هناك بشر لا يترددون لحظة في لومك لأنك كبرت ومرضت ونجحت وفشلت وقضيت نحبك من دون أن تأخذ رأيهم، والبشر أنفسهم لا يترددون في التعبير عن امتعاضهم تجاه حتى المدن لأنها توسعت واستطالت عماراتها وتمددت أطرافها، وأينعت ثمارها، وتكاثر وتحسن نسلها من دون أن يرجع إليهم في كل ذلك. وذلك الصنف من البشر ليس ضربا من خيال، وليس محاولة افتراء فائض على جانب من الخفي والمسكوت عنه وغير المعلن في مشاهد من مجتمعاتنا.

وفي أحسن الأحوال، تطالبك تلك الفئة من البشر بربط قوتك وضعفك، حضرك وسفرك، رفاهيتك وعوزك بمؤشر مزاجها المتقلب، وهوسها باستجواب نواياك، وتعريضك للمساءلة حتى في حال أوصدت عليك غرفة نومك. تطالبك بالتصريح بفائض الأمل والترويج له، وتلوح لك بوعيدها وشرها المستطير حين تسول لك نفسك ولو همسا أو وهما - لا فرق - بالترويج ليأس يؤمنون أنهم حصنوك منه.

لم يعد بالإمكان الحديث عن تفتق إرادات، وتنوع خيارات، وحق في حياة خالية من قوائم طويلة من القيود والاشتراطات التي لها أول وليس لها آخر، ولم يعد بالإمكان حتى مجرد توهم القدرة على تجاوز حرس أحالوا النوم على التقاعد، وبات شغلهم الشاغل ممارسة "القبض" وإقصاء "البسط"!، وصار عليك في ظل واقع كهذا أن تذهب إلى النوم قانعا بأن غدك رهينة لدى أحدهم ريثما تستفيق على منبهه وفجره الكاذب!، وبات عليك في ظل واقع أمكنة تضج بهكذا أصناف من البشر، أن تنمي ملكة الاستئذان لديك قبل أن تولد وقبل أن تموت وقبل أن تبعث حيا!