في خضم التقلبات الاقتصادية والمالية التي تعم أسواق دول كثيرة في العالم وفي مواجهة تأثيرات هذه التقلبات، فإن البحرين مطالبة هي الأخرى بتطوير الكثير من السياسات المالية والنقدية التي تتبعها في الوقت الحاضر لكي تلعب دورا أكثر فاعلية في إضفاء استقرار أكبر على أدائها الاقتصادي. ونتطرق في هذه الحلقة الى سياسات أسعار الفائدة، ثم نبحث في حلقة أخرى السياسات النقدية.
إن سياسة أسعار الفائدة تعتبر من الأدوات المالية المهمة التى تمارسها الدولة لتنفيذ برامج التنمية الاقتصادية. وبعيدا عن التفاصيل الأكاديمية، فإن أهمية أسعار الفائدة برزت خلال نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات عنصرا أساسيا في برامج الإصلاح المالي مع انتشار النظريات التى توجه الاتهام الى القيود المالية الكابحة للتطور الاقتصادي Financial Repression وأبرزها تحديد أسعار الفائدة المصرفية من قبل السلطات النقدية والقيود على أسعار الصرف والتجارة والاستثمار الأجنبي. وبالتالي فقد برز ما بات يعرف بسياسات التحرير الماليFinancial Liberalization كأحد المعالجات الضرورية للاصلاح الاقتصادي، ومنها سياسات تحرير أسعار الفائدة المصرفية.
والملاحظ انه فيما يخص الاقتصاد الوطني، فإنه لا يعاني فعليا من هذه القيود المالية، فأسعار الفائدة والصرف تتحدد عمليا وفقا لقوانين العرض والطلب، كذلك لا توجد قيود على حرية حركة رأس المال المحلي "هناك قيود على الاستثمار الأجنبي". ومع ذلك - وفيما يخص أسعار الفائدة ودورها - كسياسة مالية مؤثرة - يمكن تسجيل ملاحظتين أساسيتين فيما يخص واقع هذه الأسعار.
وتتعلق الملاحظة الأولى بكون قوانين العرض والطلب التى تحدد المستويات العامة لأسعار الفائدة وتحركاتها نحو الارتفاع أو الانخفاض قوانين عالمية أكثر منها محلية أو اقليمية. أي ان تحركات أسعار الفائدة العالمية تلعب دورا رئيسيا في تحريك أسعار الفائدة المحلية بحيث يجب ان تواكب هذه الأسعار مثيلاتها العالمية والا تعرضت السيولة المحلية - مع وجود حرية في حركة تنقلاتها - لتقلبات واسعة دخولا وخروجا الى ومن الأسواق المحلية. وصحيح ان هذا الوضع هو مشابه لكثير من دول العالم، فان الجانب السلبي في الموضوع هو اعتماد الاقتصاد الوطني على تصدير سلعة رئيسية واحدة هي النفط وكون ايرادات هذه السلعة الرئيسية يتم تسعيرها بالدولار الأميركي، فإن الايرادات الحقيقية تتأثر كثيرا بأحوال الدولار الأميركي وبكل ما يؤثر فيه وخصوصا أسعار الفائدة الاميركية وهذا يقلص بدوره فرص ممارسة سياسات مستقلة لأسعار الفائدة محليا.
اما الملاحظة الثانية، فتتعلق بهامش الفرق بين أسعار الفائدة على القروض وأسعار الفائدة على الودائع. وهنا نلفت النظر - الى مسألة قد تكون بديهية لدى البعض - وهي ان المصارف المحلية لا تتأثر كثيرا في مجال القروض والودائع المحلية بتقلبات مستويات أسعار الفائدة العالمية كونها تملك حرية تعديل أسعار الفائدة المحلية وفقا لتلك التقلبات. الا أنها تهتم أكثر بهامش الفرق بين أسعار الفائدة على القروض "ايرادات الفوائد" وأسعار الفائدة على الودائع "مصاريف الفوائد" عند مستوى معين لكي تحافظ على معدلات ربحيتها. والملاحظة البارزة هنا هي اتساع هامش الفرق بين السعرين بصورة كبيرة ومتناقضة مع حقيقة ان هذا الهامش يجب ان يتحدد أيضا وفق قوانين العرض والطلب وليس مستويات أسعار الفائدة فحسب.
