مصطلحان متجانسان لغويا، ومشتقان من قاموس سياسي واحد، ولكن بونا شاسعا بين الاثنين "الديمقراطية والديمغرافية" فالأولى هي حكم الشعب الحر لنفسه، والثانية هي اعتماد السياسة على الفوارق والخصائص العرقية والمذهبية أو ماسواها.

الدولة بمعنى المدنية الحديثة تتبنى الخيار الديمقراطي النابع من رحم الإرادة الوطنية الحرة. والديمغرافية في ظل هذه المنظومة السياسية يعني تلاقح المتضادات في بوتقة الوطن الواحد. وعلى العكس تماما تأتي الديمغرافية التي قد تصبح وبالا وشرا عظيما إذا مست حقوق الفرد والجماعة لاعتبارات المناطقية والفئوية في معادلة الحقوق والواجبات بل وحتى الخدمات.

نحن في البحرين شعب عانى كثيرا خلال تاريخ ليس بالقصير من فرض الديمغرافية على حساب الديمقراطية. على رغم توجيهات ربان المشروع الإصلاحي في البحرين جلالة الملك الذي فاجأ بعض محبي التمييز الديموغرافي عندما أكد جلالته بالضرس القاطع "لن نسمح بالتفرقة في أسرتنا البحرينية الواحدة".

أم المصائب هنا أن ثلة قليلة من الناس المصابة بهستيريا الطائفية على مستوى الأجهزة والشخوص لاتزال تحن الى ممارسات التمييز السابقة، وتمتنع عن الإقلاع عن هذا السلوك الظالم الذي يفرغ الديمقراطية التي نعيش من معناها الحقيقي، وهي مشكلة خطيرة جدا في حال لم تواجه برفض مجتمعي شامل.

السلطتان التنفيذية والتشريعية ومؤسسات المجتمع المدني معنية بالضغط من أجل سن تشريع بحريني - سيكون الأول من نوعه خليجيا - يجارم أشكال التمييز كافة، وينظم التعامل مع المواطنين متساوي الحقوق والواجبات دستوريا من منطلق الديمقراطية الرحبة لا بمجهر الديمغرافية الضيقة التي تقتل الفيسفاء الجميلة التي ننعم بها كشعب متنوع.

البحرين الحرة الجديدة يجب أن تبادر مؤسساتها المدنية إلى تخليص مواطنيها من عقدة الحسابات الديمغرافية لكيلا نواجه كوارث الآخرين الماثلة أمام أعيننا شرقا وغربا، فمراكز القوى الدولية تغيرت باتجاه توطين الديمقراطية، وربما تكون هذه الحسنة الوحيدة في النظام الدولي الجديد