العدد 1063 - الأربعاء 03 أغسطس 2005م الموافق 27 جمادى الآخرة 1426هـ

خليج توبلي محمية وأشياء أخرى

بعد أن تلاشت أهم ملامحه وغابت أزهى معالمه

نعود مرة أخرى، إلى المنطقة التي سرقت إحساسنا حين جبنا غمارها، وسرقت مشاعرنا حين دخلنا بين أغصانها، خليج توبلي، هذه المنطقة التي تثار حولها الكثير من علامات الاستفهام، فعلى رغم التحرك الشعبي الكبير الذي رافق التحقيق الصحافي الموسع الذي نشرته "الوسط"، وعلى رغم وصول الموضوع إلى أعلى المسئولين في الدولة، فإن الردم والدفان والخراب استمر في وضح النهار تارة، وخلسة في الليل تارة أخرى.

وعلى رغم الجهود التي بذلها كل من المجلس البلدي في المنطقة الوسطى والمجلس البلدي لبلدية المنامة لحماية الخليج واتخاذهما خطوات عملية لحماية الخليج، فإن المراقبين للساحة يؤكدون أن مخططات الاستيلاء على الخليج أحيكت منذ فترة طويلة ولم يعد بالإمكان إرجاع الخليج كما كان على حد وصف الاهالي. وحتى مع تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية، فإن الوضع لم يتغير كثيرا بحسب قولهم، فاللجنة لن تتمكن من التحقيق في التجاوزات الفعلية لأن عمل اللجنة مقيد بما بعد ،2002 ولذلك تستمر تداعيات القضية ويستمر الخليج في التلاشي عن الوجود شيئا فشيئا.

"الوسط" ظلت تتابع الموضوع عن كثب، وحصلت على نسخة من الدراسة التي رفعها رئيس لجنة البيئة في المجلس البلدي في المنطقة الوسطى عباس محفوظ إلى اللجنة العليا للبلديات في جمعية الوفاق والمجلس البلدي في المنطقة الوسطى، ونضع بين يد القارئ أهم ما شملته الدراسة.


خليج توبلي... أكبر حضانة للروبيان والأسماك

يقول عباس محفوظ في دراسته: "يعتبر خليج توبلي من أغنى المناطق البحرية بالمملكة بالثروة السمكية والروبيان والأحياء البحرية الأخرى وكانت مساحته تفوق الـ 25 كيلومترا مربعا في الخمسينات من القرن الماضي. ويحتوي الخليج على بيئة الأعشاب والطحالب، إضافة إلى المسطحات الصخرية وبيئة النباتات الملحية. ويوجد بالخليج حاليا أكبر محمية طبيعية لنبات القرم الواقعة برأس سند التي تعد ملجـأ مهما للطيور المهاجرة والطيور البحرية الأخرى النادرة كما يعد هذا النبات الحاضن والحامي لتكاثر صغار الأسماك والروبيان، إذ كان الخليج المصدر الرئيسي لتزويد البلاد بهذه الثروة البحرية".

ويشير إلى أن محمية نبات القرم تعتبر من الروعة والجمال كمنطقة سياحية نادرة لم يتم استغلالها سياحيا بعد. وبتنوع بيئاته يجعله غنيا بالموارد البحرية المهمة كالأسماك والقشريات، ويلعب كمركز مهم لحضانة وتغذية وتفريخ هذه الكائنات البحرية التجارية، ولذلك يعتبر نظاما بيئيا متكاملا يسهم بصورة أو بأخرى في دعم المخزون البحري، والثروة السمكية للبلاد. كما يزخر الخليج بالتنوع البيولوجي وبخيرات وثروات طبيعية وطنية عموما تشمل مختلف النواحي الغذائية والسياحية والاجتماعية والاقتصادية ويمثل ثروة وطنية للأجيال المقبلة ينبغي الحفاظ عليها.


ذكريات من الخليج

يتطرق محفوظ في دراسته إلى ذكريات الخليج، ويبدأ بقوله: "يحيط بخليج توبلي مجموعة من القرى القريبة من سواحله، وكان لهذه القرى ارتباط وثيق وحميم بالخليج ومن هذه المناطق توبلي والجبيلات، والهجير والكورة وجدعلي وسند والنويدرات والعكر والمعامير وقرى جزيرة سترة والنبيه صالح والماحوز وأم الحصم والزنج وبلاد القديم وعذاري. ولأهالي هذه المناطق المطلة على الخليج ذكريات لا تنسى إذ يعتبر مصدرا رئيسيا لرزق معظمهم لما به من ثروة بحرية وفيرة، وتأثرت هذه العوائل بسبب تدمير بيئة الخليج ما اضطر الكثير منهم إلى ترك العمل في البحر و العمل في المؤسسات. وغالبا كان الصيد يتم بعد أذان المغرب اعتمادا على حركة المد والجزر، ويتم الصيد على شكل مجموعات وبطرق مختلفة ومنها؛ الشبكة الجماعية "الغزل" والشبكة الفردية "السالية"، الساطور وهو على شكل برميل صغير مفتوح الجانبين مصنوع من عصى النخيل مع شمعة تعمل بالكيروسين "الكومبار"، وهناك الصيد بالحظرة والقراقير، وصيد الأطفال لسمك الميد "المشخال" وصيد الهوامير المباشر من الفتحات تحت الصخور "المجافر"".

ونتيجة لكثرة ووفرة مختلف أنواع الأسماك والروبيان في الخليج روى لنا الكثير من كبار السن من الرجال والنساء بأنهم يصطادون سمك السبيطي على الساحل. وعند اكتمال القمر بمنتصف الشهر العربي وزيادة منسوب مياه الخليج "ماية هلال" يتم صيد الأسماك في الممرات الصغيرة الممزوجة بماء البحر التي تسقي النخيل "الساب" في المزارع القريبة من الخليج. ولكثرة وجود الروبيان وبالذات بمنطقة أبوغزال الواقعة بين توبلي والبلاد القديم يكاد لا يخلو بيت في توبلي من الروبيان المجفف طوال العام.

ويقول كبار السن ممن كانوا في أربعينات القرن الماضي إنهم كانوا يلاعبون الدلفين في الخليج " الدغس- سفينة النجاة" بينما كان الأهالي يتجمعون على الساحل - "جبلة بيجان" مقابل قرية الكورة عصر كل يوم للتسلية والترفيه عن النفس والاستمتاع بروعة الخليج على شكل مجموعات وأفراد وهو برنامج اجتماعي ثابت عند الأهالي على مدار السنة.


وملجأ الأهالي أيضا

يقول محفوظ: "في كل عام، يتجمع النساء والأطفال والرجال في ثاني أيام عيد الأضحى بين فترة الضحى وقبل أذان الظهر لرمي الأضحية في البحر "الحيه بيه" مع الوفاء ببعض النذور وحلق شعر الأطفال تيمنا بأعمال الحج في منى، وبعد الصلاة يتم تناول الغذاء الجماعي. وتعتبر جبلة بيجان مرفأ للتنقل بين جزيرة النبيه صالح لزيارة مسجد النبيه صالح للمتزوجين وحنة العروس وقراءة المولد فيه. ويشتهر ساحل خليج توبلي بالقرب من المنطقة المواجهة إلى قرية توبلي "تعرف بالحجمي" بكميات كبيرة من شجر الأسل ذي اللون الأصفر ويستخدم لصناعة المديد "وهي من أفضل أنواع الحصر إذ تكون كالإسفنج ويستخدمها في العادة ميسورو الحال" ويصنع منه أيضا "السبت" وهو نوع فاخر من السلال يستخدم لوضع الأشياء الثمينة. ويتم صناعتها في منطقة جدعلي وسترة. ويحيط بساحل الخليج بساتين النخيل وأشجار اللوز والرمان والتين والبامية والطماطم وغيرها ويؤخذ من سواحله الحصى والرمل البحري وينقل على الحمير يستخدم لبناء بعض أجزاء المنازل خصوصا عمل "الرونة والروشنة" للتهوية وكذلك استعمال "الفرش" كأغطية وشواهد للقبور بينما يتم استعمال القواقع البحرية والأصداف الصغيرة "الحصم" في العادة لأرضيات المساجد والمجالس العامة".

وتوجد عيون ماء عذبة "جواجب" داخل البحر يشرب منها البحارة وأشهرها عينان تقع واحدة منهما بالقرب من منطقة العكر، والأخرى تعرف بعين الحكيم في منطقة جرداب ويسمى ساحل هذه المنطقة بساحل أبوالهواشم، إذ كانت العوائل الكبيرة في البحرين تستخدمها للاستجمام وغسل العروس والمعرس قبل ليلة الزفاف وذلك لعذوبة مائها وجمال موقعها والعين لاتزال موجودة. كما وتقوم مدرسة توبلي سابقا بزيارات استطلاعية تعليمية لطلابها في حصص النشاط والرسم لرسم المناظر الطبيعية لهذا المكان.


قوانين وتشريعات داعمة ولكن...

صدرت لحماية خليج توبلي التشريعات الآتية:

مرسوم بقانون 3 لسنة 1975 بشأن الصحة العامة بمنع إلقاء المخلفات في السواحل.

مرسوم بقانون رقم "16" لسنة 1989 ومرسوم بقانون رقم "16" لسنة 1993 بتعديل بعض أحكام القانون رقم "3" لسنة 1975 بشأن الصحة العامة.

قرار مجلس الوزراء "21" لسنة 1993 بإنشاء وتشكيل اللجنة الوطنية لحماية الحياة الفطرية.

مرسوم بقانون "2" لسنة 1995 بمنع عمليات دفان خليج توبلي.

قرار البلدية "1" لسنة 1995 بمنع الدفان والتعمير في خليج توبلي.

قرار "2" لسنة 1996 بشأن ندب الموظفين اللازمين لأعمال التفتيش طبقا للمرسوم بقانون 21 لسنة .1996

مرسوم بقانون "21" لسنة 1996 بشأن البيئة.

المرسوم بقانون "16" لسنة 1996 بمنع إلقاء المخلفات في البيئات البحرية.

مرسوم رقم "3" لسنة 1997 بالانضمام إلى اتفاق الأراضي الرطبة ذي الأهمية الدولية خصوصا وصفها مآلف للطيور المائية "رمسار" للعام ،1971 وتسجيل خليج توبلي بها.

قرار وزارة الأشغال والزراعة رقم "4" لسنة 2000 بشأن الترخيص باستخراج الرمل البحري.

مرسوم بقانون البلديات رقم "35" للعام .2001

قرار رقم "16" لسنة 2002 بإصدار اللائحة التنفيذية قانون البلديات الصادر بمرسوم بقانون البلديات رقم "35" للعام .2001

قرار المجلس البلدي بالمنطقة الوسطى رقم "94" في يناير/ كانون الثاني 2004 بمنع الدفان والتعمير في خليج توبلي. ومنع الدفان بالسواحل الأخرى ومنطقة البحير حتى نهاية .2006

قرار المجلس البلدي لبلدية العاصمة رقم "2" في ديسمبر/ كانون الأول 2004 بوقف تراخيص جديدة للدفان في خليج توبلي.


للحديث صلة

ولكن مع كل هذه التشريعات ظل الخليج معلقا لا هو إلى السماء ولا هو إلى الأرض، وتستمر معاناته، ويلح السؤال؛ إلى متى يعاني الخليج؟ وإلى متى تنتهك وتنتهب أراضيه؟ ونتسمر في عرض تداعيات القضية إذ نركز في الحلقة المقبلة على أهم التجاوزات التي طالت الخليج وللحديث صلة

العدد 1063 - الأربعاء 03 أغسطس 2005م الموافق 27 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً