"نحن كسمكة كبيرة سحبت من الماء فشرعت تتقافز وتتلبط بعنف بحثا عن سبيل يعيدها إليه. في مثل هذه الظروف لن تتساءل السمكة إلى أين ستؤدي بها اللبطة الآتية. ما تدركه فقط هو أن وضعها الراهن لا يطاق، ولابد من تجربة شيء آخر". "مثل صيني"
هذا المثل الصيني ينطبق على حال الجمعيات السياسية عندنا هذه الأيام وهي تبحث عن مخرج حتى الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني كآخر يوم للتسجيل؛ وإلا... أي بعد أقل من ثلاثة شهور، وهي الفرصة التي أعطتها الحكومة للتنظيمات السياسية لتتكيف مع قانون الجمعيات السياسية المقر من غرفتي المجلس الوطني، والمصدق من جلالة الملك، والمنشور في الجريدة الرسمية، والمنتظر تنفيذ مواده القانونية على الجميع.
ثماني جمعيات سياسية تجتمع يوميا تقريبا، رفعت في البداية وأثناء مسيرة حاشدة صامتة شعار "إسقاط هذا القانون" الذي دون المستوى، وتميزت هذه المسيرة التي نظمتها الجمعيات الثماني غير سابقاتها بموضوع مهم، وهو الوحدة الوطنية الحقيقية، إذ شارك فيها مختلف الطيف السياسي، من العلماني الوطني إلى الإسلامي الوطني بشقيه، الشيعي والسني، غير أن هذا الشعار، سرعان ما تبدل، وتحولت كلمة "إسقاط القانون" إلى "تعديله"، ومن "مقاطعة حازمة" لدعوة لقاء وكيل وزارة العدل الشيخ خالد بن علي آل خليفة، إلى انفراد "الميثاق" بلقاء الوكيل وعرضه على عدد من الجمعيات السياسية لحضور هذا اللقاء، وعلى ذمة "البوعينين" أن بعضها رحب بالفكرة، فيما طرح رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي إبراهيم شريف خلال اجتماع للهيئة المركزية لجمعيته خيارا جديدا بالنسبة إلى التعاطي مع قانون الجمعيات، إذ اقترح تشكيل حزب سياسي مواز للجمعية، من خلال مبادرة تقوم بها مجموعة من كوادر الجمعية وأصدقائها.
شريف قال إن جمعيته "لن تتخذ خطوة بمفردها، مؤكدا استمرار التنسيق بين التحالف الرباعي وبين الجمعيات الأخرى"، بينما نائب رئيس جمعية المنبر التقدمي جليل النعيمي، قال: "إن جمعيته تلقت دعوة من جمعية الميثاق لحضور لقاء وزير العدل، وإنها ستتدارس هذه الدعوة لتعطي موقفا بشأنها".
موقف آخر يستحق التوقف عنده مطولا خرج من نائب رئيس جمعية العمل الإسلامي صلاح الخواجة، الذي شن هجوما شرسا على جمعية ميثاق العمل الوطني، ووصفها بـ "جمعية الحكم"، وأعلن مقاطعة جمعيته لاجتماعات الجمعيات السياسية، لاعتبارات: "كيف تقبل الجمعيات أن تقود جمعية الميثاق العمل السياسي"، ولأن هذه الجمعية الأخيرة لديها "أعضاء في مجلس الشورى هم من مرروا قانون الجمعيات، ثم تأتي هي الآن لتعلن معارضتها للقانون، نحن لا ثقة لدينا في هذه الجمعية، فهي جمعية مثلت الحكم طوال الفترة الماضية، لقد نقلنا رأينا للجمعيات، إذ لا يجب أن تسقط الجمعيات في الفخ".
الخواجة أيضا تساءل قائلا: "كيف لا تصر الجمعيات على قانون التنظيمات السياسية، كحد أدنى، أليست هناك كرامة، نحن لا نقبل بتعديل هذا القانون بل بإسقاطه، واعتماد قانون التنظيمات السياسية بديلا".
