العدد 1062 - الثلثاء 02 أغسطس 2005م الموافق 26 جمادى الآخرة 1426هـ

صورة الإسلام كما عكستها الصحف البريطانية بعد تفجيرات لندن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

منذ حصول حملة التفجيرات في يوم 7 يوليو/ تموز في محطات الانفاق والحافلات في لندن احتل موضوع الإسلام الصفحات الأولى والداخلية في كل الصحف البريطانية. فالإسلام هو العنوان الأول وأحيانا الوحيد في الصفحات بما فيها التعليقات والقضايا والتقارير وبريد القراء.

من الصعب إحصاء الكميات الهائلة من المقالات والتحقيقات التي صدرت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة. فهي تجاوزت الآلاف وتشتت على تيارات ومدارس مختلفة وتعرضت سلبا وإيجابا وبالطول والعرض للإسلام والمسلمين والإرهاب وايديولوجية الإسلام والسياسة الدولية وقضايا المسلمين.

بريطانيا في النهاية تعتمد على فكرة حق المواطن في التعبير عن رأيه بشرط ألا يتجاوز القانون ويهدد الأمن أو يحتقر أو يحقر الآخر بسبب دينه أو لونه أو ثقافته وتقاليده. الحرية مباحة في مجتمع متعدد ومتنوع، لكنها أيضا مقيدة بالقانون والدستور.

إلا أن ما حصل في 7 يوليو تجاوز كل التوقعات، وكان مفاجأة اذهلت الجميع ومن مختلف الجهات والجماعات وخصوصا الأقلية المسلمة التي وجدت نفسها متهمة بسبب أفعال ارتكبتها مجموعة من الشبان باسم الإسلام.

الإسلام فعلا كان الضحية الأولى لتلك التفجيرات لأنه في حالات الهلع والخوف يصعب على السلطة أن تتخذ الإجراءات القانونية لمكافحة تلك المقالات والتعليقات التي تناولت الإسلام وتطاولت على المسلمين. ففي تلك الحالات تفلت الصحف من الرقابة الذاتية وتبدأ الاتهامات بالانهمار يسرة ويمنة من دون ضوابط أخلاقية. وهذا ما حصل في بريطانيا في الأسابيع الثلاثة الأخيرة. فالإسلام وما يتفرع عنه في العالم الإسلامي احتل صدر الصفحات الأولى والداخلية ولم يعد هناك من موضوع غيره للحديث عنه. وفي الأسابيع الثلاثة تلك تطرقت الأقلام بعلم أو بجهل عن كل الموضوعات. ويمكن القول إنه لم تبق مسألة قريبة أو بعيدة إلا وجرى الحديث عنها من التاريخ إلى الجغرافيا إلى السياسة والاقتصاد والمصالح والتربية والتعليم والاجتماع والنفط وفلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان والبوسنة وغيرها من قضايا تتصل بالجاليات المسلمة في أوروبا والإرهاب والفوضى وسياسة الدول في التعامل مع اللاجئين.

كل هذه القضايا وغيرها من نقاط لا يمكن حصرها في عناوين مشتركة جرت معالجتها بكيفيات غير متساوية في النضج والمعرفة وبأساليب غير موحدة في القراءات. فالكل تحدث كما يريد من دون حسيب أو رقيب. والكل أدلى بدلوه بعلم أو من دون علم. وبسبب هذا الانفلات الصحافي اضطرت الدولة للتدخل مرارا وحذرت من الربط بين الإسلام وايديولوجية الإرهاب. كذلك صدرت الكثير من المقالات العاقلة التي دافعت عن الإسلام وتاريخه الحضاري. كذلك صدرت الكثير من الاحتجاجات التي رفضت الربط بين الإسلام والإرهاب. كذلك صدرت الكثير من التعليقات تطالب المسلمين بذل المزيد من الجهود لمحاصرة التطرف والدفاع من وسطية الإسلام واعتداله.

لا يمكن حصر عناوين المقالات والتعليقات نظرا لتعددها واتساعها وتشتت وجهات نظرها التي تتراوح بين الكراهية والعنصرية إلى الإعجاب بحضارة المسلمين ودورهم الإيجابي في تطوير التاريخ الإنساني المشترك.

المقالات بالمئات كذلك الآراء فهي لا حصر لها، لكنها في مجموعها العام حاولت قراءة تلك الدوافع التي شجعت بضعة شبان على ارتكاب جرائم بحق أبرياء. هناك من ربط التفجيرات بالجوانب السياسية للدول الكبرى وأسلوب تعاملها مع القضايا العربية والمسلمة. وهناك من فصل بين التفجيرات والسياسة معتبرا أن ما حصل لا علاقة له بفلسطين أو العراق وانما بايديولوجية شريرة. وهناك من ربط بين الإسلام وتشجيعة على العنف والتطرف. وهناك من رفض الربط وطالب أن يعرف الإرهاب بذاته وألا يربط بدين وعرف ولون وثقافة. فالإرهاب كما ذهبت كارين ارمسترونغ لا دين له وهو موجود عند كل المتطرفين من مختلف الديانات والأعراف والألوان والثقافات.

منذ 7 يوليو والسجال على هذا المنوال في الصحف البريطانية ومحطات الإذاعة ومختلف القنوات التلفزيونية والمرئيات والإنترنت. الإسلام أحيانا هو الموضوع الوحيد أو على الأقل الأول في مجرى الحياة العامة واليومية. حتى حين أعلنت منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي... وقف الكفاح المسلح استمر الموضوع الإسلامي هو المسيطر على رغم أهمية وخطورة الحدث الايرلندي الذي أقلق بريطانيا لمدة 30 سنة متواصلة.

مسألة هيمنة موضوع الإسلام على الصحف البريطانية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة أثار انتباه صحيفة "غارديان" المحترمة التي لعبت دورا مميزا في الفترة العصيبة إذ أشارت في عددها الصادر بتاريخ 30 يوليو الماضي إلى كثرة الاهتمام بهذا الموضوع الفريد من نوعه. وبهذه المناسبة أجرت "غارديان" إحصاء لعدد الكلمات التي تناولت مختلف الاهتمامات مقارنة بحادث تفجيرات لندن. لم تشمل الإحصاءات الأسابيع الثلاثة وانما اكتفت بجردة حساب للأسبوع الأخير الذي يبدأ من الاحد إلى الجمعة الماضي "من 24 إلى 29 يوليو" وجاء إحصاء الكلمات وفق جدول الموضوعات كالآتي: 161 ألفا و215 كلمة عن تفجيرات لندن، و147 ألفا و200 كلمة عن تفجيرات شرم الشيخ، و140 ألفا و911 كلمة عن قرار الجيش الايرلندي بوقف الكفاح المسلح، و13 ألفا و547 كلمة عن اطلاق الولايات المتحدة للمكوك دسكفري.

هذا الإحصاء لعدد كلمات الأخبار فقط الذي أجرته "غارديان" لفترة أقل من أسبوع تكشف عن أهمية موضوع الإسلام وما يتفرع عنه ومنه من قضايا سياسية وغيرها تبدأ من لندن وتنتهي في شرم الشيخ. المسألة إذا خطيرة وتحتاج إلى الكثير من العناية لدى المراجع العربية المسلمة للرد والتوضيح وإعادة تأسيس علاقات داخلية ودولية تقوم على فكرة الاحترام المتبادل. والخطوة الأولى في كسب معركة الاحترام أن تحترم الأنظمة العربية شعوبها. فالدولة التي لا تحترم شعبها لا يحترمها العالم. وهذا مصدر الداء

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1062 - الثلثاء 02 أغسطس 2005م الموافق 26 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً