العدد 1062 - الثلثاء 02 أغسطس 2005م الموافق 26 جمادى الآخرة 1426هـ

القانون الأكثر جدلا... إلى أين؟

بعد إقراره... الجمعيات السياسية والحكومة على المحك

المرة تلو الأخرى تشعر الجمعيات السياسية في البحرين بصدمة جديدة من الطرف الرسمي أو التشريعي أو الاثنين معا كما حصل عندما توافقت الرغبات الحكومية والنيابية والشورية والتي توجت بإصدار قانون الجمعيات السياسية.

جمعيات سياسية أعلنت أنها ستلتزم بالقانون، وستوائم نفسها مع قانون الجمعيات الجديد، لكن الغالبية العظمى من الجمعيات رفضت القانون، ورأت أنه تحت السقف القانوني الحالي الذي تعمل من خلاله.

الحكومة ممثلة في وزارة العدل ذهبت كثيرا في قذف الثناء والتمجيد على قانون الجمعيات السياسية الى الحد الذي وصفه أحد مسئولي الحكومة أنه عبارة عن قانون أحزاب متطور، بينما ترى الجمعيات المعارضة للقانون أنه أعادها إلى ما قبل خمسين عاما من الزمن، يوم كانت البحرين تشهد حراكا سياسيا متطورا قبل نظيراتها في الخليج بوقت مبكر.


البحرين والسياسة... شيء من التاريخ

المتفق مع هذا القانون والمختلف معه يدرك أن الحركة السياسية في البحرين لم تكن وليدة الساعة، إذ إن البحرين تعد من أول دول المنطقة في نشوء التيارات والتكتلات السياسية المبنية على أيدلوجيات دينية أو قومية.

فمنذ عشرينات القرن الماضي شهدت البحرين حراكا سياسيا مع القوة المستعمرة آنذاك، ومن ثم في المطالبة بنظام دستوري برلماني حر. ولكن الحركة السياسية البحرينية برزت بصورة تنظيمية واضحة في عقدي الستينات والسبعينات مع بروز تيارات سياسية ذات ثقل شعبي، كان من بينها جبهة التحرير الوطني البحرانية وبعدها الكتلة الإسلامية في أول برلمان بحريني منتحب في العام 1973م. وكذلك فقد شهدت البحرين لاحقا بروز جبهة التحرير الإسلامية وحزب الدعوة الإسلامية. وعملت هذه التيارات السياسية في العمل السري داخل وخارج البحرين.

ومع دخول البحرين المرحلة الإصلاحية الجديدة مع وصول جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الى سدة الحكم وبعد التصويت على ميثاق العمل الوطني في فبراير/ شباط 2001م، انشغل أكثر المنتمين للتيارات السياسية البحرينية في البلاد بكيفية تنظيم صفوفها ولملمة كوادرها والتواصل مع قواعدها الشعبية. ومع رجوع المبعدين وإطلاق سراح المعتقلين أصبح الشغل الشاغل للكوادر السياسية والرموز الوطنية البحث عن سبل للتعاطي في الشأن السياسي في ظل المستجدات التي فرضها الميثاق و تماشيا مع العمل المؤسساتي و القانوني.

وبادر أعضاء التيارات السياسية السابقة الى الانخراط في جمعيات سياسية معترف بها رسميا، وشهدت البحرين حراكا محموما في ولادة التنظيمات السياسية، جمعية بعد أخرى من مختلف التيارات "الإسلامية والقومية والوطنية".

وانخرطت التنظيمات الجديدة تحت مظلة قانون الأندية والجمعيات الأهلية الذي يتبع في تنفيذه وزارة العمل والشئون الاجتماعية "آنذاك"، إلا أن الجمعيات السياسية الجديدة واجهت عقبة قانونية، إذ إن قانون الجمعيات يحضر ممارسة العمل السياسي بأي شكل من الأشكال، الى أن تدخل جلالة عاهل البلاد شخصيا في استثناء الجمعيات السياسية من إحدى مواد القانون.


