بدأت الدول الأوروبية منذ فترة ليست قصيرة بطرد دعاة المسلمين في القارة وتحديدا بعض أئمة المساجد المتهمين بالتطرف وعدم احترام القوانين والأعراف المتبعة في منظومة الاتحاد الأوروبي.
بريطانيا رفضت الانجرار وراء المواقف التي أعلنتها الكثير من الدول الأوروبية وأبدت مرارا تحفظاتها على ذاك السلوك الذي يميز بين رعايا القارة بسبب الانتماء الديني أو العرقي.
الآن وبعد ضربات 7/7 أخذت بريطانيا تعيد النظر في رؤيتها السابقة وبدأت تتجه نحو إقرار بعض تلك القوانين الأوروبية وباشرت في ترحيل من تسميهم بالمتطرفين من أئمة المساجد والدعاة. إلا أن هناك مشكلة لاتزال أوروبا تواجهها وتتركز في ذاك الخلط ما بين السياسة والدين في تعريف المسلم.
"من هو المسلم؟" سؤال لايزال يؤرق الكثير من المشرفين الأمنيين على تطبيق القوانين. فالأجوبة كثيرة. المتدين هو المسلم أم أن الإسلام يشمل أيضا تلك الفئات غير الملتزمة. الأسمر هو المسلم أم مختلف الألوان "الأعراق" التي تندرج تحت هذا المسمى. العربي هو المسلم أم كل تلك الجنسيات التي تشمل أكثر من 60 قومية ولغة في العالم؟
مشكلة تعريف المسلم كانت واحدة من المشكلات التي واجهت كل المتابعين لقضايا العالم الإسلامي وأزماته التي لا تنتهي. ومشكلة التعريف بدأت حين خلطت الجهات الأمنية الأوروبية بين السياسة والدين. فكانت تستبعد من تصنيفاتها كل رعايا الدولة التي هي على علاقة سياسية جيدة مع الغرب "أوروبا وأميركا" وتلاحق المسلمين ممن هم من دول ليست على علاقة سياسية جيدة مع الغرب.
وبناء على هذا التعريف السياسي للمسلم وقعت أخطاء وحصلت تجاوزات وأدى الأمر لاحقا إلى نمو ثغرات في التعريف بسبب إصرار الجهات الأمنية على تغليب معايير سياسية هي أقرب إلى التوصيف. ففي السبعينات مثلا اقتصر التعريف على ذاك التوصيف "المظهر الشكلي" للمسلمين الشوام. فآنذاك كانت المشكلة السياسية تتركز على المقاومة الفلسطينية وأنصارها وتحديدا أبناء بلاد الشام "فلسطين، الأردن، سورية، ولبنان". وبناء على هذا التوصيف السياسي اقتصرت الرقابة البوليسية والملاحقة ضمن إطار تعريف اختصر شكل المسلم بالشامي.
في الثمانينات اتسع نطاق التوصيف السياسي وبالتالي تعريف هوية المسلم من خلال شكله. فدخل على التوصيف السياسي الأفغاني والإيراني واتسعت دائرة الشكل لتسقط على التعريف الأصلي وتدفع مجددا باتجاه تعديله ليشمل تلك المساحة الآسيوية من كابول إلى طهران.
إلا أن التوصيف السياسي للمسلم دخل في أزمة جديدة في مطلع التسعينات حين دخل العراق على خط التصادم مع الغرب في أغسطس/ آب .1990 وكذلك دخل السودان على خط التعارض السياسي بعد التغييرات التي حصلت في الخرطوم. فالتعريف هنا بدأت دائرته تتسع لتشمل تلك المساحة الجغرافية الممتدة في أشكالها وألوانها ولغاتها وثقافاتها. وهذا أدى إلى نوع من الإرباك الأمني في حصر دائرة المسلمين وضبط سلوكهم السياسي في إيقاع أمني يربط العقيدة الدينية بتوجهات الدولة التي ينتمي إليها المسلم.
إلا أن هذا الإرباك الأمني لم يعدل كثيرا من تلك السياسة التي تحصر تعريف المسلم بذاك التوصيف الأيديولوجي وعلاقات أوروبا بالدول المسلمة. وبناء على هذا الربط الأمني بين الدين والسياسة اتسع نطاق التوصيف من دون أن يتعدل التعريف الأصلي القائم على فرضية السؤال: من هو المسلم؟
استمر هذا المأزق يتطور وصولا إلى هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 فدخلت في ضوء تداعياته الكثير من الأوصاف الشكلية وباتت دائرة التعريف تشمل اليمني والسعودي والمغاربي "التونسي، الجزائري، المغربي" وتحولت الشكوك لتشمل الدول المعادية سياسيا إلى جانب الدول الصديقة تقليديا.
وزاد الطين بلة وقوع هجمات 7/7 في لندن، إذ اندهشت أجهزة الأمن بوجود مسلم من التابعية الجاميكية ضمن المشكوك فيهم. ثم اتسع التوصيف ليشمل لاحقا الصومالي والأثيوبي والكيني والنيجيري والفلبيني والإندونيسي والهندي والباكستاني والكشميري والأذري والتركي والشيشاني والبوسني... وحتى المسلم الأوروبي "الأشقر وصاحب العيون الزرق".
مشكلة تعريف المسلم كانت واحدة من المشكلات التي أوقعت أجهزة الأمن الأوروبية في إشكالات سياسية نتيجة إصرارها على ربط التعريف العقائدي الديني بتوصيف محدد له صلة بمناطق جغرافية تشهد اضطرابات أو تلتزم بمواقف لا تنسجم مع مصالح الغرب. وبسبب ذاك الربط العشوائي بين التعريف الديني والتوصيف الشكلي دفع المسلمون في أوروبا الثمن... والآتي أعظم
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1070 - الأربعاء 10 أغسطس 2005م الموافق 05 رجب 1426هـ