أعتقد - جازما - أن الأمة العربية ليست في مكانها الصحيح بين الأمم الأخرى، وليست هذه المكانة الرديئة بسبب تكوين معين يشد للأسفل منتشرا بين أبناء هذه الأمة لا يستطيعون له فكاكا ولا منه تحويلا.
والهزيمة التي أعنيها هي هزيمة مركبة، عانت منها أمتنا العربية في معظم تاريخها الحديث، فهناك هزيمة عسكرية، وسياسية، واقتصادية، وثقافية وسواها من ألوان الهزائم الأخرى التي ابتليت بها بلادنا العربية فجعلتها في مرتبة متدنية كان حقها أن لا تقترب منها على الإطلاق.
ويصعب حصر الأسباب في مقال واحد، لكن الاختلاف بين هذه الأمة هو السبب المباشر في ضعفها، أعرف أن هناك مصالح ذاتية بين صانعي القرار أدى إلى اختلافهم وضعفهم وهيمنة الأجانب عليهم، وأعرف أيضا أن الحل يكمن في إزالة أسباب الضعف، وأهمها الابتعاد عن المصالح الذاتية وتقديم مصلحة المجموع على مصلحة الأفراد، وهذا العمل يقود بشكل تلقائي إلى وحدة الكلمة ومن ثم إلى قوة الأمة.
ولا أعتقد أنني بحاجة إلى التذكير بأهمية ثقافة الوحدة في ديننا الإسلامي، ولا في السياسة الشرعية، ولا في الواقع العلمي الذي نشاهده هذه الأيام حيث تحرص مجموعات متباينة في تاريخها ولغاتها ودينها على التوحد من أجل مصالحها، بينما يجمع العرب روابط متعددة كلها تدفعهم إلى الوحدة، لكنهم يغضون أعينهم عنها لدوافع لن تستمر في أيديهم عندما يعيشون متفرقين لا قيمة لهم بين الأمم الأخرى.
كنت ومازلت أشعر بألم شديد وأنا أقرأ تعليقات بعض قادة الصهاينة على موقف مصر من حزب الله، وسرورهم الشديد بما حصل لأنه - كما قالوا - يصب في صالحهم. ولم يستطع شمعون بيريز أن يخفي فرحه بالحملة المصرية على حزب الله، فقال: «حسن أن نرى الآخرين يتخاصمون من دوننا». وقال أيضا أمام بعض رجال الدين بمناسبة عيد الفصح: «إن حزب الله هو ذراع إيرانية لا يهمه مصلحة اللبنانيين ولا الفلسطينيين، بل همه القيام بدور في السيطرة الشيعية على الأكثرية السنية في الشرق الأوسط».
لست أدري هل من ضمن اهتمامات شمعون بيريز أن لا ينتشر المذهب الشيعي بين أبناء السنة؟ وهل يهتم هذا الصهيوني بهذا المذهب أو ذاك! الواضح أن الذي يهمه هو تأكيد الفرقة وتوسيعها بين العرب حتى ينام هانئا مرتاح البال، وبعد ذلك فليذهب كل العرب إلى الجحيم سنتهم وشيعتهم.
وزير المواصلات الصهيوني بـ»إسرائيل كاتس»، كان عمليا في حرصه على استغلال الأزمة بين مصر وحماس وحزب الله، فالمقاومة -وحدها- هي العدد الحقيقي لـ «إسرائيل»، ولهذا فمن مصلحة بلاده أن تدفع بكل قوة لإذكاء العداوة بين مصر وأقطاب المقاومة، ولهذا نرى هذا الصهيوني يقول في مقابلة مع إذاعة الجيش: «أدركت مصر أن مصدر التهديد لأمنها يكمن في التدخل الإيراني وحزب الله وحماس». أي أن الصهاينة ليسوا أعداء لمصر بل هم من أصدقائها!