بين المشاركة والمقاطعة

واجهت الجمعيات الجديدة أول استحقاق سياسي حقيقي مع الانتخابات البلدية والبرلمانية التي أجريت في البحرين العام ،2002 وفيما شاركت مختلف الجمعيات في التجربة البلدية، قاطعت بعض الجمعيات الرئيسية على الساحة "الوفاق، العمل الوطني، العمل الإسلامي، التجمع القومي" الانتخابات التشريعية وعمدت الى إنشاء تحالف رباعي فيما بينها لاحقا، فيما قررت جمعيات أخر المشاركة في التجربة الجديدة بتحفظ على بعض المواد الدستورية مثل جمعيات "المنبر التقدمي، الوسط العربي، المنبر الإسلامي، الاصالة الإسلامية".

وعلى رغم المشاركة والمقاطعة فإن الجمعيات عانت من غياب قانون رسمي يعترف بها أولا، وينظم عملها ثانيا. وقد تقدمت كتلة المستقلين في مجلس النواب بقيادة النائب عبدالله الموسى بمبادرة لاقتراح قانون يسد هذا الفراغ التشريعي، إلا أن مسودة القانون الأولى لاقت معارضة شرسة من جمعيات وشخصيات سياسية من داخل وخارج المجلس النيابي.

وبدورها طرحت مجموعة كبيرة من الجمعيات السياسية مسودة لقانون آخر، ورفعت المسودة الى المجلسين، وانتخبت لجنة من الجمعيات المشاركة لتقود تحركا رسميا لشرح وجهة نظر الجمعيات بشأن مسودة القانون التي طرحتها كتلة "المستقلين"، والتقت اللجنة برئيس مجلس الشورى فيصل الموسوي ورئيس مجلس النواب خليفة الظهراني، واللجنة التشريعية في المجلسين، وبدا وكأن هناك تفاهما مشتركا بين الطرفين إلا أن العكس لاحقا كان هو الصحيح.


قانون مقر... ومقترح بديل

ويقول رئيس جمعية الوسط العربي الإسلامي جاسم المهزع "نعتبر أن القانون غير موفق، وخصوصا انه لم يأت وفقا لاقتراحات القوى السياسية الرئيسية، وعلى رغم الاعتراضات الكثيرة التي قيلت وفندت أمام رئيسي و أعضاء مجلسي الشورى والنواب، فقد تقدمت الجمعيات السياسية بمقترح بديل يتضمن الرؤى لهذه الجمعيات، وفي الوقت ذاته فان المقترح الجديد لم يتناقض مع ميثاق العمل الوطني والدستور، وكان ينصب في روح العملية الإصلاحية، فنحن نرى أن هذا القانون سيحد الكثير من الحراك السياسي، نعتبره من الردة على المشروع الإصلاحي، حددنا موقفنا أيا كان الحراك وهو يعتمد على ثلاثة محاور رئيسية: اولا: أن يكون حراكا سلميا تاما، ثانيا: أن ينسجم مع دستور مملكة البحرين على رغم من تحفظاتنا على دستور 2002 إلا أن الواقع يقول هو الدستور الحالي، ثالثا: أن ينسجم حراكنا مع القانون وفي إطار القانون. هذه المحاور الثلاثة نحاول أن تكون رؤية مشتركة بين الجمعيات السياسية، لا نشذ عن الجمعيات، مقاطعتنا جاءت نتيجة للمشاورات، قاطعنا عن قناعة، نحن نعتقد أن الفرص لم تستنفذ وهناك الكثير من الخيارات مثل مخاطبة جلالة الملك، وإعادة مخاطبة النواب، القيام بحملة سياسية للضغط من أجل تعديل هذا القانون، البارحة كان لدينا اجتماع موسع، وطرحت هذه، نحن نتحدث عن السلبيات التي تمس جوهر العملية الإصلاحية مثل سلبية الموافقة من وزير العدل على إشهار الجمعيات، إلزامنا بقانون المطبوعات، عدم الاتصال بجهات أخرى، ونحن لدينا التزامات فكرية وسياسية مع قوى قومية في داخل وخارج الوطني العربي، والعالم تغير، المؤتمر القومي الإسلامي، المقصد تقييد شديد ضد الجمعيات. أيا كانت الخطوات نحن في الجمعية منكبون على دراسة القانون لعلنا نجد مخارج دستورية، بالتنسيق مع الجمعيات الأخرى".

