العدد 1071 - الخميس 11 أغسطس 2005م الموافق 06 رجب 1426هـ

الحاجة إلى قراءة للآيات القرآنية بأبعاد متعددة

بعد إنساني وبعد زماني... بعد موضوعي وبعد نفسي

نجاح كاظم comments [at] alwasatnews.com

ان الآيات القرآنية تتعامل مع موضوع النساء، من دون غموض، عن المساواة الروحية لهم مع الرجال، إضافة إلى أدوارهم الأخرى في المجتمع. وشيء من هذا موجود في الآيات الأساسية، فضلا عن قصص القرآن كما في صورة سليمان وحواره مع ملكة سبأ أو سورة آل عمران وحديثه عن مريم بنت عمران وغيرها.

سابقا، في زمن الرسول والخلفاء كان هناك التزام بالقواعد القرآنية، بينما أضحى التوجه للتفسير القرآني فيما بعد يعتمد على المقاييس المسيطرة والمستخدمة.

أبوحامد الغزالي

الإمام أبوحامد الغزالي، على سبيل المثال لا الحصر، كان يعتقد ان النساء "بالفطرة" متدنين عن الرجال. كيف تبلور هذا الرأي السلبي وعلى تناقض واضح مع القرآن وآياته بشأن النساء؟ فإذا النساء ناقصات عن الرجال فكيف القرآن يركز على المساواة الروحية وغيرها؟ أليس هذا تناقضا مع العدل الالهي. عدل الله ومساواته للبشر في الثواب والعقاب. ومواقف الإمام الغزالي في العراق هل كانت متأثرة بالسياق الثقافي والاجتماعي للشرق الأوسط أو اليونان كما هو معروف للرأي نفسه عند أرسطو، أم توجد أسباب أخرى؟!

فالحاجة ماسة اليوم الى تفسير أو قراءة القرآن بأبعاد متعددة وليس ببعد واحد "قروسطي" قائم على معرفة أتى بها العلماء قبل ألف عام أو ما يزيد.

التضاد في التفاسير

فقد تكون هناك عدة تفسيرات للبعد ذاته أو الأبعاد المختلفة في آن واحد. أو التضادات في التفاسير، أو كما يرى البعض، التناقضات في آيات القرآن هي في نسبية وتنوع القراءات ولا تعكس تناقض القرآن ذاته أو تنفي عنه صفة المطلق. فالنسبية هنا في العمل القائم على تضادات وتناسقات القراءات المتنوعة. النسبية في إدراك ومعرفة الأمور من قبل الناس وليست النسبية في الكلمات القرآنية ذاتها.

فالأبعاد المتعددة تتضمن البعد الإنساني ودور علم الاجتماع في فهم القرآن من وجهة نظر فاعلية البشر وطرق نشاطهم وتجمعهم. "وأن ليس للأنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى" "النجم: 39 و40"، فهذه الآية تمثل بعدي الاجتماع والاقتصاد، لأنها تمثل الحركة الاجتماعية ودورها في الفاعلية الاقتصادية، والآية تمثل قاعدة تاريخية كذلك وافتقاد الاعتبار للتاريخ وعزله عن كونه مرجعا يجعل مصير الإنسان بيد غيره. كما تمثل الآية، ما بين سطورها، نوعا من المراجعة والتقييم في الأعمال والفعاليات، وربما الاستيعاب الأعمق يكشف أبعادا أخرى.

بعد الزمان في الوجود

وبعد الزمان ودوره الأساسي في الوجود كاستخدام كتاب الله لآيات الليل والنهار، وكيف على سبيل المثال نفهم الآية الكريمة "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" "المعارج: 4"، هل فقط ننظر لها من الجانب العلمي أم يمكن ترجمتها تاريخيا وعقائديا كذلك. ناهيك عن ارتباطها ببعد المكان، جغرافية الأرض المتنوعة، المؤدية الى جغرافية الاجتماع المتباينة للألسنة واللغات وتطورها لجغرافية الأفكار. أو استخدام القرآن للأرقام "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" "الأنعام: 160"، "وكل شيء أحصيناه في إمام مبين" "يس: 12". فدور الأرقام في توثيق المعلومات والمعارف وتراكم الخبرات. الأرقام تعكس نسبية ومحدودية الأشياء مقابل المطلق "الله". مبدأ القرآن الاساسي المضاعفات الرقمية كما في الآية الأولى تشجع الانسان على عمل الخير بسبب استيعاب الانسان للمفهوم وتفاعله مع الأرقام أسهل وأكبر مقارنة مع الكلمات.

والبعد الموضوعي عن حديث القرآن في مواضع مختلفة عن حواس الإنسان "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولـئك كان عنه مسؤولا" "الإسراء: 36". والآية توضح ضرورة تطبيق الأبعاد الثلاثة: السمع والبصر والفؤاد "العواطف" عند دراسة أو تحليل الأمور وعند اتخاذ اي موقف من المواقف يتطلب توظيف هذه الأبعاد الثلاثة عند استخدام العواطف فقط أو القيم المجردة خصوصا عند التعامل مع القضايا المتعلقة مع الآخر وخارج دائرة المسلمين. والآية تقول كذلك ان الاصغاء فعل وممارسة للذهن وان هناك الكثير مما يمكن سمعه والنظر اليه فقط في هذا العالم لتسخيره لعملية التعلم.

أو البعد النفسي وحاجة الناس لتفقه أنفسهم أو سبر النفس الانسانية من وجهة نظر سيكولوجية لتمكنهم من الغور في أعماق هذه النفس. كيف على سبيل المثال نفهم الآية "ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها" "الشمس: 7 و8". فالقراءات المتعارف عليها تقول عن مكونات الانسان للخير والشر أو وجود نوازع الخير والشر.

الشر كمبدأ للعنف

الشر كمبدأ للعنف في النفس الإنسانية أو مبدأ القوة كما يقول علم النفس: ان كل انسان يحب أن يمتلك بعضا من السلطة، وعند عدم تملكه لهذه السلطة فضلا عن صعوبة الموائمة مع التغيير واكتساب الأفكار الجديدة يكون رد الفعل "المعبر عن نفسه بصورة عنف" بوصف ذلك شكل من الاستجابة السلوكية الممكنة للتغييرات المحيطة. فهمنا لهذه الأمور تصلنا إلى قراءات ذات استنتاجات متقدمة عن الطبيعة البشرية ونوازع الإنسان الخفية وانعكاساتها على الأمور العملية في الحياة.

"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" "الرعد: 11"، فالآية تعكس قاعدة نفسية لأنها تتعامل مع النفس. فالتهيؤ النفسي كما هو واضح في الآية يعتبر البداية، لكن مفتاح التغيير هو الوعي، فالوعي يغير من نمط التفكير وهذا ينعكس على السلوك لاحداث التغيير. والتغيير نحو الأحسن كما هو مفروض يجعل الفجوة بين الذات "محرك الفرد" والخارج صغيرة ما يزيد التوافق بين الاثنين. والآية تمثل قاعدة اجتماعية لأنها تتكلم عن قوم، جماعة من الناس، والعمل مع الجماعة بلحاظ العام، ولا تعني السلطة، يوضح مفاهيم المدينة الذي يخدم الفرد عند خدمته الجماعة.

قاعدة تاريخية

والآية قاعدة تاريخية، فالتاريخ يصنعه الإنسان من خلال أفكاره وتغيرات واقعه. تغيير الواقع ونضوج العقل، أي نتاج الأفكار والاستمرار في العمل والحياة، وهذا يعني استمرار مسيرة التاريخ طال عملية التاريخ مستمرة وصفة التطور غير متناهية وعملية التغيير لا تتحقق الا بالعمل الجاد.

"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض" "النور: 55".

فهذه الآية، وكثير من أمثالها، هي الأخرى قاعدة اجتماعية، قائمة على المفاهيم الجماعية المرتبطة بعمل الخير والاحسان وما شابه. الاستخلاف على الأرض، الفاعلية الاجتماعية، هي المسئولية التي تعني القيادة، صفة الأحرار، وليس العبيد. كما ان المبادرة إلى عمل الخير، إضافة إلى المسئولية تعكس مفاهيم مدنية حديثة تجعلنا نربط بين القرآن وقيم المجتمع المدني

العدد 1071 - الخميس 11 أغسطس 2005م الموافق 06 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً