العدد 1072 - الجمعة 12 أغسطس 2005م الموافق 07 رجب 1426هـ

من يفكر عن الولايات المتحدة؟

عبرة للعرب...

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

حينما ينتج خطابنا الإعلامي العربي عبارات الإشادة بالتخطيط والإدارة العربية لبرامج التنمية، فإننا نعتقد أن ثمة رؤية علمية ثاقبة تقف خلف هذه النظم التنموية، إلا أن المتتبع الاعتيادي لبرامج التنمية العربية في طابعها الرسمي، يكتشف بجلاء، أن من يفكر في بلاد العرب، هم أقل الفئات مستوى أكاديميا، وأنهم في الغالب "شخصيات وصولية"، لا تمتلك رصيدا معرفيا أو تعليميا يشفع لها بالإنتاج، أو البقاء في سدة التحكم بصنع القرار.

لا يستطيع أي منا أن ينكر تلك العلاقة المتسمة بالشك، بين المؤسسات الأكاديمية والعلمية العربية، وبين مستويات اتخاذ القرار في الحكومات العربية، ثمة حال من التجاهل المتعمد والمقصود تجاه مخرجات هذه المراكز والمؤسسات الأكاديمية، سواء على صعيد ما تنتجه هذه المراكز من دراسات وتوصيات، أو حتى الشخصيات العلمية والمثقفة التي تعمل بهذه القطاعات، بما يدعو إلى الاعتقاد بأن ثمة "فجوة تاريخية" من الصعب رتقها.

في النموذج الأميركي، كان مثيرا بالنسبة إلي أن أكتشف أن "مراكز الأبحاث الأميركية" تعتبر أحد أهم روافد التمويل على مستوى الاستراتيجيات والشخصيات في مؤسسات السياسة والاقتصاد في الولايات المتحدة الأميركية، هذه المراكز البحثية، سواء كانت تابعة إلى الجامعات الاميركية أو كانت أهلية الإنشاء، تعتبر المصدر الممول الرئيس للقادة والسياسيين والاقتصاديين الأميركيين.

من أحضان البحث إلى متاريس السياسة:

باحثون، أمثال مساعد وزير الدفاع السابق "ريتشارد بيرل"، ومبعوث الإدارة الأميركية "دينس روس" السابق في الشرق الأوسط، ما الذي يجعلهم على قمة السلطة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية، هؤلاء كانوا مفكرين مهتمين بالتجربة والعلم والمعرفة، فلماذا تلاقفتهم وزارات السياسة والدفاع؟

المراكز البحثية الأميركية، مثل "مركز كارنيجي للسلام الدولي"، و"مؤسسة هوفر للحرب والثورة والسلام"، و"مجلس العلاقات الدولية"، تلعب دورا مهما في صوغ القرار السياسي الأميركي، ولعل الكثير من الشواهد التاريخية تبرهن على أنها تتحكم في القرار السياسي في أحلك المواقف والمستجدات السياسية الدولية.

ويذهب كريم القاضي في واحد من أهم مقالاته إلى الاعتقاد بأن القرار السياسي الأميركي في منطقة الشرق الأوسط متأثر لا محالة بنتائج هذه الدراسات البحثية ومدلولاتها وتوصياتها، فالرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون "كنموذج"، كان يعتمد على برامج وخطط هذه المراكز حرفيا، وعلى أكثر من صعيد وتجربة.

Think-Tanks

تسمى هذه المراكز بـ Think-Tanks، وتمثل إحدى صور اللامركزية في اتخاذ القرار الأميركي، فالقرار السياسي الأميريكي ليس رهين مؤسسة واحدة، بل هو صناعة مؤسسات مختلفة، ومتضادة أحيانا، وهذا ما يغيب عن الذاهبين إلى الاعتقاد بأن ثمة لوبيات سياسية تنفرد بالقرار السياسي الأميركي، في الحقيقة ليست الولايات المتحدة الأميركية بهذه البساطة، التي تنتجها "سذاجة" بعض القوميين والشيوعيين العرب.

