لا يمكن ابدا الاعتماد على آراء النقاد الأميركان، فهؤلاء يبدون جميعا وكأنهم جزء من لعبة الدعاية الأميركية التي لا تفعل سوى اثارة الصخب والزوبعات الاعلامية حول أي قضية أو فيلم أو أي شيء آخر، ترويجا له سواء سلبا أو إيجابا. النقاد تحدثوا كثيرا عن الفيلم الأخير لبراد بيت وانجلينا جولي "السيد والسيدة سميث Mr. & Mrs. Smith" وزعموا انه فيلم رائع يتألق فيه الاثنان. ووعدوا محبي قصص الحب الرومانسية بفيلم يشتعل رومانسية ويعيش فيه البطلان مشاعر حب دافئة تبدو واضحة في كل المشاهد. بعضهم حاول أن يبدو ظريفا وادعى ان جنيفر انستون، الزوجة السابقة لبيت والمغدور بها، أصابتها الغيرة من مشاهد بعض الفيلم، ما ساهم في تسريع انفصال الزوجين.
قال النقاد الكثير عن الفيلم واستغلوا حال الملل الزوجي بين بيت وانستون، وقصة الحب المشتعل بينه وبين جولي. وارجعوا جزءا كبيرا مما حدث بين الزوجين لهذا الفيلم الملتهب بمشاعره ومشاهده، ونسوا أو تناسوا حقائق كثيرة عن النهايات الطبيعية لحياة كثير من المشاهير، وأمورا قد تتعلق بما يسمى بأزمة منتصف العمر التي يمر بها الرجل في أربعيناته!
الفيلم موضع حديثنا يبدأ بداية غير مبشرة لا تثير في مشاهدها الكثير من الفضول لمعرفة ما قد يتبعها. إذ نرى الزوجين وكأنهما يتحدثان لما يمكن أن يكون محللا نفسيا مختصا بالاستشارات الزوجية، وكأنهما يناقشان معه تفاصيل حياتهما الزوجية وأزمة كادت تودي بها. يستعرضان تلك التفاصيل من خلال سرد القصة بأكملها منذ بداية تعارفهما مصادفة في احد دول اميركا الجنوبية، إذ وجدا أنفسهما فجأة ومن غير تخطيط مسبق وهما يدعيان أنهما صديقان أو حبيبان أو زوجان، للمشاهد أن يقرر الحال التي يريدهما عليها، لكنهما على أية حال معا.
ومنذ البداية لا يستطيع المشاهد أن يقرر ما إذا كانا يحبان بعضهما أما انهما زوجان فقط يجبرهما على البقاء معا، أهو الانجذاب الخفيف الذي أبدياه لبعضهما خلال رحلة لقائهما الأولى، أم أنه أمر آخر. الاجابة في الحقيقة صعبة، فالمخرج دوغ ليمان "قدم سابقا The Bourne Identity" والكاتب سيمون كينبيرغ "مؤلف الجزء الثالث من X-Men" لم يتركا لنا أية اشارات لمعرفة هذا الأمر، إذ إننا أمام شخصيات ذات بعد وا حد، لا نعرف عنها الكثير، وحتى وإن بدا وكأن القصة تتكشف شيئا فشيئا، إلا أن كل شخصيات الفيلم تظل سطحية وببعد واحد.
ما نتمكن من معرفته هو ان البطلين اللذين يبدوان كزوجين مسالمين يعيشان حياة هادئة، هما في واقع الأمر قاتلان مأجوران يعملان في ما بدا وكأنه وكالتا قتل متنافستان. الزوجان يجدان أنفسهما في موقف حرج ويعتقدان أن كل منهما قد أفسد عملية ما على الآخر، ثم يعلمان أنه لابد لاحدهما من تصفية الآخر. وهنا تبدأ المتعة الحقيقة في نظر المخرج، والتفاهة بعينها في نظري. الزوجان يبدآن الآن في التخطيط لقتل بعضهما ويشن كل على الآخر حربا شعواء مستخدمين فيها أحدث الأسلحة وأكثرها فتكا، كاشفين عن أبشع ما تحمله نفوسهما من شيم الغدر والفتك والشراسة والوحشية والحيوانية. والمخرج طبعا لا يأل جهدا في أن يتحفنا بكل مشاهد المبالغات الهوليوودية في عمليات التفجير والقتل والغدر وما إلى ذلك لنجد أنفسنا أمام أحد أفلام الأطفال التي يمكن فيها للأبطال أن يفعلوا كل المعجزات، ثم أن ينجوا من كل المصائب من دون أن تمس منهم شعرة واحدة.
طبعا، ينتصر حب بيت وجولي أو السيد والسيدة سميث في لحظة حاسمة ويقرران ألا يتمان صفقة القتل الأخيرة. لكنهما يجدان أنفسهما الآن أمام أصعب المهمات في حياتهما وهي مواجهة وكالتي القتل اللتين تآمرتا لقتلهما معا والتخلص منهما، إذ إنهما بدآ يشكلان خطرا على مصالح الوكالتين، كما انهما بزواجهما واقترانهما أصبحا في موقع ضعف وأصبح اختراقهما سهلا.
بالتأكيد لا تتمكن الوكالتان اللتان تحشدان عشرات الرجال والطائرات والسيارات المدرعة وغير المدرعة من الفتك بالبطلين، اللذين ينتصران عليهما ويخرجان من العجينة مثل الشعرة.
هذه هي باختصار قصة أتفه فيلم شاهدته على مدى سنوات عدة، وهو فيلم لم يفتقد النص الجيد والفكرة المقبولة منطقا وعقلا وحسب، بل انه جاء بإخراج باهت ضعيف حائر، وبتمثيل يسيء لبيت وجولي أكثر مما يضيف الى رصيدهما. لا أعرف حقا ما أجبر الاثنين على قبول هذا الفيلم التافه الذي أساء لتاريخهما الفني، فقط ليستعرضا قصة حبهما الجديدة على الشاشة، وإن كان كذلك فما بدا بينهما ليس سوى انجذاب قد يزول سريعا ولم تبدو عليه أية علامات حب.
أما عن اللقطات الرومانسية الملتهبة حبا وعواطف فلا وجود لها، وكل ما اشيع حول الأمر هو مجرد شائعات ترويجية. الفيلم لا طعم له ولا لون ولا يحمل أية نكهة. لا يثير في المشاهد أي نوع من المشاعر ولا حتى الاشمئزاز، ولا يقدم جديدا، ولا يهدف لأي شيء. ربما يقتل الفضول فقط لنعرف ما أقدم براد بيت على فعله حين هدم حياته مع الجميلة الجذابة انستون من أجل لا شيء، إن صدق المروجون للفيلم طبعا!
بيت يقدم أربعة أفلام جديدة في العام المقبل نتمنى أن يقدم فيها ما يستحق المشاهدة وألا يسعى لتدمير نفسه باجبارنا على مشاهدة ترهاته مع جولي. أما هي "انجلينا جولي" فتنتظر أن يعرض لها فيلم The Good Shepherd في العام المقبل ونتمنى ايضا الا يكون اهدارا آخر لطاقتها الفنية
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 1062 - الثلثاء 02 أغسطس 2005م الموافق 26 جمادى الآخرة 1426هـ