في هذا اليوم "6 أغسطس/ آب" وقبل ستين عاما عرفت الإنسانية نوعا جديدا من أسلحة الدمار الشامل، عندما ألقت طائرة أميركية من نوع "بي - 29" قنبلة أطلقت عليها اسم "الولد الصغير" على مدينة هيروشيما الواقعة شرق اليابان. انطلقت الطائرة الأميركية من جزيرة "تينيان" في المحيط الهادي في رحلة جوية هي الأخطر من نوعها، وبعد خمس ساعات، وصلت إلى أجواء هيروشيما. كان ذلك في يوم الاثنين الساعة الثامنة والربع، والناس كانوا يتوجهون إلى أعمالهم وإلى مدارسهم وجامعاتهم... ولكنهم لم يكونوا يعلمون بما سيحل بهم. فالقنبلة النووية المصنوعة من مادة اليورانيوم رمتها الطائرة الأميركية مستهدفة الجسر الذي يربط جانبي المدينة، ولكنها انفجرت فوق مستشفى "شيما" على ارتفاع نحو 580 مترا.
مباشرة بعد ذلك انتشر ضوء أبيض ساطع سببه الإشعاع الانفجاري النووي الذي قضى على 70 ألف إنسان خلال ثوان معدودة، ثم قضى على 70 ألفا آخرين خلال فترة وجيزة لاحقة. المدينة التي كان يسكنها 350 ألف إنسان أصبحت كلها دمار في دمار، والذين نجوا من القنبلة النووية انسلخت جلودهم واحترقت أجسادهم وأصيبوا بالإشعاع، والآخرون الذين لم يصبهم شيء كان عليهم أن يحرقوا الأموات ويعالجوا الجرحى من أمراض لم يعرفوا ما هي، لأن الناس لم تكن قد سمعت بشيء عن القنبلة النووية.
غطت المدينة غيمة مظلمة "مشروم" وسقط المطر الأسود المملوء بالإشعاع النووي ليقضي على عشرات الآلاف في المناطق المحيطة.
الجرحى كانوا يصرخون من شدة العطش، ولكن ما إن يشربوا الماء حتى يتقيأوا سوائل لونها أخضر ويموتون.
تخليدا لذكرى الجرحى الذين ماتوا بسبب شربهم الماء تم تشييد نافورة من المياه قرب النقطة التي وقعت عليها القنبلة النووية.
بعد ثلاثة أيام من تدمير هيروشيما، رمى الأميركان قنبلة نووية أخرى مصنوعة من البلوتونيوم على مدينة نجازاكي "9 أغسطس 1945" وقضت على عشرات الآلاف في تلك المدينة أيضا.
هيروشيما اليوم تبدو من أكثر المدن اليابانية جمالا، وعدد سكانها يبلغ مليونا ومئتي ألف نسمة، والزراعة في كل مكان، ولاسيما في المنطقة التي ضربتها القنبلة النووية. الأشجار الجميلة جاءت من كل مكان بما في ذلك من المدن الأميركية التي شعرت بالذنب بعد إلقاء قنبلة فتاكة على مدنيين يعيشون حياتهم الاعتيادية.
الضحايا حاليا هم أبطال السلام وأبطال حقوق الإنسان، الحديث معهم ينقل المرء إلى أجواء أخرى من المشاعر الإنسانية... فأحد الضحايا يقول: "إن التضليل الإعلامي وإثارة الأحقاد هي التي أوصلتنا إلى استخدام أسلحة دمار فتاكة ضد بعضنا بعضا، وإن الإنسانية جمعاء هي التي تخسر مع انتشار الحقد في أوساطها".
وقال في مقابلة مع "الوسط": "أوصيكم كإعلاميين أن تقوموا بدوركم بكل صدق وأمانة، وألا تكذبوا على شعوبكم كما كانت الحكومة اليابانية تكذب علينا قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبسبب ذلك ارتكبنا الأخطاء الجسيمة ضد الآخرين، وارتكب الآخرون أخطاء جسيمة ضدنا".
الضحية الذي يبلغ من العمر حاليا ثمانين عاما، قال أيضا "إنني أعتذر لكل الشعوب التي عانت من الجيش الياباني قبل انتهاء الحرب العالمية، وأدعو إلى الالتزام بالمادة التاسعة للدستور الياباني "الذي كتبه المحتل الأميركي"، والتي تحرم على اليابانيين الاحتفاظ بجيش أو شن حرب على أية جهة كانت"، معتبرا "أن تحريم الاحتفاظ بالجيوش ينبغي أن يعمم على كل البلدان لكي تعيش الإنسانية في أمن من العدوان"
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1065 - الجمعة 05 أغسطس 2005م الموافق 29 جمادى الآخرة 1426هـ