العدد 1062 - الثلثاء 02 أغسطس 2005م الموافق 26 جمادى الآخرة 1426هـ

واشنطن بدلا من باريس وبوش بدلا من شيراك

السياسة الخارجية في ظل حكومة محافظة بألمانيا:

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

فاز الائتلاف الاشتراكي الأخضر في ألمانيا بالانتخابات العامة في سبتمبر/ أيلول العام 2002 لأنه رفض مشاركة ألمانيا في حرب العراق. في ذلك الوقت لم يفلح الاتحاد المسيحي المعارض في توضيح موقفه تجاه الحرب وخصوصا تأييد موقف المستشار غيرهارد شرودر الرافض لمشاركة جنود ألمان.

قبل اكتمال ولايته الثانية دعا شرودر إلى انتخابات عامة مبكرة، ويجمع المراقبون على احتمال فوز منافسته أنجيلا ميركل التي أيدت حرب العراق في ذلك الوقت لكنها على ضوء الحملة الانتخابية تتجنب التطرق للحديث عن الحرب كما تتجنب السفر إلى واشنطن وخصوصا أن غالبية الألمان ليسوا على وفاق مع الرئيس الأميركي الحالي.

كما يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش شطبت على شرودر في حساباتها وتعقد الآمال على تغيير حكومي في برلين بعد الثامن عشر من سبتمبر المقبل.

في برنامجه الانتخابي يشير الاتحاد المسيحي إلى تغيير قادم في مجال السياسة الخارجية من أبرز علاماته السعي لما يصفه الاستراتيجيون في معسكر الاتحاد المسيحي إصلاح العطب الذي طرأ على العلاقات بين برلين وواشنطن في عهد الائتلاف الاشتراكي الأخضر وقطع الطريق على تركيا الساعية للانضمام للاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تعديل أهداف المحور الألماني الفرنسي بحيث لا يصبح في المستقبل وكما كان في عهد شرودر يتجاهل مصالح دول أخرى، كما أن حكومة جديدة في ألمانيا تتزعمها المستشارة أنجيلا ميركل لن تصر على حصول ألمانيا على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.

ألمانيا في نهاية يوليو/ تموز ،2005 عادة يتوجه أعضاء الحكومة والبرلمان لقضاء إجازة الصيف لكن هذا الصيف له أهمية خاصة بسبب قرب موعد الانتخابات المبكرة. المستشار شرودر لم يكشف عن أوراقه بعد لكن ليس بوسعه استخدام ورقة مثل حرب العراق التي أنقذته في العام 2002 من هزيمة مؤكدة.

غير أن منافسته أنجيلا ميركل على رغم تقدمها على شعبية المستشار فإن ظهورها الأخير قبل أيام كان محرجا لمؤيدي المعسكر المحافظ. فقد ظهرت ميركل وهي تزور حفلة موسيقية برفقة زوجها والعرق يتصبب من إبطها وهي تلوح للمصورين.

ثارت احتجاجات لأن التلفزيون البافاري استخدم تقنية الكمبيوتر ليخفي منظر العرق المتصبب ما يتناقض وحرية الصحافة. يذكر أن معسكر ميركل بذل قصارى جهده ليحسن مظهرها ثم أتت بهذه النكسة.

عودة إلى السياسة الخارجية، بتوكيل من ميركل أجرى فولفغانغ شويبلي نائب رئيس الكتلة البرلمانية التابعة للاتحاد المسيحي وخبير السياسة الخارجية مباحثات في واشنطن، دافع شويبلي عن عدم قيام مرشحة المعسكر المحافظ لمنافسة شرودر على المستشارية بقيامها شخصيا بهذه الزيارة وعزا ذلك إلى ضيق الوقت. لكن شويبلي كان يقول نصف الحقيقة.

على ضوء كراهية بوش المتفشية عند الألمان على العكس من الذين سبقوه في هذا المنصب فإنه ليس في مصلحة ميركل الظهور مع بوش أو أحد أعضاء حكومته.

وفقا لما ذكرته صحيفة "زود دويتشه" فإن الفريق الانتخابي التابع لميركل وجد أنه ليس في مصلحتها الظهور مع الرئيس الأميركي ولهذا السبب كلف شويبلي بمهمة السفر إلى واشنطن لإطلاع الإدارة الأميركية على الخطوط العريضة للسياسة الخارجية التي ستعمل بها حكومة ألمانية محافظة.

وكان شويبلي قد أبرم اتفاق إدماج ألمانيا الشرقية مع شقيقتها ألمانيا الغربية في العام 1990 وشغل منصب وزير الداخلية في عهد المستشار السابق هيلموت كول قبل أن أطلق عليه رجل مختل رصاصة أقعدته على كرسي متحرك مدى الحياة.

استقال شويبلي لاحقا من منصب رئيس الاتحاد المسيحي الديمقراطي بسبب اتهامه بتسلم رشا في إطار فضيحة الرشا التي قام بها المستشار السابق كول وكلفت حزبه غرامة مالية كبيرة فرضها البرلمان. قبل عام عاد الوئام بين كول وميركل التي كانت توصف بفتاته المدللة لكن شويبلي يرفض الحديث كلمة واحدة مع كول. وقد استمتع شويبلي بزيارة واشنطن التي أعدت له استقبالا حافلا تعبيرا عن مساندتها وتأييدها لأنجيلا ميركل حتى أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس عثرت على بعض الوقت للحديث مع شويبلي بينما لم تجد في السابق الوقت لاستقبال نظيرها الألماني يوشكا فيشر حين طلب الحصول على موعد ليهنئها بحصولها على منصبها الجديد. إلى جانب الاجتماع مع رايس الذي حدد له معها استقبله أيضا مستشار البيت الأبيض للأمن القومي ستيفن هادلي ثم حصلت مفاجأة جديدة من طرف الرئيس بوش الذي طلب لقاء شويبلي بعد أن عرف بأنه موجود في البيت الأبيض.

ليس هذه حركة نادرة من بوش ففي العام 2002 وحين كانت العلاقات بين حكومة شرودر والإدارة الأميركية توصف بأنها متوترة جدا، كان رئيس حكومة هيسن وأحد رموز الاتحاد المسيحي الديمقراطي رولاند كوخ يجري محادثات في البيت الأبيض مع مستشار بوش للأمن القومي، دخل الرئيس الأميركي عليهما وجلس يتحدث مطولا مع كوخ.

قام بوش بهذه الخطوة في وقت كانت فيه خطوط الاتصال متوقفة بين برلين وواشنطن ليكشف عن تأييده للمحافظين الألمان لكن شرودر حسم الانتخابات لصالحه.

قام بوش بخطوة مماثلة حين كان وزير الداخلية الألماني أوتو شيلي يجري محادثات مع هادلي في البيت الأبيض في العام الماضي وأشاد بوش بشيلي على رغم أن الأخير ينتمي لحكومة شرودر لكنه كما قال بوش قدم خدمات جمة للولايات المتحدة بسبب نهجه المتشدد في مكافحة الإرهاب.

يبدو أن خطوة بوش المفاجئة جعلت مبعوث ميركل يحسب حساب الحملة الانتخابية وساعده بوش في ذلك حين تجنب الرئيس الأميركي التركيز على حرب العراق وأبلغ شويبلي الصحافيين الألمان الذين رافقوه: قلت للرئيس إننا لن نعمل بسياسة خارجية مختلفة كثيرا عن السياسة الخارجية الألمانية الحالية وقد لا نتفق دائما على بعض القضايا.

لكن ليس هذا ما تتوقعه الإدارة الأميركية من حكومة ميركل على رغم أن الأميركيين يدركون مدى الحرج الذي سيتسببون به لميركل في حال طلبوا منها على الفور إرسال جنود ألمان إلى العراق.

لكن شويبلي كشف أن بوش ركز على موضوع المفاوضات الجارية بين ترويكا الاتحاد الأوروبي "بريطانيا، فرنسا وألمانيا" مع إيران وقال إنه يؤيد هذه المفاوضات على رغم القلق الشديد الذي ينتابه والشعور أن إيران تستغل الوقت لتجهز برنامجها النووي.

وقال شويبلي إن بوش أبلغه أن الولايات المتحدة ستنقل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي إذا فشلت المفاوضات الحالية.

كما تم بحث رغبة تركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي وهي الرغبة التي تؤيدها واشنطن وحكومة شرودر لكن لا يؤيدها المحافظون الألمان وغالبية الشعب الألماني.

إذ تدعو ميركل منذ وقت إلى حصول تركيا عوضا عن العضوية على شراكة متميزة مع الاتحاد الأوروبي وأبلغ شويبلي الصحافيين أنه حصل على شعور بأن محدثيه في واشنطن تفهموا الشرح الذي قدمه ليبرر عدم تأييد حكومة محافظة في ألمانيا انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

هذا الموقف لا يختلف عن الموقف الذي عبرت عنه ميركل حين زارت تركيا في مطلع العام الماضي.

في الثالث من أكتوبر من العام المذكور وهو اليوم الذي تحتفل فيه ألمانيا باستعادة وحدتها قرر مجلس الاتحاد الأوروبي عقد مفاوضات العضوية مع تركيا. لكن لم يكن أحد ينتظر حصول انتخابات مبكرة في ألمانيا . يشير مستشار رئيس الوزراء التركي للسياسة الخارجية كونيد تسابسو إلى أنه يتذكر بسرور عبارة قالتها ميركل حين التقت برئيس الوزراء أردوغان: سنحترم الاتفاقات المعقودة. لهذا يأمل مستشار أردوغان ألا تسعى حكومة ألمانية تقودها المستشارة ميركل إلى عرقلة مفاوضات العضوية. نحو نصف مليون تركي من أصل 2,5 مليون تركي سيشاركون في الانتخابات القادمة لأنهم يحوزون على الجنسية الألمانية. غالبيتهم سيؤيدون الحزب الاشتراكي الذي ينتمي إليه شرودر أو حزب الخضر الذي ينتمي إليه وزير الخارجية يوشكا فيشر، ليس هناك ما يوحي أن هذا العدد يكفي ليمنع مجيء حكومة تتزعمها تاتشر الألمانية

العدد 1062 - الثلثاء 02 أغسطس 2005م الموافق 26 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً