العدد 1066 - السبت 06 أغسطس 2005م الموافق 01 رجب 1426هـ

ذكريات دبلوماسية من بيروت إلى طهران

السفير حسان مال الله الأنصاري

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

سعدت حقا وحمدت الله تعالى أن زميلنا حسان مال الله، قد نجا من الحادث الأليم، الذي تعرض له بالعراق في محاولة لاختطافه، وكيف لا وهو لا يشق له غبار في الكر والفر.

وقد لا يدانيه في ذلك إلا بطلا الصعاليك في تراثنا الجاهلي الشنفرى وتأبط شرا.

وما ينبئك مثل خبير! وقد خرج من المستنقع العراقي سالما وهو الآن يتلقى العلاج في ألمانيا، واسأل الله أن يعود لأهله وأصدقائه سالما معافى. وشاءت قدرة الله ومنه وكرمه أن ينال درجة السفير بعد هذا الحادث المشئوم، وقد أنعم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عليه بهذه الدرجة الرفيعة وعلق أحد الزملاء المسئولين في وزارة الخارجية بقوله: إنه بعد هذا الحادث مباشرة قد حصل حسان على هذه الترقية، ولم أعلق على هذا إلا بقولي الحمدلله على كل حال ولأني دبلوماسي متقاعد منذ سنوات ثلاث، وذلك بعد عملي في وزارة الخارجية العتيدة والذي امتد ربع قرن من الزمان، وقبلها تسع سنوات في وزارة الإعلام.

وسألني بعض الأصدقاء، هل كل من الضروري أن ترسل مملكة البحرين رئيس بعثة إلى العراق في ظل أوضاع أمنية متدهورة وخطيرة، فذكرته بمشروع قرار أصدره وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الوزاري في مقر الجامعة العربية بتاريخ 15 سبتمبر/ أيلول ،2004 أكد القرار على إدانة كل اعمال العنف والارهاب في العراق، التي تستهدف المدنيين ورجال الأمن والمؤسسات الانسانية والدينية، وكذلك أعمال الخطف للدبلوماسيين، وضرورة اعادة العلاقات الدبلوماسية مع العراق الى مستواها الطبيعي من التمثيل الدبلوماسي العربي وذلك دعما للجهود السياسية التي تبذلها الحكومة العراقية المؤقتة في هذا المجال، وأن الحضور العربي في العراق مهم وضروري في الوقت الراهن، وإذا كان محمد يونس سفير باكستان، قد نجا من الخطف والقتل فإن ايهاب الشريف رئيس البعثة المصرية الدبلوماسية قتل على يد مختطفيه المجاهدين، وهو السفير والفنان المرهف الحس... وكانت حجة قاتليه كما ذكرت وسائل الاعلام المختلفة أنه مرتد اسلاميا، لأنه موال لليهود والنصارى أعداء الله ورسوله هكذا تساق التهم جزافا وعلى عواهنها، مع أن مصر لهم ترفع تمثيلها مع العراق منذ العام ،1988 وادعوا أن الرئيس حسني مبارك ووزارة الخارجية المصرية يتحملون وزر اغتيال الدبلوماسي المصري اللامع. ولعب الخيال في كثير من التحليلات من أن مصر تقوم بدور خدمة الأهداف الأميركية في العراق. وأن السفير المغدور كان أداة لهذا المشروع الآثم وأن وجود سفارات عربية بالعراق في الوقت الحاضر يضفي شرعية على الاحتلال الأميركي، ومن المعروف أن اي رئيس بعثة دبلوماسية لابد أن يجري أكبر قدر من الاتصالات مع حكومة البلاد التي يمثل بلاده فيها وكذلك مع الكثير من الأطراف الأهلية الأخرى، والا يكون عمله فقط رسميا وعليه أن يتابع العملية السياسية، ويرصد اتجاهات الرأي العام، وفي كثير من الأحيان يقع فريسة في أحضان جماعات استخباراتية سواء محلية أو أجنبية. وفي لبنان على سبيل المثال لا الحصر تنشط أجهزة المخابرات الأجنبية للدول الكبرى أميركا وروسيا ودول أوروبا وطبعا الصين وتبتزهم بطعامها الصيني اللذيذ، والذي لا يقبل على تناوله العرب باستثناء القليل، فهم وكاتب هذه السطور الذي يحبه حبا جما.

