استقبل المرجع الديني، السيدمحمد حسين فضل الله "وفد مخيم الشباب القومي العربي - الخامس عشر"، وذلك في قاعة الزهراء - الملحقة بمسجد الإمامين الحسنين - في حارة حريك، حيث دار حوار تخلله كلمة للمشرف العام على المخيم، عبدالملك المخلافي، عضو مجلس الشورى اليمني، أكد فيها أن هذه الزيارة تأتي للاستنارة في قضايا الأمة من المرجع السيدفضل الله.
وكانت كلمة للسيد فضل الله جاء فيها:
لماذا نلتقي في هذا العالم الذي نعيش فيه في عنواننا العربي؟ إننا نلتقي باعتبار أننا من أرض واحدة ولغة واحدة وتاريخ واحد، ونحن لا نتعقد من أي لغة أخرى أو تاريخ آخر، لأن العروبة في مضمونها إنسانية، وهي تعيش خصوصيتها في ثقافتها وتطلعاتها وحركياتها، لتنفتح على ثقافة الآخرين وتطلعاتهم وحركياتهم، لأن حضارتنا عندما انطلقت، كان الإسلام عنوان انطلاقتها في بعدها الحضاري، وكانت تتوجه إلى كل الناس على أساس إنسانيتهم، على رغم تنوع الخصوصيات في المجتمعات الإنسانية، وذلك انطلاقا من استراتيجية التعارف التي أمر بها القرآن الكريم.
لقد أرادوا لهذا العالم العربي الإلغاء، وهذا ما تعمل له القوى المستكبرة منذ عهد الاستعمار الأول وحتى عهد هذا الاستعمار الجديد الذي يتستر بشعار الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذا العالم يراد إلغاؤه حتى لا يكون هناك عالم عربي، وهو ما لاحظناه في الخطة الأميركية الإسرائيلية في مؤتمر مدريد، حين رفضوا الوفد العربي الواحد، ليفاوض كل وفد عربي بخصوصياته، لتتمكن "إسرائيل" من اللعب على التناقضات لمصلحة مشروعها وعلى حساب المشروع العربي، لهذا لم يكن هناك وفد عربي. ثم رفضوا للجامعة العربية أن تكون بصفة المراقب، فهي على رغم إخفاقاتها، تحمل عنوان العالم العربي، ولا يراد لهذا العنوان تمثيل ساحته.
وأريد لهذه الخطة أن تؤكد الإقليمية لتكون بديلا عن العروبة والإسلام، فأصبحت مسألة القطرية هي الفكر الذي يبحث فيه المصريون عن فرعونيتهم، واللبنانيون والسوريون عن فينيقيتهم، والعراقيون عن بابليتهم، وغيرها من الانتماءات القديمة التي قد تحمل مردودا حضاريا، ولكن الزمن طواها لمصلحة حضارة جديدة وتاريخ جديد.
إن المرحلة التي نعيشها، يراد فيها للأرض أن تهتز تحت أقدامنا، وخصوصا على صعيد القضية الفلسطينية، أم القضايا، والتي تختصر تاريخنا في كل تطوراته حتى الآن، وذلك من خلال الخطة الغربية عامة، والتي كانت بريطانية قبل أن تكون أميركية، فبريطانيا لم تكتف بوعد بلفور، الذي حركته في استغلال احتلالها لفلسطين، فمكان اليهود من ارتكاب مجازرهم، أضعف الواقع العربي آنذاك الذي كان تحت سيطرة الاحتلال البريطاني - الفرنسي، بل تطور الدعم إلى مستوى غير مسبوق، حين مدت "إسرائيل" بكل ما تحتاجه لصناعة القنبلة الذرية...
وهكذا جاءت فرنسا بعد ذلك لتقوم مقام بريطانيا في تسليح "إسرائيل" ودعمها بقوة، إلى أن جاءت مبادرة الجنرال ديغول العام ،1967 ثم جاءت أميركا لترتبط بـ "إسرائيل" ارتباطا عضويا، حتى صارت أميركا تحت قيادة "إسرائيل" في الشرق الأوسط، وأعلنت أميركا التزامها المطلق بما سموه أمن "إسرائيل"، وهو ما تجلى بشكل فاضح في دفاعها عن "إسرائيل" في حرب رمضان.
إن العالم العربي بكل قطرياته، سقط بفعل الضربة القاضية الأميركية، فلم تعد أنظمة العرب تعمل لمصالح شعوبها، وهي تنتظر في كل صباح التعليمات الأميركية على مستوى الأمن والاقتصاد والسياسة. وعلى رغم الحديث المتصاعد عن حقوق الإنسان والحريات، فقد عملت مع أميركا على مصادرة حقوق الإنسان، وحولت بلدانها وشعوبها إلى سجن كبير، وعملت على تطويقه بأنظمة المخابرات وقوانين الطورائ، وصار الحكام مديري السجون العربية بكل ما للكلمة من معنى، بغطاء أميركي، وهو ما اعترف به الرئيس بوش، حين قال إنهم منذ 60 عاما، يدعمون الدكتاتوريات التي تحرس مصالحهم وتؤكد نفوذهم.
