يتأمل المقال الاقتصادي التحليلي لهذا الأسبوع لمسألة القروض الشخصية في البحرين وذلك بعد نشر الإحصاءات المتعلقة بخصوص الربع الثاني من العام . 2005 يكتسب الحديث عن هذا الموضوع أهمية خاصة نظرا إلى تفضيل المصارف التجارية العاملة في البلاد منح القروض الشخصية على سائر التسهيلات التجارية الأخرى.
باختصار، بلغ حجم القروض الشخصية 1087 مليون دينار مع نهاية شهر يونيو/ حزيران بزيادة قدرها 72 مليون دينار مع مطلع العام الجاري الأمر الذي يثير شكوكا بشأن فعالية إجراءات مؤسسة نقد البحرين لوضع حد لهذه الظاهرة. تلقي السطور الآتية المزيد من الضوء على ظاهرة القروض الشخصية في البحرين.
1087 مليون دينار حجم القروض الشخصية
تشير إحصاءات مؤسسة نقد البحرين إلى أن مجموع القروض والتسهيلات الممنوحة من قبل المصارف التجارية بلغ 2371 مليون دينار في نهاية الفصل الثاني من العام الجاري. والأهم من ذلك هو نصيب القروض الشخصية إذ بلغت 1087 مليون دينار أي نحو 46 في المئة من المجموع. في المقابل كان نصيب قطاعات الإنشاء والتعمير والتجارة والصناعة مجتمعة 899 مليون دينار أي أقل من القروض الشخصية.
السؤال الذي يطرح نفسه، هو: لماذا تفضل المصارف التجارية منح القروض على سائر القطاعات الأخرى؟ تكمن العلة في معدلات الفائدة والشروط الممنوحة. وللتدليل على ذلك، يلاحظ أن المصارف فرضت معدل فائدة بلغ نحو 8 في المئة للقروض الشخصية الممنوحة بضمان العقار و6,7 في المئة بضمان الودائع. يعود الفرق في نسبة الفائدة إلى عملية تسيل العقار فضلا عن عدم ثبات القيمة. لاشك أن هذه الأمور غير موجودة للقروض الممنوحة بضمان الودائع.
أيضا تفرض المصارف على متخذي القروض شراء بوليصة تأمين الأمر الذي يضمن للمؤسسات المالية أموالها في حال حدوث تطورات مثل وفاة المقترض أو اصابته بعاهة مزمنة تقعده عن العمل. بالإضافة إلى ذلك تلزم المصارف المتقدمين للقروض بدفع الرسوم الإدارية والتي تغطي أمورا مثل المساعدة المقدمة من قبل الموظفين وتفاصيل أخرى مثل نسخ الأوراق. في المقابل ترغب المؤسسات التجارية وخصوصا الشركات الصناعية الحصول على قروض بشروط ميسرة فيما يخص نسب الفوائد وتمديد فترة السداد ما يعني أن المصلحة الذاتية للبنك تفرض منح قروض شخصية على حساب التسهيلات الأخرى.
القروض المتعثرة مرتفعة نسبيا
بحسب تقرير من إعداد بيت الاستثمار العالمي "جلوبال" بخصوص القطاع المصرفي في البحرين في العام ،2004 يعاني على الأقل بنك تجاري واحد من ضخامة نسبة القروض المتعثرة. تبلغ نسبة القروض المتعثرة أكثر من 68 في المئة من مجموع القروض الممنوحة في البنك البحريني السعودي. المعروف أن الإدارة السابقة للبنك استغلت ضعف إجراءات الرقابة المالية المفروضة من قبل مؤسسة نقد البحرين وقامت بمنح قروض لأشخاص سيئي الصيت وتبين أن أحدهم غادر إلى أستراليا حاملا معه أموالا بحرينية.
يبقى أنه من الخطأ الجسيم عدم قيام السلطات بفضح المتورطين في الجرائم المالية التي طالت البنك البحريني السعودي. الصحيح هو تقديم المتورطين إلى المحاكمة حتى ينالوا جزاءهم وفي ذلك عبرة للآخرين وتعزيزا لمبدأ الشفافية في المعاملات المالية، إذ إن مصلحة البحرين أهم من مصلحة أفراد معينين. ولتعزيز كلامنا نشير إلى أداء البحرين في تقرير "القدرة التنافسية في العالم العربي للعام 2005" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي ومقره منتجع دافوس بسويسرا. فقد حصلت البحرين على المركز الثالث بعد كل من قطر ودولة الإمارات العربية لعدة أسباب منها تعثر مسألة الشفافية في المعاملات.
كما أشار تقرير "جلوبال" إلى نسب القروض المتعثرة في بعض المصارف التجارية الأخرى، إذ تبلغ 9,6 في المئة في بنك البحرين والكويت و4,3 في المئة لدى البنك الأهلي المتحد فضلا عن 1,1 في المئة في بنك البحرين الوطني.
أما بخصوص مخصصات القروض المتعثرة فيلاحظ تباين واضح بين المصارف التجارية العاملة في البحرين. يشير تقرير "جلوبال" إلى تميز البنك الأهلي المتحد عن سائر المصارف الأخرى بتوفيره مبلغا ماليا يساوي 196 في المئة أي نحو ضعف قيمة القروض المتعثرة. ويأتي بنك البحرين الوطني في المرتبة الثانية إذ وفر مبلغا يساوي 102 في المئة من قيمة القروض المتعثرة. من جانبه خصص بنك البحرين والكويت مبلغا يساوي 74 في المئة من حجم القروض المتعثرة لديه. أما البنك البحريني السعودي الذي يعاني أكثر من غيره فقد وفر مبلغا يساوي 65 في المئة فقط من قيمة القروض المتعثرة.
القواعد الجديدة للقروض لم تؤت ثمارها بعد
ابتداء من مطلع العام الجاري أصبح لزاما على المصارف التجارية العاملة في البحرين تطبيق القواعد الجديدة المفروضة من قبل مؤسسة نقد البحرين فيما يخص التمويل الاستهلاكي. ويعرف "التمويل الاستهلاكي" بأنه أي شكل من أشكال التسهيلات الائتمانية مثل القروض الشخصية والسحب على المكشوف أو بطاقات الائتمان. وبحسب التشريع الجديد فقد تم تحديد القسط الذي يدفعه الفرد للقروض الاستهلاكية على ألا يزيد على نصف إجمالي دخله وبحد أقصى 7 سنوات للسداد. وجاء تحرك المؤسسة على خلفية تخوفها على سلامة الملاءة المالية للمصارف فضلا عن ارتفاع وتيرة الضغط الشعبي للقيام بخطوات محددة وفعالة للحد من ظاهرة القروض الشخصية في مجتمعنا.
لكن يلاحظ أن قيمة القروض الشخصية زادت بواقع 72 مليون دينار أي أكثر من 7 في المئة في الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بنهاية العام الماضي أي بعد دخول القواعد الجديدة للقروض حيز التنفيذ. على كل حال ربما علينا الانتظار لفترة تزيد على السنة لمعرفة التداعيات الفعلية للتشريعات الجديدة. نقول ذلك بسبب ترشح معلومات مفادها أن بعض المصارف التجارية وافقت على المزيد من طلبات القروض قبل نهاية العام الماضي ومن ثم قامت بتنفيذها في العام الجاري. ومرد هذا الكلام أن المصارف وافقت على الطلبات قبل دخول القواعد الجديدة للقروض حيز التنفيذ.
توصيات صندوق النقد الدولي
بحسب الاقتصادي والاستشاري حسين المهدي فإن صندوق النقد الدولي يوصي بألا تزيد قيمة القروض الممنوحة للأغراض الشخصية على ما نسبته 30 في المئة من حجم القروض والتسهيلات الممنوحة. المؤكد أن الصندوق تبنى هذا المقترح بسبب تجارب عالمية وحفاظا على السلامة المالية. كما أسلفنا فإن القروض الشخصية تمثل نحو 46 في المئة من مجموع التسهيلات المصرفية في البحرين أي أكثر من 50 في المئة من النسبة التي تنص عليها توصيات صندوق النقد الدولي.
ختاما تحتاج البحرين إلى دراسات توضح أسباب ميل الأفراد إلى الاقتراض الشخصي. فالحاجة ماسة إلى دراسات علمية لمعرفة السلوكات والاتجاهات المسببة لهذه الظاهرة الاجتماعية في المجتمع البحريني. نقول ذلك لأن قيمة القروض الشخصية "1087 مليون دينار" مرتفعة نسبيا إذ تشكل 46 في المئة من مجموع التسهيلات المصرفية و نحو 19 في المئة من قيمة موجودات المصارف التجارية فضلا عن ثلث حجم الناتج المحلي الإجمالي البحريني للعام .2004 مقال الأسبوع المقبل يتناول معدلات الفائدة المفروضة على القروض والتسهيلات المصرفية في البحرين
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1072 - الجمعة 12 أغسطس 2005م الموافق 07 رجب 1426هـ