ولا يخفى أن المجتمع العراقي قد تشرذم الآن إلى طوائف أكثر من ذي قبل من شيعة وسنة وأكراد وتركمان وغير ذلك. وهناك الآن خلاف حاد حول كركوك الغنية بالنفط وحول صياغة مسودة الدستور. وهكذا تتعرض وحدة العراق الآن للتهديد، ولم تكن به جماعات دينية متطرفة أيام صدام على هذه الشاكلة التي نراها اليوم بالعراق، وبعد الغزو الأميركي ظهرت طالبان جديدة بالعراق. وقد آلمني جدا اغيتال الصديق بسام كبة وكيل الخارجية العراقية منذ عدة شهور الذي تولى منصبه بعد احتلال العراق، وقد سررت بمعرفته خلال سنوات التسعينات من القرن العشرين، عندما كان كل منا سفيرا لبلاده في بكين وكان يتسم بالخلق الرفيع والدبلوماسية الراقية، وحرص على ألا يجر إلى خصومة أو نقاش عقيم خلال اجتماعات مجلس السفراء العرب، إذ تسوده في بعض الأحيان الكثير من المهاترات وسقط الكلام، والذي لا طائل من ورائه، وحزنت أخيرا على مقتل الدبلوماسيين الجزائريين على بلغروسي وعزالدين بالقاضي.

ووقع اغتيالهما على الجزائريين وقع الصاعقة، انهما وأمثالهما من الضحايا شهداء، الواجب انها جريمة وحشية وجبانة. والكل يذكر جهود ومساعي الجزائر الخيرة في حل الخلاف العراقي الايراني على شط العرب وتوج بتوقيع اتفاق الجزائر على العام .,,1975 ووقعه عن العراق صدام حسين وتابعت جهود الجزائر خلال عملي بطهران بدءا من نهاية العام 1979 الافراج عن الرهائن الأميركان المحتجزين منذ 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1979 وحتى إطلاق سراحهم بداية 1981 مكثوا 444 يوما في الحجز، وكان وكيل الخارجية الجزائري رضا مالك قد قام بجهود جبارة في الافراج عن الرهائن الاميركان. وكذلك عبدالكريم غريب سفير الجزائر بطهران وقد ذهب ضحية الحرب العراقية الايرانية وزير خارجية الجزائر، إذ أسقطت طائرته بصاروخ عراقي بالقرب من حدود العراق وإيران.

وقبل أن أختم كلامي عن المشهد العراقي، أود أن أشير إلى عملي في لبنان كرئيس بعثة البحرين الدبلوماسية 1977 - 1979 شاهدت حوادث مأسوية دامية كاغتيال كمال جنبلاط رئيس الحزب الاشتراكي في مارس/ آذار 1977 وكذلك اغتيال طوني سليمان فرنجيه في يوليو/ تموز 1978 وخطف الإمام موسى الصدر أغسطس/ آب .1978 وفرض علينا عملنا الدبلوماسي حضور مواكب الجنازتين وأن نقدم العزاء، وأذكر أن علي الشاعر سفير السعودية وعبدالحميد البعيجان سفير الكويت وأنا قد شاهدنا الموت بعينه في حضور موكب جنازة فرنجيه. وكان الأخ عبدالعزيز الشامسي سفير الامارات بالبحرين الآن زميلا لنا في لبنان إلا أنه لم يشارك في الجنازتين.

وفي طهران عملت فيها سنوات ثلاث بعد بيروت مباشرة عاصرت اغتيال محمد علي رجائي رئيس الجمهورية الإيرانية والذي خلف أبوالحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية الإيرانية الاسلامية، كما عاصرت أيضا اغتيال أحمد بهشتي رئيس الحزب الجمهوري الايراني في انفجار في مقر الحزب وحصد عشرات الضحايا. ولنا عودة حميدة إن شاء الله مع القارئ الكريم في فترة مهمة من الثورة الإيرانية التي قادها آية الله الامام الخميني في فبراير/ شباط ،1979 وكان من ضحاياها قطب زادة وزير خارجية إيران، والمحسوب على الامام الخميني ورافقه في الطائرة من باريس إلى طهران، ويقال إن الثورة تأكل أبناءها، وكان له زيارة ناجحة إلى البحرين العام .1980

* سفير بحريني سابق

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1066 - السبت 06 أغسطس 2005م الموافق 01 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً