تتعدد أشكال التأثيرات المحتملة لتنامي اتجاهات العولمة والتحرير المالي بالنسبة إلى القطاعات الاقتصادية والمالية في البحرين. ولا شك ان مقررات لجنة بازل "2" والخاصة بمعايير ملاءة رأس المال والتي تضع قيودا قوية على حجم النشاط من حيث التركز الجغرافي والقطاعي ونوع الائتمان وربطه بحجم رأس المال والمخاطر الائتمانية والتشغيلية، تعتبر من أهم التحديات التى تواجه المصارف المحلية لا سيما تلك التي تمتد انشطتها وشبكة فروعها في الخارج.
ان أهمية المعايير الدولية لكفاية رأس المال للمصارف التجارية تتجاوز بالنسبة إلى القطاع المصرفي المحلي كون هذه المعايير تمثل مقاييس موجهة لرفع كفاءة النظام المالي العالمي. فالظروف المستجدة في البحرين وبقية دول المنطقة، خصوصا فيما يتعلق بالاتجاه المتعاظم لدولها نحو التمويل الخارجي تبرز تلك المعايير كتحد ينطوي على الكثير من الابعاد الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى رغم ان مصارف البحرين لم تلق صعوبات حقيقية في الالتزام بمعايير بازل "1" نظرا إلى الاستعدادات المسبقة لدى المصارف للالتزام بهذه المعايير أولا وثانيا لوجود فترة زمنية كافية للتكيف مع القرارات الصادرة لهذا الشأن. فإن المتغيرات الاقتصادية العميقة التي تمر بها البحرين وبقية دول مجلس التعاون ستفرض على المصارف العاملة فيها وخلال المرحلة المقبلة التعامل بحذر أكبر مع المعايير الجديدة.
فعلى سبيل المثال يبرز اولا اتجاه متزايد لدى المصارف المحلية لتنويع مصادر تمويلها وخصوصا من خلال اسواق المال العالمية، وذلك بعد تراجع معدلات نمو ودائع العملاء. هذا في الوقت الذي توجه فيه هذه المصارف لتقديم تمويلات أكبر للاقتصاد الوطني سواء من خلال الاقراض الحكومي أو المساهمة في مشروعات تنموية رئيسية. ان هذه التوجهات تعني بصورة مباشرة تقليل نسبة حقوق المساهمين الى مجموع المطلوبات. كما تعني زيادة الموجودات ذات المخاطرة.
وثانيا، فإن ازدياد المنافسة بين المصارف في الاسواق المحلية مع تراجع معدلات نمو فرص الأعمال المتوافرة يعني ضرورة ان تتجه المصارف لتنويع مصادر دخلها وخصوصا من خلال المصادر غير المعتمدة على الفوائد. وبالنسبة إلى الكثير من المصارف فإن هذا التوجه قد استلزم التوسع بصورة كبيرة في الالتزامات خارج الموازنة سواء الالتزامات الائتمانية أو الاستثمار في مشتقات المنتجات الاستثمارية كالخيارات والعقود الآجلة وغيرها من الالتزامات التي أدت الى زيادة حجم الموجودات ذات المخاطرة مقارنة بحجم رأس المال المتوافر.
وثالثا، فإن التقلبات الشديدة في أسواق المال العالمية سواء في أسعار العملات أو الفوائد، مع ازدياد اتجاه المصارف المحلية لفتح مراكزها الخارجية سواء في جانب الاقتراض او الاقراض قد استلزم ان يلجأ الكثير منها ايضا الى اجراء عقود ضخمة متعلقة بأسعار الفائدة وأسعار الصرف وذلك لحماية مراكزها تجاه هذين العنصرين ما ساهم في تضخم الالتزامات خارج الموازنة بصورة ملحوظة خلال العام الماضي وهذا العام. ان هذه الأمثلة التي سقناها هي نماذج لضغوط قد تتزايد خلال الفترة المقبلة ما يبرز مسألة الالتزام بمعايير كفاية رأس المال كتحد جدي أمام المصارف الوطنية
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1069 - الثلثاء 09 أغسطس 2005م الموافق 04 رجب 1426هـ