ومضى هذا الصهيوني خطوة متفائلة ظنها ستحصل قريبا من مصر، فقال: «إذا أرادت (إسرائيل) أن تسقط حماس فإن عليها أن تتجهز جيدا لتصل إلى هذا الهدف، وأن على مصر هذه المرة أن تكون جزءا من المنظومة التي تحقق هذا الهدف!». أي أن الصهاينة يريدون مصر أن تقف إلى جانبهم في مهمتهم القذرة في القضاء على حماس! أرأيتم استغلالا لهذه الأزمة أقذر من هذا الاستغلال!
هذا الوزير أكد أهمية قتل قادة حماس لأن عليهم -كما قال- أن يدفعوا ثمن أسرهم للجندي الصهيوني شاليط، وكذلك ثمن إطلاق النار على «إسرائيل» وتهريب السلاح إلى غزة. أما آلاف الأسرى العرب فلا قيمة لهم إزاء أسير واحد، ومثله قتل العشرات من الفلسطينيين يوميا، ومثله السلاح الذي لا حدود لها الذي يأتيهم من كل مكان.
مرة أخرى... استغلال رخيص وآمال أسأل الله أن لا تتحقق... شخصيات صهيونية أخرى أعربت عن فرحها بما حصل بين حزب الله وحماس ومصر، وكل أملها أن تتجه هذه الخصومة لتصب أخيرا في مصلحتهم، حيث ينشغل العرب بأنفسهم، ولعل بعضهم يقف مع الصهاينة، وبهذا التصور يحقّق الصهاينة مطالبهم في أخذ كل فلسطين وبكل يسر وسهولة!
في ظل هذه الأوضاع السيئة، والفرقة التي يعيشها العرب على رغم كل محاولات المصالحة، زادت مطالب الصهاينة، وارتفع سقفها بصورة كبيرة، فرئيس الوزراء الصهيوني يشترط وأمام المبعوث الأميركي، أن على العرب أن يعترفوا بيهودية «إسرائيل»، وأن يسقطوا حق العودة، فإن فعلوا ذلك فإنه سيقبل استئناف الحوار معهم!
تخيلوا الطريقة التي يتحدث بها هذا القاتل! يريد من العرب أن يعترفوا بأن من حق الصهاينة أن يطردوا كل الفلسطينيين من أرضهم لكي تبقى فلسطين للصهاينة وحدهم! أي أنه لا يرفض حق العودة فقط بل يريد من بقية الفلسطينيين المعروفين بعرب 48 أن يخرجوا من بلادهم...
ماذا سيحدث بعد ذلك؟ سيبدأ الحوار مع العرب، فقط وليس شيئا آخر! ولم يقل هذا الصهيوني ماذا سيقدم للعرب بعد كل هذه التنازلات القاتلة!
يعرف العرب جميعا أن تاريخ الصهاينة لا يبشر بخير، وأن كل المفاوضات معهم كانت عديمة الجدوى. المفاوضات وكل حديث عنها أصبح تنازلا للصهاينة، واللغة التي يفهمونها هي لغة المقاومة وحدها ولا شيء آخر. فأين السلام العادل الذي يتحدث عنه العرب؟ القدس تهدد بصورة سريعة فكيف ستكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية؟ المستوطنات تبنى بصورة متلاحقة، والجدار العازل يمزق وحدة الأراضي الفلسطينية فأين الدولة الفلسطينية القادرة على الحياة؟
الوحدة العربية الحقيقية هي الضمان الوحيد لقوة العرب وعزتهم، ووقوف العرب جميعا مع المقاومة هو الطريق الأسهل لتحقيق النصر، وعدم الاتكاء على هذه الدولة أو تلك هو الضمان الأقوى للتحرر من التبعية لهذا الطرف أو ذاك.
أميركا تتخبط، والصهاينة أثبت الواقع أنهم أضعف بكثير مما كنا نتخيّله، فلماذا نجاملهم ونخشى من غضبهم؟! لو استطاع العرب استغلال قدراتهم -أو حتى بعضها- لكانوا في حال أحسن بكثير مما هم عليه الآن.!
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2419 - الإثنين 20 أبريل 2009م الموافق 24 ربيع الثاني 1430هـ