طبعا، لابد من التنبه إلى أن ثمة نفوذا لبعض التكتلات السياسية أو الايديولوجية في هذه المؤسسة أو تلك، إلا أن القرار السياسي الأميركي لا تتحمله مؤسسة واحدة، تمتلك السلطة النهائية، وتتحكم في جميع المقررات السياسية، فالدستور الأميركي "أول دستور في العالم" له موانعه وتنظيماته الخاصة والمعقدة.

آليات العمل السياسي والمدني

يحدد "القاضي" في مقاله المطول خمسة أدوار أساسية تقوم بها هذه المراكز، فهي أولا: مراكز صناعة الأفكار والأهداف والوسائل التي تخص السياسة الخارجية، وهو ما تستفيد منه الإدارة الأميركية بجميع أجهزتها، وتقوم بدراسة جميع المستجدات الدولية - كالإرهاب - لمعرفة أثرها على المصالح الأميركية. إذ تقوم المراكز البحثية بكسر الحواجز بين العمل الأكاديمي النظري في الجامعات الأميركية و بين العمل السياسي التطبيقي لصناع القرار.

ثانيا، تقوم المراكز البحثية بإمداد الإدارة بالموظفين اللائقين علميا وعمليا لتطبيق السياسة الخارجية، ويعد هذا من التأثير المباشر لها، فأفرادها والعاملون بها يقومون بالعمل التطبيقي للسياسة الخارجية في الإدارات المنتخبة. لذلك نجد أن كثيرا من موظفي الإدارة في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية، هم أساسا بحاثة علوم ومعارف كأمثال مساعد وزير الدفاع السابق ريتشارد بيرل ومبعوث الإدارة الأميركية السابق في الشرق الأوسط دينس روس .

ثالثا، إعداد حلقات نقاش عن المبادرات والسياسات الأميركية عن طريق عقد اجتماعات بين ممثلي الإدارة وأعضاء المراكز وأصحاب الشركات الكبرى وكبار الأكاديميين من أجل معرفة أثر السياسة الخارجية على المصالح الأميركية ومدى فعاليتها، وفي حال فعاليتها تقوم المراكز بحشد الدعم لتلك السياسة بين مختلف المؤسسات أو معارضة تلك السياسة في حال إضرارها بالمصالح الأميركية.

رابعا، للمراكز البحثية تأثير غير مباشر من خلال نشر الوعي الثقافي بين أفراد المجتمع بأهم القضايا الدولية التي تواجه الولايات المتحدة وكيفية مساندة أو اعتراض تلك السياسات. ويتم ذلك عن طريق كتابة مقالات ودراسات في الصحف الكبرى وإصدار الكتب والدوريات والظهور في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لخبراء المراكز.

خامسا، تتدخل المراكز البحثية تدخلا مباشرا في بعض القضايا الدولية كمؤسسة فاعلة تهدف إلى تحقيق بعض النتائج بالتنسيق مع الإدارة، ولعل من أبرز هذه الأدوار ما قام به المركز الأميركي للسلام بإجراء مفاوضات غير رسمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كما قام بتدريب موظفي الإدارة الأميركية على كيفية إدارة المفاوضات بين كلا الطرفين.

ويذهب كريم القاضي إلى أن أبرز المراكز الموجودة على الساحة الأميركية حاليا، هو معهد المشروع الاميركيAmerican Enterprise Institute. وينتهج هذا المركز نهجا يمينيا محافظا في معالجة القضايا الدولية كما تشير إصداراته ودورياته. وإليه تعود أكثر الآراء تطرفا مثل محاربة الإسلام الراديكالي والإرهاب واحتواء الصراع العربي الاسرائيلي والوصول إلى تسوية دائمة تحافظ على المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، والقضاء على الثورة الإسلامية في إيران. وأن النظم السياسية العربية هي السبب الرئيسي في ظاهرة الإرهاب وحوادث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول.

* كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1072 - الجمعة 12 أغسطس 2005م الموافق 07 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً