العدد 2419 - الإثنين 20 أبريل 2009م الموافق 24 ربيع الثاني 1430هـ

حماة العنصرية ينسحبون

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يكن غريبا ولا مفاجئا انسحاب الدول الغربية من «مؤتمر ديربان 2» أمس، مع بدء كلمة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد. وكان منظر انسحاب الوفود الغربية لحظة تاريخية مكثفة بالدلالات.

لقد اجتمع الغرب كلمة واحدة على نصرة الكيان الصهيوني، والذبّ عنه، من الولايات المتحدة وكندا في أقصى الغرب، إلى استراليا في أقصى الشرق.

هذه الدول الديمقراطية «المتحضرة» هدّدت من البداية بالانسحاب إذا تفوّه بكلمةٍ واحدةٍ عن «إسرائيل»، ولم يكن متوقعا من نجاد أن يفوّت هذه الفرصة دون التعرض لـ «إسرائيل»!

لقد كان الغربيون متحفّزين للانسحاب، وكانت لعبة شد الحبل واضحة من البداية، وربما لذلك حاول نجاد أن يراوغ، فلم يذكر «إسرائيل» بالاسم، وإنما استخدم الكناية، فانتقد قيام «النظام العنصري في الشرق الأوسط بعد العام 1945»، ولأنه لا يوجد غير كيانٍ «عنصري» واحدٍ ومعروف أقيم بعد هذا التاريخ، فقد فهم الجماعة الإشارة، وانسحبوا متضامنين مع هذا الكيان العنصري، الذي يجر وراءه ذيلا طويلا من الإرهاب والحروب وسفك الدماء.

المحللون الأجانب اعتبروا خطبة نجاد مرافعة باسم العالمين العربي والإسلامي، اللذين ذاقا وبال سياسة الغرب المتغطرس طوال القرون الأخيرة. وفي هذه المرافعة ابتدأ بالطرق على رأس القارة العجوز وخليفتها الولايات المتحدة، التي بنت دعائم اقتصادها وازدهارها على أجساد الزنوج الذين استرقتهم من القارة الإفريقية، في أكبر عملية سلب ونهب اقتصادي منظم على مستوى العالم، وأكبر جريمة استرقاق للبشر في التاريخ. فلم يكن غريبا أن ينسحب سفراء دول الاتحاد الأوروبي، لتخلو القاعة من ممثلي الدول الاستعمارية، ويبقى فيها أبناء القارات المنهوبة، آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.

في اللحظة التي انسحب بها السفراء الأوروبيون، الساعة الرابعة والنصف من عصر الإثنين، العشرين من أبريل/ نيسان 2009، كنت أشعر بأنها لحظةٌ ستدخل التاريخ، يوم انهزم أحفاد المغامرين والغزاة، من مواجهة منطق أحد أبناء المستعمرات السابقة، التي ظلوا يستعبدونها ويستحلبونها طوال قرون. لقد عجز «حماة العنصرية» عن الدفاع عن أنفسهم ومواقفهم وتاريخهم، إلا بالانسحاب وإخلاء الساحة، وإطلاق صيحات الاستهجان التي يستحقونها قبل أن يستحقها ضحاياهم من أبناء العالم الثالث.

لقد تساءل هذا الرجل الشرقي الأسمر، عن الأسباب الحقيقية لغزو العراق وأفغانستان، غير غطرسة الإدارة الأميركية وجنونها وسعيها للسيطرة على العالم. وتساءل عن المسئول عن الأزمة المالية التي تضرب العالم، ومن أين بدأت؟ آسيا وإفريقيا... أم أميركا وحليفتها أوروبا؟ وهو ما قوبل بالتصفيق من الحضور، بعد أن خلا الملعب إلا من جمهور العالم الثالث المستضعف.

الرجل الذي تتعامل معه الصحافة العالمية باعتباره رئيسا بسيطا، انتقد الرأسمالية الغربية في عقر دارها، واتهمها بالاستبداد، وفرض نظام اقتصادي غير عادل، لا يسمح لشعوبها بالرقابة على سياساتها، بينما تقدّم الحماية لمن يمتلكون الثروات. وقبل أن ينزل من المنصة ضاحكا ملوحا لزملائه من العالم الثالث، ختم خطبته بالقول إن «العنصرية رمزٌ للجهل، وإشارة على الإحباط والفشل في تطوير المجتمع البشري في بداية الألفية الثالثة»، وهو وصفٌ ينطبق واقعا على المنسحبين.

أراد الغرب «المتحضر» من البداية إفشال مؤتمر الأمم المتحدة عن العنصرية، كل ذلك من أجل منع انتقاد «إسرائيل»، بحجة الخوف من استغلاله للتعبير عن معاداة السامية. والمفارقة أن المنسحبين كلهم من الجنس الآري، الذي ينتمي إليه الإيراني أحمدي نجاد!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2419 - الإثنين 20 أبريل 2009م الموافق 24 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً