"إن الإنسان قد أشكل على الإنسان" أبوحيان التوحيدي يقول الرازي، في رسائله الفلسفية ص 296: "من أين أوجبتم أن الله اختص قوما بالحق دون قوم، وفضلهم على الناس، وجعلهم أدلة لهم، وأحوج الناس اليهم، ومن أين أجزتم في حكمة الحكيم أن يختار لهم ذلك، ويفضل بعضهم على بعض، ويؤكد بينهم العداوات ويكثر المحاربات ويهلك بذلك الناس".
ويوجز عبدالرحمن بدوي موقف الرازي في هذا الصدد، إلى أن العقل يكفي وحده لمعرفة الخير والشر والضار والنافع في حياة الإنسان، يكفي وحده لمعرفة أسرار الألوهية، كما أنه لا معنى لتفضيل بعض الناس واختصاص الله إياهم بإرشاد الناس جميعا.
لم يكن الرازي منتقدا للإسلام فحسب بل انتقد اليهودية والمسيحية والمجوسية والمانوية، اذ كان يناهض فكرة الدين بذاتها ويراها مخالفة للعقل، خصوصا في المحال والتناقض.
يقول الرازي "إن أهل الشرائع أخذوا الدين عن رؤسائهم بالتقليد، ودفعوا النظر والبحث عن الأصول، وشدوا فيه ونهوا عنه، ورووا عن رؤسائهم أخبارا توجب عليهم ترك النظر ديانة، وتوجب الكفر على من خالف الأخبار التي رووها، ومن ذلك ما رووه عن أسلافهم أن الجدل في الدين والمراء فيه كفر، ومن عرض دينه للقياس لم يزل الدهر في التباس، ولا تتفكروا في الله وتفكروا في خلقه، والقدر سر الله، فلا تخوضوا فيه، واياكم والتعمق، فإن من كان قبلكم هلك بالتعمق".
السؤال، لماذا قدمت لنا المؤسسة التعليمية العربية عالم الطب "الرازي" كمثال للعالم المسلم الجليل، الملتزم بمنهج الإسلام الصحيح، أو أنه المثال الحي لعظمة المعرفة الإسلامية، إذا كانت ذات المؤسسة اليوم، تقمع وتحارب وتمنع وتصادر أي خطاب يماثل هذا الخطاب أو يشاكله. لماذا لا تقدم مؤسساتنا التعلمية صور هؤلاء كاملة للأجيال، دون انتقاء "مقصود"، أو ترقيع "مفضوح" لنصوصهم.
هل كانت تجارب هذه الشخوص في المؤسسة التنويرية "المبتورة" إسلامية أصولية في المطلق، وإن كانت كذلك، فلماذا منعت وتمنع هذه الأجيال من قراءتها كاملة، ولماذا تقوم مؤسساتنا التعليمية بتوظيفهم توظيفا محكوما بأنهم "نموذج إسلامي معرفي خالص". وأن "هلوسات" الفلسفة لم تلعب بعقولهم!!.
مثلا، لما لا تنشر مؤسساتنا التعليمية وصف الرازي لأهل الشرائع، بأنهم قليلوا فهم ومعرفة، مكفرون لغيرهم، معادون للتفكير والإبداع، دينهم ما ورثوه، أو أنهم ممن يعتقدون "واهمين" بأنهم مرسلون من الله لهداية البشر!!.
ولقد كانت لنا في الرازي حكمة في فلسفته وثقافته، أكثر من فائدتنا في خرافة طبه، وكيميائيته المشكوكة
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1061 - الإثنين 01 أغسطس 2005م الموافق 25 جمادى الآخرة 1426هـ