فماذا عن دور السياسات النقدية؟ إن السياسات النقدية، عندما تدخل إلى ساحة الأوراق المالية تمتلك، تأثيرا فعالا على أسعار الأسهم من خلال التوقعات المستقبلية للفائدة الاسمية والحقيقية ومدى امكان تأثير التضخم على أسعار الأسهم. وقد كانت الحكمة السائدة في الماضي في أدبيات الاسواق المالية هي ان من شأن ارتفاع الفوائد ان ترتفع اسعار الأسهم الحقيقية وحرارة نشاطها، وبالتالي فان التوقعات المستقبلية التضخمية - مع حياد العوامل الأخرى - كانت تعتبر بحكم المؤثرات الايجابية. وكانت القاعدة العامة، ان التضخم مؤثر ايجابيا على أسعار الأسهم مستقبلا، شأنه شأن، أي تأثير للتضخم على أسعار الموجودات الحقيقية، كالأراضي والعقارات.
اما الادبيات الحديثة والمعاصرة، فقد وصلت الى نتيجة عملية غير متفقة بالضرورة مع وجهة النظر هذه، وقد تكون معاكسة لها تماما. ومؤدى هذه النتيجة ان التوقعات التضخمية قد تخفض اسعار الأسهم، او على الأقل، تكون محايدة إزاءها. اذ يبين Keran، ان التضخم والاسعار الحقيقية للاسهم يسيران اما باتجاه معاكس، او باتجاه متوازن، ولكن لا يسيران حتما باتجاه واحد. بمعنى ان ارتفاع حدة معدلات التضخم لا يؤدي الى ارتفاع أسعار الأسهم الحقيقية، وانما يخفضها او لا يمارس أي تأثير عليها. ولعل اكبر التأييد لهذه النظرية جاء بعد مدة طويلة من نشر بحث المؤلف Keran الذي توصل الى هذه النظرية العام .1971 اذ نشاهد الدليل الحي على ارتفاع اسعار الأسهم الحقيقية مع هبوط التوقعات التضخمية في وقتنا الحاضر، وبشكل قوي. فالملاحظ ان نشاط اسواق الأسهم في الولايات المتحدة وبريطانيا، خلال العامين الاخيرين، وارتفاع اسعار الأسهم بشكل حقيقي، بلغ مستويات قياسية، مع انخفاض التوقعات التضخمية المستقبلية "الولايات المتحدة خصوصا".
غير ان هذه النتيجة العملية قد لا تكون في الدول العربية عموما والدول الخليجية بما فيها البحرين خصوصا بمثل هذا الوضوح المشاهد في الدول الصناعية ذات الأسواق المالية والمتكاملة. فالعلاقة بين اسعار الأسهم الحقيقية والاتجاهات التضخمية لا تعكس الصورة ذاتها. بل ربما يغلب القول ان الاسواق المالية في هذه الدول، تتأثر بالتضخم بشكل طردي كونها لا تتصف بالعمق المالي الكافي. أي ان الاسعار الحقيقية ترتفع نتيجة التوقعات التضخمية، وتشير تجربة بعض الدول الخليجية الى وجود مثل هذه الظاهرة. فقد تذبذبت اسعار الأسهم في هذه الدول واتجهت نحو الارتفاع الكبير وغير المبرر خلال نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات مع زيادة الموارد المالية وتوسع السيولة المالية التى رافقها ارتفاع معدلات التضخم كما تشير حال الركود التي سادت هذه الاسواق قبل عدة سنوات، الى الهبوط في معدلات التضخم من جهة أخرى. ويمكن ان نلاحظ من دراسة اوضاع هذه الاسواق خلال السنوات الاخيرة ترابط حركة السوق واسعار الأسهم فيه مع الارتفاع المحسوس لأسعار الفوائد المصرفية.
وسواء كان المؤثر الحقيقي على أسعار الأسهم هو توقع انخفاض التضخم والفائدة وازدياد عائد السهم كما هو الأمر حاليا في الاسواق الدولية الكبيرة، او كان انخفاض السيولة وارتفاع عائد توظيف الأموال في منافذ بديلة وارتفاع كلفة التمويل المصرفي، كما هو الحال في الأسواق المالية الناشئة، فإن الواضح تماما، على رغم تباين الاجتهادات والمؤيدات العملية، هو ان السياسة النقدية غير المباشرة التي تؤثر على اسعار الفائدة تأثيرا قويا، قادرة على توجيه الاسواق المالية للأسهم والسندات، في المدى القصير على الأقل
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1072 - الجمعة 12 أغسطس 2005م الموافق 07 رجب 1426هـ