عضو مجلس إدارة جمعية ميثاق العمل الوطني محمد البوعينين قال: "رؤيتنا تنقسم الى 3 أقسام، ففي الدرجة الأولى نحن نعتبر أن إقرار قانون ينظم عمل الجمعيات يعتبر مكسبا للجمعيات في حد ذاته لوجود قانون ينظم عملها. أما عن نصوص القانون فإنه يحتوي على بعض الايجابيات، ولكن لا ننكر احتواءه لبعض السلبيات التي تعوق العمل السياسي.

نحن اجتمعنا مع وكيل وزارة العدل لمعرفة وجهة النظر الرسمية في هذا الشأن، بما أن القانون اقر فانه أصبح أمرا واقعا، وسنتعامل مع هذا الواقع، ونحاول تطوير القانون بإدخال بعض التعديلات عليه من خلال القنوات الدستورية بالتنسيق مع الجمعيات الأخرى "..." لكن مجلس الإدارة قرر الموافقة على إدراج الجمعية في القانون الجديد".

وعما إذا كانت قد فشلت التحركات التي قادتها الجمعية لوقف القانون، يجيب البوعينين "هذه التحركات أسفرت عن بعض الايجابيات، لكنها ليست تلك التي تلبي طموح الجمعيات السياسية".


قانون مخالف لحقوق الإنسان

رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان من جانبه عاد ليؤكد موقفه السابق بشأن هذا الاجتماع، فقال: "إن الاجتماع الذي دعا إليه وكيل وزارة العدل لا حاجة له، غير ذي أهمية، فالجمعيات أبدت اعتراضها على هذا القانون، ولديها برنامج يوضح سلبيات القانون، وسيكون لديها تفاعل جماهيري".

وعما إذا كانت الوفاق ستوائم وضعها مع القانون الجديد قال سلمان، "هذا متروك للقرار المشترك للجمعيات بالتشاور فيما بينها، واتخاذ ما يلزم من خطوات للاتفاق على مواقف وطنية مشتركة".

ورأى المنبر الديمقراطي التقدمي "أن القانون ينطوي على الكثير من القيود التي تعوق العمل السياسي في البحرين وانه لا يتلاءم مع شروط البناء الديمقراطي المنشود".

ونبه مدن إلى "أن تحديد سن الانضمام للجمعيات في سن الحادية والعشرين عاما سيحرم شريحة واسعة من الشباب الذين بلغوا سن الثامنة عشرة فما فوق من توظيف طاقاتهم وإمكاناتهم في النشاط السياسي"، لافتا إلى "أن شريحة كبيرة من هؤلاء الشباب هم أعضاء في الجمعيات السياسية القائمة الآن".

وأبدى مدن تحفظه على الصلاحيات الواسعة التي أقرت للسلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل، وقال: "إن هذه الصلاحيات ستعطي الوزير السلطة غير المعقولة من أجل ممارسة التضييق على عمل الجمعيات السياسية وسيعطل من مستوى نشاطاتها"، مستشهدا مدن بالبنود المتصلة بالإشهار إذ إن النص فسر صمت الوزير عن الرد بالرفض للتأسيس، في حين كان من المفترض أن يكتفي بالإخطار فقط".

واستغرب مدن "القيود التي أقرت بشأن العلاقات الخارجية للجمعيات مع نظيراتها من الجمعيات أو التنظيمات السياسية العربية والأجنبية"، متسائلا: "هل أن النواب يريدون قطع علاقاتنا مع التنظيمات التي نلتقي ونشاطرها ونتفق معها في الفكر والرؤى".

وأكد مدن أن ليس هناك من يطالب بالسماح بضخ الأموال الأجنبية لصالح الجمعيات السياسية، مستدركا بالقول: "لكن لا يوجد هناك مبرر لمنع الدعم اللوجستي الذي يتم عن طريق الورشات التدريبية والمؤتمرات"، مضيفا "كنا نتمنى استثناء هذا النوع من الدعم، لأنه لا يتضمن تقديم سيولة مالية للجمعيات".

وعن مسمى القانون، قال مدن: "كنا نتمنى أن هذا القانون جاء بمسمى التنظيمات السياسية بدلا من الجمعيات السياسية، لأنه لا يجوز وصف الأحزاب السياسية كجمعيات، فهي في طبيعة عملها ونشاطها بمثابة أحزاب فعلية".

الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان أبدت قلقها الشديد من هذا القانون، وقالت إنها تابعت عن كثب تطورات العمل السياسي في مملكة البحرين، ومدى انعكاس ذلك على مجمل الوضع الحقوقي في البلاد وخصوصا حق المواطنين والمقيمين فيها، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني في ممارسة حقوقهم التي كفلها لهم الدستور والميثاق الوطني والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان باعتبارها حقوقا أصيلة لا يجوز المساس بها أو الانتقاص منها بحكم كونها تنبثق من ذاتهم كبشر، وفي مقدمتها حقهم في الحرية بجميع أشكالها، وحقهم في العمل، وحقهم في التنظيم بمختلف أشكاله دونما عوائق أو قيود.

ورأت أن هذا القانون يخالف الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تعترف بحق الأفراد والمؤسسات المدنية في ممارسة العمل السياسي بحرية ودونما قيود، وذلك طبقا لما نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أعلنت حكومة المملكة أخيرا عزمها الانضمام إليه، فيما يشكل القانون الجديد مخالفة صريحة لمعظم أحكام وبنود هذا العهد الدولي بما يفرضه من قيود على الجمعيات السياسية والذي جاء ليفرغها من مضمونها الحقيقي كمؤسسات ناشطة سياسيا تعنى بالشأن العام، إذ إنه يهدد بتحويلها إلى مجرد واجهات ديكورية محدودة الحركة، ويضيق أكثر من الهامش المتاح لها لممارسة عملها كمؤسسات معنية بالشأن العام.

وتضيف: إن الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان تعرب عن مشاركتها للجمعيات السياسية والحقوقية التي أبدت قلقها من التبعات الخطيرة لهذا القانون الجديد المستوحى من عقلية قانون تدابير أمن الدولة، ولاسيما انه يمثل انتكاسة كبيرة للتطورات الديمقراطية التي شهدتها المملكة منذ بداية مسيرة الإصلاح السياسي، ويأتي ليتوج سلسلة من التراجعات مرت بها هذه المسيرة منذ أكثر من سنتين.

والجمعية إذ تستغرب تمرير هذا القانون الخطير في جلسة واحدة بمجلس الشورى من دون إعطاء نفسه الفرصة لمناقشته ودراسته بتأن من حيث العواقب التي سيتركها على المسيرة الإصلاحية في البلاد وما سينجم عنه من تداعيات من شأنها إن تدخل البلاد في مرحلة احتقان سياسي لا سابق له، كما تستغرب عدم الأخذ في الاعتبار مرئيات الجمعيات السياسية المعنية بالأمر والتي سبق لها ان قدمت قانونا بديلا.


شد وجذب... إلى أين؟

والآن بعد كل هذا الشد والجذب، هل ستكون الجمعيات السياسية في المملكة مكبلة الأيدي بنصوص هذا القانون؟ وهل سيكون البديل هو العودة الى مناشدة المجلس الوطني تعديل هذا النص الدستوري؟ أم أن اللجوء الى خيار الشارع هو ما ستختاره الجمعيات؟ أسئلة ستظل مفتوحة على اجابات ربما سنجدها واضحة خلال الأيام المقبلة

العدد 1062 - الثلثاء 02 أغسطس 2005م الموافق 26 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً