يعتبر ليوناردو دافنشي أول من ابتدع الكاريكاتير وذلك عندما كان يرسم أشخاصا ذوي عاهات ليتم استخدامها كنماذج.
أما الكاريكاتير كفن وشكل مستقل فإن القرن السابع عشر شهد رسام التاريخ انيبال كارراسي، كما أن أول كتاب نشر عن هذا الفن هو كتاب "كاريكاتير" لـماري دارلي في العام 1762 واشتهر في بريطانيا في القرن السابع عشر الرسام جيمس جليري.
وبدأ رسامو الكاريكاتير في رسم السياسيين والمشاهير بطريقة ساخرة، وأصبح يطلق عليه "فن الإيذاء المجهول" على أن فرنسا وإيطاليا نالتا القسط الأوفر من النجاح في هذا المضمار في بداية انتشاره.
بعد الحرب العالمية الأولى وفي أميركا تحديدا أصبحت هناك مجلات تتخصص في الكاريكاتير، حتى أن الطلب على هذه المجلات فاق الطلب على المجلات التي تحوي صورا طبيعية. وكان من الطبيعي أن تتم الاستفادة من الرسوم الساخرة في عمليات الإنتاج التلفزيوني والتي تحولت إلى مسلسلات كارتونية.
إن الكاريكاتير يبقى فنا حساسا وشفافا يحتاج فيه الرسام إلى أن يستخدم أقصى درجات الذكاء والحذر! كما أن مقياس الرسم والمهارة لا يعتد بهما ولذلك تجد هناك الكثير من رسامي الكاريكاتير لا يستطيعون رسم لوحة زيتية والعكس صحيح!
الكاريكاتير فن الفكرة... فكم من رسام كاريكاتير أساء بلورة فكرته بالخطوط السوداء فلم يفهم الناس ما يقصد فتموت فكرته ويخبو جهده أو يسيء الناس فهمها فيلعنونه ويشتمونه، وكم من رسام كاريكاتير أفلس وبهتت قريحته فيظل يعيد الفكرة المرة تلو الأخرى حتى "تمسخ" ويمل الناس منها بل ولا يتوقعون منه شيئا جديدا، وآخرون تطفلوا على هذا الفن ووجدوا لهم موقعا يرسمون فيه خيوطا متشابكة هي غير ذات معنى أشبه ما تكون بخربشات الأطفال أو بيوت العنكبوت الواهنة! أتذكر أن أحد رسامي الكاريكاتير في إحدى الصحف ظل لأكثر من عام وربما مازال مسخرا ريشته للتهكم والسخرية من الشحاذين وازدرائهم والاستهزاء بهم وابتداع النكت عليهم، إذ لم يجد صاحبنا في البلد ما يمكن أن يشوهه ولم يجد من مشكلة أو فساد إلا هؤلاء "الطوفة الهبيطة" يصب عليهم جام أبخرة رأسه إذ ليس لهم من مدافع ولا منافح ولا محامي.
من المعروف أنه كلما كان الكاريكاتير صامتا، كان أبلغ في النطق وأقدر على المناورة! فالكاريكاتير رسم ساخر، يتناول قضية أو موقفا وبعض الرسامين يكون كل هدفهم أن يضحكوا القارئ أو المتابع لرسومهم من دون أن يفكروا أن للكاريكاتير هدفا أسمى في بث الوعي أو تحريك المشاعر أو العقول. أما الأمر الآخر فإنك تجد بعض الرسامين نصف الموهوبين ومن أجل إيصال فكرتهم ولضحالة موهبتهم وضعف قدرتهم وعدم ذكائهم تراهم يملأون الرسم بالحوارات المطولة والألوان بل ويجعلون رسومهم أحيانا على حلقات من أجل إيصال الفكرة البائسة للجمهور!
إن الكاريكاتير فن خطير قد يؤدي بصاحبه إلى التضحية بنفسه في سبيل ما يعتنق أو يعتقد. ولابد من الإشارة في هذا المقام إلى أول وربما يكون آخر من دفع حياته ثمنا لرسومه الساخرة والكاشفة والجريئة والتي تشير إلى القاتل في وجهه وتقول له "أنت قاتل". ذلك هو ناجي العلي الذي استشهد في العام 1987 بعد أن جعل من الكاريكاتير فنا حزينا يمسح على رؤوس الضعفاء والمحرومين مواساة ومحبة وتعزية. وفي وصف كاريكاتير ناجي العلي يقول أحد الكتاب عنه إنه يهتم بإيصال الفكرة بأبسط الطرق وأسهلها، ولا يلقي بالا لأية مهارة أو استعراض تقني أو تميز أسلوبي فرسومه متقشفة بانضباط، فلا هو تقشف زائد فيفقر الرسم وتضل الفكرة عن الوصول، ولا هو استعراضي فيوقع الرسم في التكلف، في رسمه ما تحتاج إليه الفكرة لتصل، لا أكثر ولا أقل، وليس مصادفة أننا نجد أكثر رسومه من دون خلفيات تحدد المكان، ففي عقيدته أن ذلك ليس ضرورة، مادام الأشخاص في مقدمة الرسم يكفون لقول الفكرة.
وعلى رغم أنه من الناحية الفنية البحتة رسام متوسط الإمكانات غير أنه رسام دؤوب، يعمل بجلد دائم، أوصله ذلك إلى شخصياته المعروفة، والتي صارت متميزة موسومة بطابعه كيفما رسمها وبأية تقنية، ودأبه ذاك أوصله إلى ألفة غير عادية مع شخصياته - وبالتالي - لألفة القارئ معها. شخصيات من الشارع والمخيم والبيت، لكنها فوق ذلك وقبله مرسومة ببساطة وتعاطف وحب عبر الآلاف من رسومه "يقال إنه رسم بحدود 15 ألف رسم بمعدل رسمين يوميا على مدى 20 عاما" وقبل كل ذلك كان لشجاعته وإيمانه بقضيته العامل الأكبر في وصوله إلى قلوب الشعوب العربية... وكان الثمن طلقا ناريا كسر قلبه وريشته... واختفى القاتل وسجلت الجريمة ضد مجهول لأن أعداء ناجي كانوا كثيرين!
جابر علي
العدد 1063 - الأربعاء 03 أغسطس 2005م الموافق 27 جمادى الآخرة 1426هـ