في الكلام العام عن زيارة الرئيس بشار الأسد لطهران، قيل إن أهداف الزيارة بحسب المصادر الإيرانية "بحث الأوضاع في العراق وفلسطين ولبنان والجدل الدائر بشأن حزب الله اللبناني"، وكلها تقع بين الأهداف المباشرة للزيارة، وتتضمن إلى ما سبق بحث العلاقات بين البلدين في جوانبها، وخصوصا السياسية والاقتصادية.
والزيارة كما هي موضوعاتها، تحتل أهمية خاصة من ثلاث زوايا، الأولى، إنها تشكل الفرصة الاولى للقاء الأسد مع الرئيس الايراني الجديد محمود أحمدي نجاد والبحث معه في القضايا التي تهم البلدين استنادا إلى التوجهات التي يحملها أحمدي نجاد، ولا شك في أنها تختلف عن توجهات الرئيس الإصلاحي المنتهية رئاسته محمد خاتمي.
والنقطة الثانية في أهمية زيارة الأسد وموضوعاتها، هو توقيتها. إذ هي تأتي في ظل التصعيد الأميركي - الغربي ضد البلدين، على رغم التباين النسبي في الموضوعات التي تشكل مادة للضغط، إذ العراق ولبنان مادة الضغط الرئيسي على سورية، فيما يشكل الملف النووي ودعم حزب الله الأساس في مواد الضغط على إيران.
أما النقطة الثالثة في أهمية الزيارة وموضوعاتها، فهي الموضوع العراقي، إذ يتمايز الموقفان السوري - الإيراني بصدد العراق، على رغم وجود توافقات سورية - إيرانية في جوانب كثيرة منه، وهي التوافقات التي دأب السوريون والإيرانيون على تأكيدها في اجتماعات دول الجوار العراقي منذ العام 8991، ولاسيما بصدد وحدة أرض العراق وسيادته واستقلاله، لكن ذلك لم يعد يغطي الاختلافات بين الجانبين، ومنها تقارب إيران مع الحكومة العراقية الجديدة، وقد استقبلت في الآونة الاخيرة عددا من أركانها بينهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع، في حين مازال خط علاقات دمشق مع الحكومة العراقية غير سالك، بل متشنج بفعل الاتهامات العراقية - الأميركية بالإشارة إلى دور سوري في تسلل العابرين لمقاتلة القوات الأميركية وقوات الحكومة إلى العراق من الأراضي السورية، وتقديم دعم ومأوى لبعض أنصار النظام العراقي السابق في سورية. ويختصر بعض خبراء الوضع العراقي قاعدة الخلاف السوري - الإيراني هناك، بأنها تتمثل في موقف الإيرانيين إلى جانب الشيعة العراقيين وجماعاتهم التي تمسك بالسلطة، فيما تقف سورية في الخندق القريب من السنة في العراق الذين يشكلون أساس المعارضة والجسد الأساسي للمقاومة العراقية.
وإذا كانت الوقائع المحيطة بالزيارة وموضوعاتها على هذا النحو، فإن السؤال عن نتائج الزيارة، يشكل موضوعا ثانيا، ينبغي التوقف عنده، والتدقيق فيه، بهدف تلمس النتائج الممكنة لزيارة يمكن القول إنها محاطة بالالتباسات في وقت مطلوب فيه، أن تكون النتائج إيجابية ومهمة بالنسبة إلى البلدين.
والنتائج على صعيد العلاقات الثنائية، قد لا تكون فيها مشكلات جدية، ذلك أن المجال مازال مفتوحا لتقاربات سياسية عامة في علاقات البلدين، وهي التقاربات التي مازالت تمنع خلاف البلدين في الموضوع العراقي من الصعود إلى السطح، كما أن العلاقات الثنائية على صعيد التعاون الاقتصادي، لن تتعرض لمشكلات جدية على رغم سعي إيران للمطالبة بديونها السورية، في حين تسعى سورية إلى تصفية هذه الديون في سياق علاقات التعاون التقليدية من خلال المشروعات والخدمات المشتركة ومنها الزيارات الدينية، التي يقوم بها الإيرانيون لمقامات دينية في سورية.
الأهم في النتائج، ثلاث نقاط أساسية، سيكون من الصعب التوصل إلى اتفاقات قوية ومهمة بصددها في زيارة الأسد لطهران ولقائه القيادة الإيرانية، أول هذه النقاط، أن البلدين لن يشكلا تحالفا ثنائيا في أي مستوى كان على نحو ما جاء في تصريح رئيس الوزراء السوري خلال زيارته لطهران قبل عدة أشهر بشأن قيام جبهة سورية - إيرانية، الأمر الذي استوجب تصحيحا ينفي ذلك، وقد أكد خبراء في العلاقات السورية - الإيرانية، أن إعلانا كهذا لن يكون أثره إيجابيا على البلدين في ظل الهجمة التي يتعرضان لها.
والنقطة الثانية، تتعلق بموضوع حزب الله اللبناني الذي طالما حظي بدعم واهتمام مشترك من جانب السوريين والايرانيين معا، وهو يحتاج اليوم سواء في لبنان أو على الصعيد الدولي دعما أكبر، وخصوصا في ظل مساعي نشطة هدفها تنفيذ ما تبقى من القرار الدولي 9551 الخاص بلبنان ونزع أسلحة الميليشيات التي قصد بها سلاح حزب الله. وقد طرأ تبدل كبير على علاقات مثلث سورية - إيران - حزب الله بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، وإعلان سورية أنها لا تتدخل في الشئون اللبنانية - وحزب الله بينها - وفي ظل حقيقة، أن خط دمشق - بيروت لم يعد سالكا لمرور الدعم والإسناد الإيراني لحزب الله، ما يفرض إيجاد مسرب مباشر بين طهران وحزب الله يعوض عن الدور السوري، وربما كان ذلك في جملة ما بحثه الأمين العام لحزب الله مع القيادة الإيرانية في الأيام القليلة الماضية في طهران. وإذا كان لما تقدم من معنى فهو تكريس انفصال عملي معلن في العلاقة الثلاثية، وربما خفض سقفها السياسي المعلن أيضا تجنبا لإثارة مشكلات إضافية بالنسبة إلى سورية خصوصا.
ولعله لا يحتاج إلى تأكيد استمرار التمايز في موقفي دمشق وطهران من الموضوع العراقي، وهو النقطة الثالثة، التي لا ينتظر الوصول فيها إلى نتائج مفاجئة من خلال زيارة الأسد لطهران، ذلك أن تمايز المصالح بين الجانبين صار واضحا، إذ يسعى كل منهما في طريق ومع فريق من العراقيين مختلف في وقت توفر البيئة الإقليمية والدولية قدرا أفضل من حرية الحركة للإيرانيين في العراق وعلى صعيد المنطقة.
لعل الأهم في نتائج زيارة الأسد لطهران، أنها أتاحت الفرصة لتجديد الحوار المباشر في الموضوعات المختلفة بين الجانبين في المستوى الرئاسي، وهي مناسبة ليتعرف فيها الرئيسان السوري والإيراني على بعضهما، وليقوم الرئيس السوري بوداع الرئيس خاتمي بمناسبة انقضاء ولايته، وكله يضاف إلى نقطة مهمة، وهي تصفية ما قيل إنه التباس في علاقات دمشق - طهران، قال خبراء في علاقات البلدين إنه كان السبب في تأجيل زيارة الأسد لطهران التي كانت ستتم في الشهر الماضي
العدد 1068 - الإثنين 08 أغسطس 2005م الموافق 03 رجب 1426هـ