التصريحات المنطلقة هنا وهناك بشأن "منتدى المستقبل" واستعدادات هذا الطرف أو ذاك لعرض وجهات نظره عندما يجتمع وزراء خارجية الدول الثماني "وهي حسب القوة الاقتصادية: أميركا، اليابان، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا، روسيا" لمتابعة الاجندة الإصلاحية للشرق الأوسط "الكبير"، توضح مدى اللغط الذي يتسبب في تعثر عدد من الفعاليات السياسية والاجتماعية التي تنادي من أجل المزيد من الديمقراطية.
مسئولو الدول الثماني سيجتمعون مع مسئولي دول الشرق اوسطية التي وافقت على ا لدخول في حوارات "منتدى المستقبل" للاستفادة من البرامج التي ستوفرها أميركا وبريطانيا وحلفاؤهما لتلك الدول التي تود - طواعية - ان تخطو على طريق الإصلاحين الاقتصادي والسياسي. ولذلك فإن مسئولي الدول الثماني لن يجتمعوا في البحرين من أجل تسلم عرائض يوقعها هذا الطرف أو ذاك، وهي ليست في صدد ان تجتمع من أجل اصدار انذارات أو أوامر لهذه الحكومة أو تلك بان عليها ان تذعن لمطالب المعارضة.
ولعل ما كتبته مجلة "إيكونومست" في عددها الأخير عن "أميركا والشرق الأوسط" يوضح اللغط الدائر. فالمقال يفصل وجهات النظر الأميركية تجاه دول الشرق الأوسط، وبالنسبة إلى البحرين فإن موقف أميركا هو "تشجيع الانفتاح السياسي التدريجي ولكن من دون المطالبة بديمقراطية شاملة". والموقف الأميركي في الدول الخليجية الأخرى لا يختلف كثيرا، والتركيز الأكبر للسياسة الاميركية هو على انجاح العملية السياسية في العراق ومحاولة اقناع "حماس" و"حزب الله" التخلي عن العمل العسكري والدخول في المعادلة السياسية في بلدانهما.
على أن أفضل تعبير للموقف الأميركي هو الكاركاتير الذي بدأ به المقال، والكاركاتير الثاني الذي اختتم به المقال. فالأول يظهر أميركا "العم سام" بحجم ضخم جدا يحاول تدريس العرب والمسلمين "وجميعهم يشبهون الأطفال" موضوع الديمقراطية. ولكن كل "طفل عربي" اما "نائم" أو "تائه" أو "متضايق" أو لا يعلم اساسا عن ماذا يتحدث "العم سام". اما الكاركاتير الثاني الذي اختتم المقال فيظهر احد الأطفال العرب يشطب جزءا من كلمة "ديمقراطية" من على السبورة ويكتب بعض الحروف، لتصبح الكلمة: "دمبوقراطية". "دمبو" هو اسم تورده إحدى قصص الأطفال الغربية لـ "فيل صغير" يتمكن من الطيران... وعليه فاذا كنا نصدق بان الفيل "سواء كان صغيرا ام كبيرا" سيطير في يوم من الأيام، فإنه بالإمكان تصديق ان الموقف الأميركي سيؤدي إلى الدفع نحو الديمقراطية، وعليه جاء ابتكار المجلة لكلمة "دمبوقراطية".
وفعلا، فإن ما يدور من احاديث في بعض الأوساط هو "دمبوقراطية" وليس "ديمقراطية"، وكثير من الاحاديث تعبر عن مجموعة من الاحلام والاوهام من نسيج الخيال لا يربطها سوى التصديق بان الفيل ربما يطير في يوم من الأيام. الحديث هذا ليس للتقليل من نشاطات أية جهة، ولكن من أجل عقلنة الحوار الذي يبدو انه يتجه يمنة ويسرة ويراوح في مكانه ولا يرتفع سوى الصراخ الذي يزعج أصحابه قبل ان يزعج الآخرين.
إن الاستعدادات لمنتدى المستقبل ربما اكتملت بينما مازال البعض يناقش أمورا ليس لها علاقة بما هو مطروح للنقاش. والبحرين استفادت من منتدى المستقبل لانها ستكون مركزا إقليميا لـ "تمكين المرأة" والبحرين أيضا ستحتضن مركزا لرواد الأعمال الشباب، كما أن هناك مشروعات أخرى مثل "البرلمان الشبابي" والتدريب السياسي الذي يقدمه معهد "ان. دي. آي" الاميركي والذي سيلحق الآن بـ "معهد التنمية السياسية".
ولذا فإن من يود الاستفادة من اجتماعات "منتدى المستقبل" المقبلة في البحرين "في نوفمبر / تشرين الثاني 2005" فإن عليه ان يفهم الطرح كما هو من دون رتوش، ومن ثم الاستفادة من المشروعات التي بدأت على الأرض فعلا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1067 - الأحد 07 أغسطس 2005م الموافق 02 رجب 1426هـ