هل يعقل ان يغير 10 أو 15 شابا من طبيعة نظام دولة عرف تقليديا بالثبات على مواقفه المبدئية المتعلقة بالسياسة الداخلية والعلاقات المرنة القائمة على الثقة بينه وبين المواطنين؟ الإجراءات الجديدة التي أعلن عنها رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير تميل إلى تأكيد مثل هذا الاحتمال. فالإجراءات لاقت اعتراضات من هيئات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان نظرا لتعارضها مع المبادئ العامة لدولة ديمقراطية دستورية. كذلك تخوفت الهيئات والمنظمات من احتمال استخدام تلك الإجراءات لمحاصرة المسلمين وتطويقهم بدلا من مكافحة المتطرفين والشبكات الإرهابية.
الإجراءات الاضطرارية التي أعلن عنها بلير لمواجهة تلك التحديات والاستفزازات والتهديدات بداية سيئة في طريقة التعامل مع وضع أمني مؤقت وظروف سياسية انتجت حالات من الرفض والاعتراض وجرفت معها الكثير من البؤساء والابرياء.
بريطانيا امام مشكلة حقيقية كذلك المسلمون البريطانيون. فالدولة تواجه تحديات غير منتظرة فرضت عليها إعادة النظر في أسلوب تعاملها مع المواطنين ورعاياها. المسلمون البريطانيون أيضا يواجهون تحديات غير متوقعة ويتحملون مسئولية سياسة فرضتها مجموعة ظروف لا دور لهم في تأسيسها.
المشكلة مزدوجة. بريطانيا تدفع ثمنها من سمعتها الدولية في مجال احترام حقوق الإنسان في داخل اراضيها وحدودها. والإسلام والجاليات المسلمة في بريطانيا وأوروبا يدفعان ثمن سياسة دولية وضعت المسلمين في العالم في دائرة الملاحقة والمطاردة والحصار. تهمة الشك بالمسلمين تلاحق كل العائلات المقيمة في بريطانيا وأوروبا. والدول الأوروبية تلجأ إلى اتباع تلك الأساليب الأمنية التي سبق ونصحت الدول العربية التخلي عنها. فالدول الأوروبية الآن تميل إلى سياسة "تعريب" الأمن بعد أن فشلت في اقناع الدول العربية في تبني منهج "تغريب" الأمن.
بين "التعريب" و"التغريب" نقطة واحدة. وهذه النقطة، كما يبدو من إجراءات بلير، قررت بريطانيا والدول الأوروبية تجاوزها نحو "التعريب".
المسلمون في أوروبا امام تحولات سياسية صعبة. فهم الآن معرضون للمطاردة والملاحقة والإهانة وربما الطرد والترحيل بذريعة وجود مخاطر أمنية تهدد استقرار القارة وتوازنها. والدول الأوروبية "والآن بريطانيا" تذرعت مرارا بتلك المخاوف المتأتية من تلك التهديدات والانذارات التي يطلقها "جهابذة" تورا بورا في أفغانستان لاتخاذ إجراءات تأديبية بحق جاليات مسلمة بريئة لا علاقة لها ولا اتصال بتلك المجموعات التي لا يعرف اصلها من فصلها وبعضها على تفاهم وتنسيق مع أجهزة صنع القرار في الدوائر الأوروبية والأميركية.
الصحف البريطانية مثلا كشفت الكثير من المعلومات عن تلك المجموعات التي قبض عليها. وتبين ان غالبيتها من "أصحاب السوابق" ودخل بعضها السجون لمدة سنوات بتهم السرقة والاتجار بالمخدرات وارتكاب مخالفات للقوانين. وكشفت أيضا عن ان بعض تلك المجموعات تتلقى الاعانات الاجتماعية والمساعدات المالية والتسهيلات القانونية لتشريع وجودها وضمان استمرارها لتمارس ما تكلف به من جهات غير معروفة أو محددة العناوين والاقامات.
هناك إذا الكثير من علامات الاستفهام عن المستفيدين من هذه الأعمال التي تستهدف أمن المواطنين في محطات القطارات والحافلات والانفاق ومراكز النقل العام. كذلك هناك الكثير من الأسئلة المتصلة بالمتضررين من تلك الافعال الشنيعة.
المسلمون الأكثر تضررا. العنصريون الأكثر استفادة. وبريطانيا أيضا تشوهت سمعتها الدولية حين اضطرت حكومتها إلى اتخاذ إجراءات تتنافى مع تقاليدها وطرق تعاملها مع مواطنيها. فبريطانيا الآن أصبحت في موقع الضعيف في تعاملها مع بعض الدول العربية. فهي الآن تتبع الأساليب نفسها التي سبق ونصحت العواصم العربية بالاقلاع عنها. وبعض الدول العربية بات في موقع القوي الذي وجد من يقلده في سياسة التعامل اللاانساني مع مواطنيه. وبهذا المعنى الايديولوجي انتصرت سياسة "التعريب" على سياسة "التغريب" ونجحت بحدود معينة مجموعة من الشبان لا تعرف هويتها الحقيقية من كسر الكثير من قوانين الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في الغرب
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1066 - السبت 06 أغسطس 2005م الموافق 01 رجب 1426هـ