يتأمل المقال الاقتصادي التحليلي لهذا الأسبوع لمسألة القروض الحكومية والاحتياطي العام للبحرين وذلك على خلفية توافر المعلومات المتعلقة بالعام . 2004 باختصار تشير الأرقام إلى زيادة 102 مليون دينار للدين الحكومي فضلا عن تسجيل ارتفاع قدره 62 مليون دينار في الاحتياطي العام. تلقي السطور التالية المزيد من الضوء بشأن هذا الموضوع الحيوي لكونه يعكس حال الأوضاع المالية في المملكة.
ارتفاع الدين الحكومي بواقع 102 مليون دينار
بحسب المصادر الرسمية بلغ حجم الدين العام 1453 مليون دينار في العام 2004 مقارنة بـ 1351 مليون دينار في العام .2003 وارتفع الدين العام على خلفية تسجيل التطورات التالية: أولا سحب 109 ملايين دينار كجزء من قرض التطوير النفطي وفي ذلك إشارة لخطة مضاعفة إنتاج حقل أبوسعفة المشترك مع الجارة المملكة العربية السعودية. ثانيا الحصول على قرض قيمته 11 مليون دينار كجزء من توسعة الطاقة الإنتاجية ضمن المرحلة الثانية لمحطة الكهرباء في الحد. ثالثا تسلم قرض قدره 23 مليون دينار من صناديق التنمية الإقليمية فضلا عن البنك الإسلامي للتنمية ومقره جدة. بالمقابل سددت الحكومة 41 مليون دينار من جملة الأقساط المترتبة على الديون السابقة، ما يعني أن صافي القروض الرسمية ارتفع بواقع 102 مليون دينار.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن القروض المحلية شكلت 1002 مليون دينار، أي 69 في المئة مجموع الدين الحكومي في العام .2004 وتشمل هذه القروض المحلية سندات التنمية وأذونات الخزانة وصكوك السلم الإسلامية. بالمقابل شكلت القروض الخارجية 451 مليون دينار أي 31 في المئة من مجموع الدين الحكومي. لا شك أنه لأمر حسن أن تبتعد الحكومة قدر المستطاع من التورط في القروض الخارجية على وجه التحديد حفاظا على الاستقلال المالي لبلاد.
حقيقة يشكل ارتفاع الدين العام في العام الماضي تراجعا عما حدث في العام .2003 ففي العام 2003 ارتفع الدين بواقع 328 مليون دينار وذلك على خلفية حدوث عدة تطورات وفي مقدمتها استصدار الحكومة لسندات في الأسواق الدولية بقيمة 500 مليون دولار "أي 189 مليون دينار" لتمويل أربعة مشروعات أهمها إنشاء حلبة البحرين الدولية لاستضافة سباق الفورومولا واحد. يذكر أن الحكومة خصصت مبلغا قدره 150 مليون دينار لإنشاء حلبة البحرين الدولية.
يشكل الدين العام نحو 45 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للعام 2004 "مقارنة بـ 44 في المئة في العام 2003". بيد أنه تعتبر هذه النسبة معقولة على المستوى العالمي. على سبيل المثال المطلوب من مجموعة دول عملة اليورو في الاتحاد الأوروبي التأكد من أن الدين العام لا يزيد عن 60 في المئة من الناتج المحلي.
ارتفاع الاحتياطي بـ 62 مليون دينار
تشير إحصاءات صندوق النقد الدولي وتحديدا نشرة "انترناشينال فايننشال ستاتيستكس" إلى أن حجم الاحتياطي العام للبحرين بلغ 1,94 "734 مليون دينار" في نهاية العام .2004 بالمقارنة بلغ حجم الاحتياطي 1778 مليون دولار "672 مليون دينار" في العام .2003 وعليه ارتفع الاحتياطي بواقع 62 مليون دينار في غضون سنة واحدة، إذ يعد ذلك تطورا إيجابيا لأنه يعزز من القدرات المالية للمملكة.
من المؤكد أن تعزيز الاحتياطي من شأنه الحفاظ على سلامة الوضع المالي للبلاد والمساهمة في حصول البحرين على ملاءات مالية مرموقة تساعدها في الحصول على تسهيلات مصرفية بشروط ميسرة نسبيا. يعتقد أن تعزيز حجم الاحتياطي له تأثير إيجابي في استمرار حصول البحرين على تقييمات متطورة من قبل هيئات التصنيف الدولية مثل مؤسستي "ستاندرد أند بوز" و"موديز".
يتركز نحو 94 في المئة من الاحتياطي العام من القطع الأجنبي، إلا انه لا يوجد تفصيل عن نوعية العملات. لكن يعتقد أن نسبة كبيرة منها من نصيب الدولار على اعتبار أن الاقتصاد البحريني مرتبط بالعملة الأميركية خصوصا الصادرات مثل النفط والألمنيوم والبتروكيماويات. المعروف أن الدينار البحريني مرتبط بسعر موحد بالدولار الأميركي، إذ إن سعر شراء الدولار مثبت عند 378 فلس للدولار الواحد. يشار إلى أن الاحتياطي يشمل أيضا الذهب، إلا ان كمية الذهب التي تمتلكها البحرين محدودة في أحسن الأحوال.
يعتبر وجود احتياطي مالي مسألة حيوية لعدة أمور منها النقد المتداول والواردات. استنادا إلى الإحصاءات الرسمية للبحرين بلغ عرض النقد بمفهومه الضيق في يونيو/ حزيران "نهاية الفصل الثاني" للعام الجاري نحو 989 مليون دينار، إذ يشمل ذلك النقد المتداول خارج المصارف والودائع تحت الطلب. وعليه يغطي الاحتياطي المالي نحو ثلاثة أرباع عرض النقد بمفهومه الضيق.
أيضا يقاس الاحتياطي العام بمستوى الواردات للبلاد. بحسب الأرقام المقدرة بلغ حجم الواردات 2438 مليون دينار على مدى العام ،2004 ما يعني 203 مليون دينار شهريا. وعند تقسيم الاحتياطي على المتوسط الشهري للواردات يتبين لنا أن حجم الاحتياطي يغطي قيمة الواردات لأكثر من ثلاثة شهور ونصف. وتعتبر هذه التغطية مقبولة دوليا كونها تغطي واردات لأكثر من ثلاثة شهور.
رسالتان للحكومة
وفي هذه العجالة نرغب في توجيه رسالتين للقائمين على الوضع الاقتصادي في البلاد بشأن مسألة الدين الحكومي والاحتياطي العام. بخصوص الدين يحدونا الأمل في ألا تقدم الحكومة على رفع مستوى القروض العامة حفاظا على مصالح الأجيال المقبلة، إذ إن ذلك مسئولية في أعناق القائمين على الشأن الاقتصادي للمملكة. أيضا المطلوب من ديوان الرقابة المالية والبرلمان مراقبة الأداء المالي للقطاع العام من أجل الحفاظ على سلامة الوضع المالي للبلاد.
يبقى أن هناك تخوفا من استفادة الحكومة لفرص زيادة الدين العام خصوصا بواسطة استصدار صكوك التأجير الإسلامية وبيعها بسهولة ويسر على المؤسسات المالية الموجودة في البحرين. تتوقع الحكومة أن يرتفع صافي قروض المملكة إلى 1658 مليون دينار في العام الجاري ومن ثم 1961 مليون دينار في العام المقبل.
أما بخصوص الاحتياطي، فالمؤكد أن وجود احتياطي قوي يوفر مجالا رحبا للحكومة لتحسين الأوضاع المعيشية في البلاد وذلك في ظل وجود أزمة بطالة خانقة، إذ يعتبر نحو 14 في المئة من القوى العاملة البحرينية في عداد العاطلين ويخشى أن ترتفع النسبة إلى 35 في المئة في العام .2013 عرفنا حديثا وبحسب دراسة البحرين للدراسات والبحوث اعتمدتها وزارة العمل يبلغ عدد العاطلين 20199 مواطن. بمقدور الحكومة أن تستفيد من جزء من الاحتياطي للقيام بمشروعات اقتصادية كبيرة داخل البلاد تسهم في دفع عجلة الدورة الاقتصادية إلى الأمام و تعمل على إيجاد فرص استثمارية واعدة ووظائف جديدة للعاطلين الحاليين فضلا عن الداخلين الجدد إلى سوق العمل.
ختاما، المؤكد أنه لا يكمن الخطأ في عملية أخذ القروض بحد ذاتها بل في استخدامها، إذ إن المطلوب توظيف الأموال في مشروعات تنموية. من جهة أخرى المطلوب عدم تبذير الاحتياطي بل الواجب على الحكومة المحافظة على المال العام للبلاد، إذ إن هذه الأموال ملك للشعب
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1065 - الجمعة 05 أغسطس 2005م الموافق 29 جمادى الآخرة 1426هـ