العدد 1074 - الأحد 14 أغسطس 2005م الموافق 09 رجب 1426هـ

هل أعطي الوزير الستري صلاحيات حقيقية لتطوير القضاء؟

الشيخ محمد سند في حديث شامل إلى "الوسط""2-2"

ما هي آفاق تطوير المشروع الاصلاحي الوطني؟ ولماذا تحجم الحركة الإسلامية الشيعية عن المشاركة في المؤسسات الرسمية؟ وما هي الأسس المنهجية لتطوير القضاء البحريني بشقيه المدني والشرعي؟ وما هو شكل العلاقة بين الحوزة الدينية والحراك السياسي؟ ولماذا يطالب العلماء ببسط ايديهم على الاوقاف الجعفرية؟ وهل من سبيل لاقرار قانون الاحوال الشخصية في البحرين؟ هذه الاسئلة وغيرها يجيب عنها عالم الدين البحريني في حوزة قم المقدسة الشيخ محمد سند في الحلقة الثانية من حواره مع "الوسط". ..

لنتحدث قليلا عن الدور السياسي للحوزة الدينية "حوزة قم مثالا"، وهل لهذه الحوزة تدخل في الحراك السياسي اليومي، وما هي علاقتها بالنظام السياسي في إيران؟

- ربما ذكرت سابقا أن الإمام الخميني كان يصر وكل المراجع كذلك في الحوزة العلمية على ضرورة استقلال الحوزة العلمية في قم عن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وكما ذكرت سلفا أن هذا أمر محسوم في المؤسسة الدينية الشيعية، فإذا كان النظام الإسلامي الذي يرأسه فقيه من الفقهاء هكذا علاقته بالحوزة، فكيف بأنظمة أخرى... وهذا يفسح للحوزة العلمية حرية الرأي والمراقبة والمناصحة والنقد، ويبعث على الحيوية والنشاط، باعتبار أن هناك انفتاحا في الآفاق ونوعا من التعددية الفكرية ما ينضج المسيرة.

إن ما قد نسمعه من مشادات أو مشاحنات بين النظام الإيراني وبعض المراجع، أنا اعتبره حالة ايجابية من الطرفين، لأنه يدل على أن فصل الحوزة عن المؤسسة الرسمية جدارة لوجود هذا الوعي المنفتح.

إذا كنا نتحدث عن ضرورة إصلاح القضاء الشرعي، فمن باب أولى يجب أن يصلح القضاء المدني أيضا الذي يعاني من مشكلات كثيرة، ويكفي ما سمعته أخيرا أن الدية لغير البحرينيين تصل الى 90 ألف دينار، بينما الدية للبحرينيين لا تتجاوز في المحاكم المدنية عشرة الى عشرين ألف دينار. وأنا مطلع على تفاصيل ذلك من خلال انفتاحي مع جملة من شركات التأمين التي تتصدى لهذه القضايا.

فيجب أن يصلح اصل الجهاز القضائي الذي تشرف عليه وزارة العدل، فما هي العلاقة القانونية بين سلطة القضاء مع السلطتين التنفيذية والتشريعية؟ وأين هي المحكمة الدستورية التي هي أعلى جهة قضائية في البلد؟ هل لأعضائها الحرية في الانتخاب والرأي بحيث لا يهيمن عليها أي موقع آخر في النظام السياسي.

وقد نص دستور العام 1973 في المادة 113 على لزوم وجود هيئة قضاء مستقلة. وكنت انوه لكثير من النشطاء في الساحة بأنكم غفلتم عن احد المواد الخطيرة التي هي اخطر من البرلمان والدستور، وهي مادة المحكمة الدستورية التي كان لها الحق في فصل النزاعات حتى ذات الحساسية العالية. وعند الحديث عن الإصلاح يجب ألا نكون كالذي يعاني من أمراض خطيرة في بدنه، ويذهب لعضو آخر لعلاجه ويترك جل البدن.

إن بعض المطالبات بحقوق المرأة في البحرين مثلا كلمة حق يراد بها باطل. فمن بعض المطالبات نستشف أنه يراد تخدير الناس عن المشكلات الأصلية في البلد، فالإصلاح الحقيقي يجب أن يعم كل النظام السياسي. وأهم حق من حقوق المرأة هو ألا يمارس ضدها التمييز الطائفي. فأين الجمعيات النسائية التي تتشدق بالمطالبة بحقوق المرأة؟ وأين هي هذه الجمعيات من حق النساء اللاتي تعرضن للتعذيب والاغتصاب في عهد أمن الدولة؟ أين هذه الجمعيات من النساء اللاتي يعشن في بيئات فقيرة ومحرومة؟ يتحدثون عن مشكلة ختان المرأة في بعض الحالات وكأنها أم المشكلات التي تعاني منها المرأة البحرينية، بينما يغض الطرف عن الحقوق الأساسية للمرأة... الآن نحن نعيش وعي القرن الواحد والعشرين، فكفى لهذه الدعابات التي لا طعم لها؟

الستري عنف طائفيا

ولكن احد المسئولين رد على المطالبة بإصلاح القضاء الشرعي بالقول انه على رأس وزارة العدل وزير معمم وخريج متمرس من الحوزة العلمية، فمن باب أولى أن يطالب الوزير المنتمي للطائفة نفسها بالإصلاح؟

- "مقاطعا..." هل أعطي وزير العدل محمد علي الستري صلاحيات حقيقية؟ لقد عنف الستري في أول تعيينه في وزارة العدل بأنه طائفي، وكل جرمه أنه أتى بأربعة من طاقمه السابق الى منصبه الجديد، بينما البعض يمارس الطائفية بكل مقت ولا يساءل ببنت حرف!

أنطالب الستري بالإصلاح وهو مخنوق؟ نحن نطالب بإعطائه الصلاحيات الكافية، وأنا اجل كل أبنائنا وكل أبناء هذا الوطن الذين يتمتعون بالوعي الإسلامي في أي موقع كانوا. إن ما أراه وأتتبعه من قصاصات الأخبار ان هناك مضايقة وخناقا على شريحة واسعة من أبناء هذا الوطن، ونتمنى من الدولة أن تفسح المجال لهم أكثر فأكثر، وهذا هو مدار جدية الإصلاحات من عدمها.

الأوقاف يجب أن تخضع لوصاية العلماء

لننتقل الى ملف آخر وهو مؤسسة الأوقاف، هناك من يطالب بإشراف علمائي مباشر عليها، لماذا هذا الخوف الدائم من الحالة المؤسساتية الرسمية من جانب علماء الدين، وكيف ترون الطريقة المثلى لإدارة هذه المؤسسة؟

- اعطيكها واضحة بيضاء، أولا المذهب الجعفري ليس منغلقا على نفسه، بل هناك بند مقر في تراث أهل البيت "ع" على أن الشيعة يشاركون الأنظمة الرسمية الوقتية، ولكن أن تفرض الأنظمة السياسية وصايتها على المؤسسة الدينية هذا ما لا يقبله المذهب الجعفري.

فالأوقاف هي أموال عامة، ومن الضرورة الشرعية وصاية رجال الدين عليها، وهم بإمكانهم تشخيص الموقف الشرعي الذي تمليه عليهم مقررات المذهب. باعتبار أن الذين أوقفوا كان وقفهم على ضوء هذه المقررات "..." نعم نقبل بوجود آليات إدارية أخرى تكون حلقات وصل بين إدارة الأوقاف والحكومة فهذا أمر آخر.

العلماء لديهم مشكلاتهم البينية، ماهو ضمان عدم نقل هذه المشكلات إلى هذه المؤسسة؟

- اختلاف رجال الدين ضمان الصحة والسلامة، لان الاختلاف يعطي لرجل الدين قيمته الاعتبارية بالأمانة، فإذا كانت هناك مراقبة من أطراف مختلفة لأداء رجل الدين ستتعزز هذه الأمانة أكثر وأكثر، وهذا هو الذي يؤمن ضمان الأمانة في الحوزات العلمية، وهذا مصدر أمان وليس مصدر غوائل وخوف.

من الذي يخاطب بالقوانين؟

البرلمان سيناقش قانونا موحدا لإدارتي الأوقاف السنية والجعفرية، والدولة قالت إن هذا القانون سيراعي الخصوصية المذهبية، ما رأيك في إقرار قانون موحد للوقف؟

- أنا سأجيب بسؤال آخر: في هذه السنين من كان يدير الأوقاف الجعفرية وعلى ضوء أية مقررات؟ إذا كانت تحت إشراف وزارة الشئون الإسلامية، إذا الذي يخاطب بالقوانين والمقررات هي الإدارات السابقة. أما أن يجعل هذا القانون عائقا أمام الإصلاحات في إدارة الأوقاف فهو شبيه بما يسمى بالالتفاف القانوني.

إن الذي يضع القانون يجب أن يكون خبيرا بالقضايا الإسلامية، فكيف يريد النواب سمات ترخيصية من الحوزات الشرعية؟ النواب بامكانهم أن يساهموا في تشخيص حلقات موضوعية إذا كانت لهم اطلاعات في هذا الجانب، أما الجهات التقنينية فالمفروض أن تستمد من مصادرها الشرعية.

التراث الفقهي الشيعي غني بالأحوال الشخصية

لماذا يخلو التراث الديني الشيعي، أو المنظومة الفقهية الشيعية م ن مسائل فقهية مهمة مثل تنظيم الأحوال الشخصية، الكثيرون يعانون من جراء ذلك، ما هو تفسيركم؟

- في الحقيقة القول ان الفقه الجعفري خال من أحكام الأحوال الشخصية فهذه أضحوكة لا طعم لها، لان كتاب النكاح وكتاب الطلاق وكتاب الإرث والحقوق الزوجية وكذلك عشرات المجلدات والبحوث التي هي قد تكون متوافرة أكثر حتى من المذاهب الإسلامية الأخرى غني بها التراث الفقهي الجعفري، بل إن محاكم الأحوال الشخصية في مصر العزيزة قد استقت من المذهب الجعفري في السنوات الأخيرة أربعة أحكام مهمة منها من قبيل التطليق ثلاثا غير نافذ، والاشهاد في الطلاق وما شابه ذلك من الأحكام الرصينة والمتينة التي تحمي بنية الأسرة على ضوء ما قرره الأزهر الشريف بأن المذهب الجعفري هو احد المذاهب الخمسة المعترف بها.

ففي الحقيقة إن التراث الفقهي الشيعي غني بالأحوال الشخصية حتى بلغة قانونية، وليس فقط بلغة فقهية تقليدية، لا سيما باللغة الفارسية منذ تسعة عقود من الزمن. فهناك موسوعات ضخمة للأحوال الشخصية بلغة قانونية أكاديمية جزلة من مصادر متعددة أشرف عليها الفقهاء ويمكن ترجمتها الى اللغة العربية للانتفاع بها.

وأما بالنسبة الى نظرتي للأحوال الشخصية فقد سبق وان أصدرت بيانا يشرح وجهة نظري فيها، وملخص ما كتبته ان هناك ثوابت في الفقه الجعفري لا تغيير فيها، وليست قابلة لمزايدة التصويت البرلماني. والمسائل الخلافية في الفقه الجعفري صلاحيتها بصورة مسلمة للفقهاء وليس للعامة.

نعم، يمكن لأعضاء البرلمان تشخيص الآليات الموضوعية العصرية مثل بيت الحضانة وغيرها من الأمور الإجرائية والتنفيذية التي ترجع لفنيين في الموضوعات. كما أن قولبة الأحوال الشخصية ضمن عبارة قانونية يطلع عليها المحامون والمراجعون في الخصومات والنزاعات بحيث يفسح لهم المجال بتقديم أدلتهم منها ضمن هذه الثوابت حق مشروع لعموم الناس أن يطلعوا عليه. ومن جهة أخرى إن عملية إقرار الأحوال الشخصية وانتداب وصايتها تحت إشراف البرلمان عموما قد تكون خطوة يتخوف منها لتمرير الضغوطات الغربية على أنظمة المنطقة.

الدولة يجب أن تبادر إلى حوار جدي

وكيف ترى واقع ومستقبل الحركة الإصلاحية في هذا البلد؟

- إن الإصلاحات لا محالة ستفرض في المنطقة، وهذا نستشفه من بحوث ودراسات استراتيجية معمقة من مراكز البحوث في الغرب. والحري بدول المنطقة كافة، والحكومة الموقرة في البحرين المبادرة بإصلاحات جدية، وعدم الاستئثار الشديد لكي يتنفس الناس الصعداء، وهذا أتوقعه للتيارات المطالبة بالإصلاح نفسها. والحري بشركاء هذا الوطن خصوصا من الطرف الرسمي المبادرة الى حوار وطني جاد ومنصف بين كل الأطراف.

وهل تدعو الى المشاركة في المؤسسات الرسمية التي أوجدها الوضع الإصلاحي الجديد؟

- مع الأسف الشديد أقول إن كثيرا من هذه المؤسسات تحبس المشاركة السياسية الفعالة، والتي يرتجى منها مصلحة الوطن بأسره. ونحن ندعو لتعديل قوانينها وأنظمتها لتفسح الباب واسعا أمام المشاركة الجماهيرية فيها، لكيلا يكون وجود هذه المؤسسات الرسمية رمزيا وخاليا من الدلالات الحقيقية. وهنا أؤكد ان استراتيجيتنا في مدرسة أهل البيت "ع" كانت ومازالت هي السلم وتقديم المصلحة الوطنية، ولنا مثل في شيعة العراق الذين- على رغم كل ما يحل بهم من نزف دموي مستمر- لا ترى منهم إلا يد سلام ترفرف دائما. ولكن هذا لا يعني أبدا الخنوع أو الاستسلام والقبول بأية معادلة سياسية غير منصفة.

وأخيرا هل لديكم نية للإقامة الدائمة في البحرين؟

- رؤيتي أن أعمل كأحد رجال الدين في المؤسسة الدينية ضمن القنوات التقليدية في الحوزة العلمية، وليس لدي مشروع في الوقت الآني للإقامة الدائمة في البحرين

العدد 1074 - الأحد 14 أغسطس 2005م الموافق 09 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً