأخير يعلم بأنه لن يحرك ساكنا من خلال عريضته ولكنه يسعى من ورائها إلى خلق شيء رمزي يعبر عن رأي قطاع الشباب في المملكة. ذلك كان اتجاه حركة القطاع الشبابي المتضرر من قانون الجمعيات السياسي وكان ذلك ايقاع عمله. ولنا أن نحلل مدى جدوى حركتهم وأهمية دور الشباب في السياسة.
لا ننسى أنه ومع تطور الحياة المدنية، وتعاظم دور السلطة والسياسة في الحياة الاجتماعية والفردية، ازداد ارتباط المصير الفردي والاجتماعي بالسلطة والدولة. فالدولة هي التي تتولى مهمة التربية والتعليم، وهي التي تصمم وتخطط الإعلام، وهي المسئولة عن الأمن والنظام، وهي التي تدير شئون الاقتصاد والمال، وهي الجهة المعنية بتقديم الخدمات، وهي التي تقرر علاقة الأمة والشعب بغيرهما من الأمم والشعوب، حربا أو سلما، وهكذا فإن مصير الفرد والجماعة، أضحى مرتبطا ارتباطا وثيقا بالدولة، والعلاقة بالدولة تعني العلاقة بالسياسة والحياة السياسية، وبذلك صارت السياسة، والحياة السياسية، جزءا مهما وخطيرا من حياة الفرد، ومن حقه أن يهتم بمسألة السياسة والدولة، ونوع النظام الذي يحكمه؛ لأنه يقرر مصيره، ويتدخل في كل شأن من شئون حياته.
لذلك اعتبر الإسلام السياسة والعمل السياسي، مسئولية جماعية، تخاطب بها الأمة بأسرها. فقد ورد في الحديث النبوي الشريف "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته...". وورد أيضا "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم". والسياسة هي رعاية شئون الأمة، وهي أبرز أمر من أمورها التي يجب أن يهتم بها الفرد والجماعات المنظمة، وغير المنظمة.
وصراع الشعوب والأمم ضد الحكومات والأنظمة المستبدة، صراع دام. وقد كان ولم يزل إرهاب السلطة واستبدادها، هو المشكلة الكبرى أمام إرادة الإنسان الحرة، وأمام سعادة البشرية وتقدمها، ما دعا الشعوب إلى الكفاح ضد الأنظمة الجائرة، والى العمل السياسي، لتحقيق المستوى اللائق من العيش، وتساهم في تقرير مصيرها، وطبيعة النظام الذي يسير حياتها.
وفي طليعة المهتمين بالعمل السياسي والحياة السياسية هم بلا شك الشباب فهم العمود الفقري للمجتمع ولا يجب أن يتم تهميشهم أو استبعادهم، وذلك لأسباب عدة من أهمها: إن الشباب يحمل طاقة جسدية ونفسية، تؤهله للصراع والتحدي، أكثر من غيره، لذلك يكون مهيأ لمواجهة الاحتلال، والظلم السياسي، كما أن العمل السياسي، يستلزم العمل ضمن الجماعات السياسية، والشباب في هذه المرحلة يبحثون عن التعبير عن النزعة الجماعية فيهم، وهي الانتظام مع الجماعة، فيدفعهم نحو العمل السياسي دافع غريزي، بالإضافة إلى القناعة الفكرية، في مرحلة الشباب والمراهقة يتجه الإنسان إلى التجديد والتغيير، ولاسيما أن ظروف الحياة المدنية تتطور بسرعة هائلة في مجال التقنية والعلوم، والاستخدام العلمي، فينخرط الشباب في العمل السياسي، رغبة في التغيير والإصلاح السياسي، والالتحاق بمظاهر التقدم والرقي المدني. في مرحلة الشباب يكون الطموح في احتلال دور اجتماعي، والتعبير عن الإرادة بدرجة عالية، ما يدفع الشباب إلى الانضمام إلى الحركات، والتيارات السياسية، لاحتلال موقع اجتماعي، ودور مرموق في المجتمع. وأكد الباحث الاجتماعي الألماني كاس العام 1971 "أن هناك فروقا بين الشباب الطلبة وغير الطلبة، وخصوصا فيما يتعلق بالاهتمامات السياسية، والآراء السياسية والإيديولوجيات..."، وأشار إلى "أن المظاهرات التي حدثت في فرنسا العام 1968 واشترك فيها 95 في المئة من الطلاب تقريبا، ونسبة 5 في المئة منهم ليسوا طلبة، أكدت أن الطلاب أكثر اهتماما وتأثرا بالقضايا السياسية والايديولوجية من غيرهم من الشباب، ومن باقي أفراد المجتمع". ومن أوضح الأدلة على دور الشباب في المقاومة السياسية، هو الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، وإعلان ثورة الحجارة، فإن الشباب هم رواد هذه الثورة التي ليس لها سلاح غير الحجارة، والقوة المتحدية للغرور والاستكبار الصهيوني على رغم سقوط الآلاف من الشباب الفلسطيني المسلم ضحايا وشهداء وجرحى وعشرات الآلاف منهم في السجون وتعريضهم للتعذيب البشع، وتتفاوت هذه العوامل من شخص إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، ومن ظروف سياسية إلى ظروف أخرى. الصراع على تمثيل الشباب، من يتحدث باسم الشباب: الشباب أم الحكومة؟ يجب أن يكون حاضرا، فالصراع على جاهزية الشباب، هل الشباب جاهز للديمقراطية وقادر على توظيف آليات المشاركة والحكم الجيد؟ يجرنا على الفور إلى أن هناك قصورا في الآليات الوطنية للتمكين السياسي للشباب مقابل تطور الآليات غير الوطنية، أثر التأهيل على مشاركة الشباب، دور المنظمات العربية المعنية بالشباب وقياس درجة تأثيرها.
الفتوة والشباب من المراحل في حياة الفرد التي يتجاوز خلالها مرحلة الطفولة، إن التبديلات والتغيرات التي تطرأ خلال تلك المرحلة تتيح للفتيان والشباب اكتساب قدرات جديدة ومجابهة أوضاع وتحديات جديدة وكثيرة، وهذا بدوره يمثل فرصا كثيرة لإحراز التقدم، إذا توافرت المعلومات والتوجيه الملائمين للشباب، كما يشكل مخاطر تهدد سلامتهم وتنميتهم إذا أحاطت بهم ظروف غير مواتية ومفاهيم مغلوطة، وإن إهمال الشباب قد يؤدي إلى مشكلات خطيرة، على الأمد القصير والبعيد.
ومن أهمها الالتزامات التي بوسع الدولة أن تأخذ على عاتقها لإحراز المزيد من التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وتحقيق الاستقرار هو أن تلبي الاحتياجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتربوية والتنموية الأخرى للشباب، وفي الحقيقة فإن برامج الشباب تمثل بوابة لترويج التنمية. إن الكثير من الأنماط والممارسات التي تكتسب خلال فترة المراهقة والشباب تستمر مدى الحياة وتؤثر بدورها في صحة ورخاء وتقدم الأجيال المقبلة.
إن مستقبل الأمة نابع من طاقات عناصرها الفتية ونظرة فاحصة للشباب ونظرتهم للمستقبل تتأثر إلى حد كبير بإدراك الفرد لذاته وللأهداف التي يسعى إليها والعوائق التي تمنع تحقيق هذه الأهداف، وتتأثر نظرة الفرد للمستقبل بالجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي يعيشها وهي تشمل جميع الحوادث التي تؤثر في الفرد ويتأثر بها. فيجب ألا نكون نحن الكبار في واد والشباب في واد آخر بل يجب أن نكون جميعا في خندق واحد، فهم على كل حال الصف الثاني وهم طلائع المستقبل ولا يجب أن يتربوا بعيدا عن الأجواء والمناخات السياسية الهادئة العاقلة الرصينة.
* كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1074 - الأحد 14 أغسطس 2005م الموافق 09 رجب 1426هـ