في جديد المسألة الفلسطينية تصريح شارون الذي يكشف فيه عن خطته المستقبلية لمشروعه، إذ صرح بأن خطة الفصل "ستضمن لنا الاحتفاظ بأجزاء كبيرة من الوطن اليهودي للأبد"، وبأنه "لن تكون هناك عودة بتاتا الى حدود العام ،67 ولن تكون هناك عودة للاجئين الفلسطينيين، ولن تكون هناك تسوية أبدا بشأن كل ما يمس بأمن "إسرائيل" أبدا"، على حد تعبيره، في الوقت الذي تقيم فيه "إسرائيل" جدارا ثلاثي الأبعاد في غزة بحيث يخنق القطاع، بحجة منع الفلسطينيين من التسلل بعد الانسحاب من غزة. أما المجموعة الدولية لبحث الأزمات فقد حذرت من انفجار القدس بفعل الإجراءات التعسفية الصهيونية لإحكام القبضة على المدينة. ماذا وراء ذلك كله؟
إن شارون يعلن خطته التهويدية في سيطرته على فلسطين، بحيث لا يبقى منها للفلسطينيين إلا القليل مما يعمل على محاصرته من كل جانب بما لا يسمح بإقامة دولة مستقلة قابلة للحياة... أما الدول الكبرى فإنها لا تحرك ساكنا، بل تشيد ببطل مجزرة صبرا وشاتيلا والمجازر الوحشية في مواقع الشعب الفلسطيني بشكل مستمر ومتحرك، كما جرى الأمر في باريس التي استقبلته باحترام لا يحظى به سوى القليلين من الشخصيات السياسية، انطلاقا من بعض الحاجات السياسية الداخلية وتطور العلاقات الفرنسية الأميركية التي تعتبر الارتباط بـ "إسرائيل" شرطا لكل تقارب أميركي مع أية دولة، وإننا نخشى أن يمتد هذا الضغط الى دول الاتحاد الأوروبي التي تخضع للضغط الأميركي، وخصوصا أمام الحملة العدوانية ضد المسلمين في أوروبا بعد تفجيرات لندن، ما ترك تأثيره السلبي على الوجود الإسلامي هناك.
إن الخطورة هي أن السياسة الصهيونية تنقل القضية الفلسطينية من مشكلة جزئية الى مشكلة جزئية أخرى، لينسى الشعب والعالم القضية الاستراتيجية بحيث تحقق "إسرائيل" أهدافها في مصادرة القضية، ولاسيما بعد إنجاز الخطة بضم الضفة الغربية التي تعتبرها "إسرائيل" جزءا من دولة التوراة، في الوقت الذي تتحرك فيه السياسة الأميركية في أسلوبها الخادع لاحتواء كل النتائج السلبية المترتبة على ذلك، لتخدير العالمين العربي والإسلامي للقبول بذلك تماما كما هي الخطة السياسية في عملية التطبيع الدبلوماسي والاقتصادي والسياسي.
إننا ندعو الشعب الفلسطيني الى وعي خطورة الخطة المشكلة، فلا يستسلم لخديعة الانسحاب من غزة التي يراد لها أن تكون هي الدولة الفلسطينية الموعودة التي يبشر بها الرئيس بوش، تحقيقا للحلم الإسرائيلي في السيطرة على فلسطين التوراتية بحسب زعم اليهود، ونريد لهم أن يبقوا في خط الانتفاضة في الساحة من أجل استمرار المأزق الصهيوني مهما امتدت المؤامرة الإسرائيلية الأميركية، لأنه لم يبق للفلسطينيين ما يخسرونه إلا قيودهم، وعليهم الأخذ بأسباب الوحدة وحل المشكلات بينهم بالحوار، لتستمر القوة الجهادية في مواجهة الاحتلال.
أما الموقف الأوروبي الأميركي من مشروع إيران النووي السلمي، فلايزال يتحرك للضغط على إيران لتقدم التنازلات المهينة، لأنه لا يراد لهم أن يأخذوا بأسباب القوة التي توازن الواقع السياسي والعسكري في المنطقة.
وإننا نريد للشعب الإيراني المسلم أن يبقى في ساحة الرفض للضغوط الغربية التي تخطط لإبقاء العالم الإسلامي في دائرة الضعف السياسي والعسكري والاقتصادي، بينما تمنح "إسرائيل" كل الدعم بكل أشكاله بما فيه دعمها في امتلاك أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها السلاح النووي، لتمكينها من القدرة على تهديد كل المنطقة بما تملكه من القوة.
ومن جانب آخر، فإننا نريد للشعب العراقي أن يخطط لانسحاب الاحتلال الأميركي من أرضه لتعود الحرية إلى العراق، وأن يعمل لتأكيد الوحدة السياسية بعيدا عن أي مشروع تقسيمي، ولاسيما أننا نخشى أن تتحول الفيدرالية الى مستقبل تقسيمي، وخصوصا أنه مشروع غامض على مستوى واقع العراق كدولة باستثناء المنطقة الكردية التي يخطط القائمون عليها في مستقبلهم السياسي الى الانفصال.
ومن جهة أخرى، فإن على العراقيين الأخذ بأسباب الوحدة الإسلامية والوطنية، والوقوف بقوة ضد الذين يقومون بالتفجيرات ضد المدنيين الأبرياء تحت عناوين مذهبية حاقدة، لأنهم يساعدون المحتل في استمرار احتلاله الذي يجد في الفوضى الأمنية في العراق مبررا لبقائه.
أما في لبنان، فإن الشعب ينتظر من حكومته أن تدرس مشكلاته بدقة، ولا سيما في المسألة الأمنية والاقتصادية، وأن تواجه المسألة السياسية على أساس التحرر من التدخلات الأميركية ومن بعض التدخلات الأوروبية التي تختفي وراء الكثير من المشروعات السياسية المشبوهة، وخصوصا في الضغط على تنفيذ القرار المشئوم بقدر ما يتصل الأمر بنزع سلاح المقاومة التي تمثل قوة الممانعة والمجابهة للاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المستمر، لأن المطلوب أميركيا وإسرائيليا هو ألا يملك لبنان أي موقع للقوة في مواجهة "إسرائيل" التي يراد لها في الحاضر والمستقبل كما في الماضي أن تبقى الجهة المهيمنة على أرضه وإنسانه ومقدراته.
وإننا نقدر المساعي الحميدة لإعادة التخطيط للعلاقات اللبنانية السورية التي تؤكد وحدة المسارين في خط المواجهة للعدو، وللتكامل الاقتصادي والسياسي والأمني، مع احترام كل دولة للدولة الأخرى في خط الاستقلال والاحترام المتبادل، لأن بقاء التعقيد في العلاقات يضر بمصالح الشعبين، وعلى السياسيين أن يراعوا ذلك في تصريحاتهم المتشنجة بفعل أكثر من عقدة ذاتية أو طائفية، ما يؤدي الى اهتزاز البلد كله.
* مرجع ديني، والمقال خطبة ألقاها سماحة السيد يوم أمس
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1065 - الجمعة 05 أغسطس 2005م الموافق 29 جمادى الآخرة 1426هـ