منذ العام 1997 وحتى نهاية العام 2003 كانت الساحة السياسية الإيرانية ملكا مطلقا لتيار عريض من اليسار الديني بتفريعاته المختلفة ومجاميع متناثرة من العلمانيين والقوميين سموا فيما بعد "وتحديدا في انتخابات المجلس النيابي السادس 1999" بجبهة الثاني من خرداد، وعلى رغم أن خصومهم من المحافظين تم إقصاؤهم بصورة راديكالية فإن التوازن بينهما عاد "أو استجلب" بفعل وجود هيئات رقابية أخرى ذات ثقل مهم تعمل داخل النظام.
وفي الفترة التي أعقبت فوز التيار الإصلاحي مطلع العام 1997 أقدم اليسار المتطرف في التيار على انتهاج خطاب شوفيني أرعن مرده انتشاء موهوم بالقوة المؤسسة على نتائج انتخابات فسرت بأنها تفويض مطلق لهم في كل شيء وضد كل شيء، ثم تمادت تلك القوى بإسرافها في ضرب الخصم وإقصائه وتجييش لقطاعات مجتمعية وعمرية ضد النظام ذاته إلى أن وصل الأمر إلى التعويل على أي خطاب يلقيه الرئيس الأميركي أو أحد من إدارته، فقد رحبت جبهة المشاركة بقيام واشنطن بفتح عدد من المواقع الإلكترونية الناطقة بالفارسية بحجة تشجيع الديمقراطية في إيران، على رغم أن أحد المسئوليين الأميركيين صرح حينها لوكالة "رويترز" بأن هذه المواقع ستقدم للإيرانيين التعليمات اللازمة للقيام بتحركات سياسية في الداخل، كما قامت جبهة المشاركة أيضا بتشكيل لجنة خاصة لتوجيه حوادث 9 يوليو/ تموز 1999 في الحي الجامعي بطهران بعضوية كل من مصطفى تاج زادة ورجب علي مزروعي وفاطمة حقيقت جو، كما قام المحارب العجوز بهزاد نبوي وهو من زعماء منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية الإصلاحية المتطرفة بزيارة سرية لتركيا إذ التقى هناك زلماي خليل زادة السفير الأميركي في العراق حاليا وتباحث معه بشأن مشروع التمرد المدني والرقابة الاستصوابية على الانتخابات من قبل مجلس صيانة الدستور كما أن عبدالكريم سروش ومحسن كديفر وهما من منظري جبهة المشاركة حضرا احتفالا أقامته السفارة الأميركية في بولندا لتسلم جائزتين نيابة عن الصحافي أكبر كنجي وآغاجري! بالإضافة إلى كل ذلك فإن أزمة الحي الجامعي ومؤتمر برلين وتعديل قانون المطبوعات ومشروع التمرد المدني والإخلال بالخط الفاصل بين الموالين وغير الموالين ودبلوماسية السبيل الثاني والضرب من الأسفل والضغط في الأعلى وعصابة مفبركي الأشرطة هي كلها تحركات فهمت بلا لبس بأنها غير مسئولة بل ومهدت لخروج أجزاء كبيرة من التيار الإصلاحي من اللعبة السياسية.
ومع حلول فبراير/ شباط 2003 بدأت قواعد اللعبة تتبدل بشكل مدني وسلمي عندما فاز المحافظون في الانتخابات البلدية الثانية محققين فوزا نسبيا في بعض الدوائر وكاسحا في دوائر أخرى كطهران "14 مقعدا من أصل 15" ويزد "6 مقاعد من أصل 9" ومشهد وأصفهان وشيراز وقم المقدسة وفي الأرياف، ثم ازدادت قواعد اللعبة تغيرا بفوز المحافظين أيضا في انتخابات المجلس النيابي السابع في فبراير 2004 والتي أصيب فيها الإصلاحيون بهزيمة منكرة وهي الانتخابات التي مهدت لأن ينقسم تيار الثاني من خرداد إلى سماطين، بعدها جاءت الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي فاز فيها أحمدي نجاد لتنقل معركة الخلاف الإصلاحي الإصلاحي إلى الهيئات المركزية في تيار خرداد، فروحانيون مبارز انقسمت على نفسها وتشظت إلى الحد الذي دفع بأمينها العام مهدي كروبي إلى الانسحاب من التيار احتجاجا على الأوضاع الداخلية فيه مطلقا حملة لتشكيل حزب جديد باسم آرمان "الهدف"، كما أن أحزابا كانت توسم بالحديد بدأت في الضمور ككوادر البناء "أو اليمين الصناعي" وباتت حركته بعيدة عن المأسسة والتنظيم وأقرب إلى العلم الفردي.
وقد يكون ذلك الانحدار في تماسك القوى الإصلاحية سببه هشاشة الائتلاف الذي كان قائما بين الملتئمين الذين كانوا يتسترون على ذلك الكم الهائل من الخلافات المتراكمة وحان الوقت لأن تتم تسويتها
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1071 - الخميس 11 أغسطس 2005م الموافق 06 رجب 1426هـ