أطروحات "شريف والخواجة" مشروع رؤية تبحث عن بديل، ولكن ما هو البديل؟! ربما يوجد خلال الثلاثة الأشهر المقبلة، أما حلم التعديلات من تحت قبة البرلمان كما يطرحه البعض، فلن يكون، حتى لو تضامنت "بحركة انقلابية" جميع الكتل النيابية مع كتلة الديمقراطيين الوطنيين الأكثر حماسة لتحقيق حلم التعديل، إذ عليهم تخطي "بوابتين كبيرتين بحجم باب خيبر" كاملتي التسليح والعتاد والقوة والإحكام، ثم ان المسألة تتعلق بماء الوجه، فكيف لـ "بصامين" أن أختام قناعتهم بين ليلة وضحاها، سواء كانوا في مجلس النواب أو في الشورى، وكان أمامهم أكثر من عام لم يكترثوا لتوافق وطني كبير ولا لبطيخ، ولا لجهود كبيرة بذلتها التنظيمات السياسية عبر مرئيات مجمع عليها وطنيا؟!
القاعدة القروية "العراقية" بتجلياتها الإنسانية تقول: "بع الحقل والبيت وافقد كل ما تملك، ولكن لا تبع الإنسان فيك ولا تفقده" لا تتوافر لا عند "الشوريين" ولا عند جل "النواب"، فهم كل ما فعلوه من أجل الشعب الذي من المفترض كل السلطات له، إنهم طالبوا بتأمين مدى الحياة لأعضاء المجلس براتب 1500 دينار شهريا لأنهم "خدموا الشعب أربع سنوات"، بينما استكثروا على العاطلين "ضمانا ضد التعطل" ولو بمئة دينار وأقروا الموازنة من دون تحقيق هذا المطلب، لذلك كان على ذاكرتنا أن تنسى الكثير من الحقائق"المشاغبة" التي تقف في طريق الاختيار المريح.
يقول لينين في إحدى مقولاته: "في السياسة لا يوجد فرق بين الخيانة بسبب الغباء أو الخيانة بشكل متعمد ومحسوب". وإذا ما اتبعت التنظيمات السياسية بخبرتها وما قاسته من معانات "جمعية طارئة لم تخض معركة واحدة من أجل الديمقراطية"، تسمى بجمعية "نعم"، ولم تقل "لا"، إلا وقت الشهادة بـ "لا إله إلا الله"، ثم تقود في غفلة من الزمن العمل الوطني الديمقراطي من أجل قانون الجمعيات السياسية التي وافقت عليه في "الشورى"، وتعارض خارجه بطلاء ديمقراطي نعرف مسبقا، أن وراء الأكمة ما وراءها.
للمفكر المصري رفعت السعيد قول مأثور عن "الديمقراطية المصرية" يقول فيه: "لا توجد ديمقراطية "نص كم" والتي تحاول الحكومة فرضها على الشعب، وأنه لا انتخابات رئاسية حقيقية في ظل قانون الطوارئ الذي ثبت فشله في القضاء على الإرهاب ويتم استخدامه لقمع المعارضة واعتقال السياسيين وحصار الأحزاب. كما أنه لا انتخابات متكافئة في ظل سيطرة الحزب الحاكم على كل مؤسسات الدولة وخصوصا التلفزيون، وليس من المعقول أن تتاح لمرشح الحزب الحاكم فرصة الخروج في وسائل الإعلام وعقد المؤتمرات الجماهيرية بينما المرشح المعارض يظل حائرا لفترة طويلة بين رجال الأمن والشرطة للحصول على تصريح بعقد مؤتمر صغير داخل مركز شباب أو مكان مغلق!".
هذا في مصر، أما عندنا، فديمقراطيتنا "ربع كم" وقوانين "ماينس" تحت الصفر، وما ندركه أن وضعنا الراهن لا يطاق، ولابد من تجربة شيء للخروج من هذه الأزمة قبل أن تأتي الصفعة الثانية، لننس الأولى، ثم الثالثة لننس الصفعتين الأخيرتين، أما إذا انتظرنا التعديلات للفصل التشريعي الرابع والأخير، فإن وعود السادة النواب كثيرة، فهم "سيعدلون الدستور" والمرسوم بقانون المطبوعات والنشر، وسيطرحون قانون "من أين لك هذا؟" وهم مازالوا غير قادرين على إسقاط المادة 45 من قانون مجلسي الشورى والنواب، ولم يستطيعوا تحويل ديوان الرقابة إلى سلطتهم، و... و....
أما حديث الحكومة عن الحوار مع القوى السياسية المختلفة فلا يعدو عن فخ منصوب من أجل استمرار المماطلة لمدة أطول في المناورة، لأنه كما يبدو أن هناك من لا يحترم المجتمع ولا يبالي برأي الشارع.
* كاتب بحريني
العدد 1072 - الجمعة 12 أغسطس 2005م الموافق 07 رجب 1426هـ