لقد خلقوا الجدل بين العروبة والإسلام، ونحن نعتقد بتكامل العروبة والإسلام، لا بتناقضهما، فالرسالة انطلقت في أرض عربية ولغة عربية، وفي ظلال حكم عربي، ولم يشعر أحد أن الإسلام مشكلة لعروبتهم، ولهذا انفتح العرب على الإسلام ومدوه بكل ألوان العطاء لإطلاق حركياته وتطلعاته، وأخذوا من الإسلام مضمونه الإنساني والتحرري، وانطلقوا إلى العالم من خلال هذه الثقافة التي امتزجت فيها العروبة بالإسلام، فمتى حدث هذا الجدل؟ عندما أدخلنا الماركسية مثلا في العروبة، وصارت المسألة مسألة الماركسية والإسلام، وهكذا في الاشتراكية، وهكذا في موضوع العروبة والوجودية، ولهذا لم تكن المسألة بين العروبة والإسلام، بل في الإيديولوجية التي أدخلها العروبيون على الإسلام والعروبة.
إن العروبة إنسانية، ولابد لشبابنا المثقفين من دراسة هذه المسألة، حتى لا نخضع لكثير مما يثيره الذين يحاولون في كل مرحلة خلط الأوراق وإثارة الساحة وتشويش الأمة وإشغالها عما يعزلها عن ساحة الصراع. نحن في هذا العالم الآن نعيش الاحتلال اليهودي لفلسطين، وعنصرية الذهنية الإسرائيلية الصهيونية، التي صنعت الوطن اليهودي على حساب الحقوق العربية والفلسطينية. لذلك، نحن ليست لنا مشكلة مع اليهود كدين، ولكن مشكلتنا مع الذهنية التوراتية التي فعلت ما فعلت في فلسطين وبلاد العرب...
إننا نعيش أيضا احتلال العراق من قبل الأميركيين، واحتلال أفغانستان، والاحتلال السياسي والاقتصادي والأمني لكل العالم العربي بشكل مبطن ومباشر، لذلك لا يقنعنا كل الحديث عن السلام والأمن والديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق الذي يتحدث بوش عن نموذجيته لكل المنطقة، وفي هذا الإطار، فإن مشكلتنا هي مع الإدارة الأميركية وليس مع الشعب الأميركي.
وهكذا نلاحظ تحرك الأوضاع العربية كما في لبنان، حيث يركزون على الشرعية الدولية بالحديث عن القرار 1559 ولا يتحدثون عن الشرعية الدولية المرتبطة بـ "إسرائيل" وعودة اللاجئين وغيرها من القرارات بحق "إسرائيل".
إن هناك في لبنان من يتحدث عن نزع سلاح المقاومة وهو لا يعرف معنى المقاومة، وهؤلاء لم يقاوموا إلا ضدا أبناء بلادهم، ومنهم من قاوم مع "إسرائيل" ضد المجاهدين، وهم الآن يطالبون بإصدار قانون نيابي للعفو عن الذين قتلوا اللبنانيين ومكنوا "إسرائيل" من تثبيت احتلالها في المرحلة السابقة لولا جهود المقاومين. إنهم يريدون حماية "إسرائيل"، لأن أميركا وأوروبا تريدان ذلك، ولكنهم لم يطلقوا موقفا واحدا لحفظ أمن السوريين واللبنانيين من "إسرائيل"، وهم يثيرون الجدل في لبنانية مزارع شبعا في أنها سورية، ولكنها أرض عربية. وفي هذا المجال، هل صدر موقف من أوروبا أو فرنسا أو أميركا أو العالم العربي، يطمئن السوريين إلى أمنهم من "إسرائيل"؟ ممنوع تسلح سورية، ولكن "إسرائيل" يسمح لها في أن تكون ترسانة أسلحة تحارب بها العرب جميعا. أمام هذا الواقع؛ واقع الاحتلال المباشر في فلسطين والعراق، وغير المباشر في أكثر البلدان العربية، وواقع الأنظمة الخاضعة لأجهزة المخابرات، نريد لهذا الشباب صناعة الإنسان العربي المنفتح على الإسلام الحضارة، وليس الدين فحسب، أن نصنع الإنسان العربي، وليست المشكلة في أن نعيش القطرية، ولكن أن نسجنها ونضعها في مواجهة العروبة. لذلك، لنركز على العنوان الجامع لنا مع كل الآخرين، ليس هناك عربي أجنبي، أنتم الجيل الجديد لا يخدعنكم كل المنظرين للقطرية والإقليمية، يريدون حبسكم في الزنازين، لقد صارت سايكس بيكو مقدسة عند بعض حكامنا ومثقفينا أكثر من أدياننا المقدسة.
إنكم جيل جديد لابد له من تعلم صناعة المستقبل. كونوا المستقبليين، ولا تعيشوا نزاعات وحروب الماضي لتنسوا الحاضر والمستقبل. علينا العمل لنكون في الموقع الحضاري المتقدم في العالم كله، لأنكم جيل لا تعقيدات فيه، اختزنوا آلامكم لتفجروها ثورة عقلانية على الواقع، لأن كيانكم كيان الأمة بكل حضارتها وثقافتها. لنشارك في صنع الحضارة، لنعلم الغرب أننا أمة حضارية لا إرهابية، نحن نستعمل العنف عندما يفرض علينا، ولكننا في كل أسلوبنا أمة الرفق والسلام
العدد 1069 - الثلثاء 09 أغسطس 2005م الموافق 04 رجب 1426هـ