العدد 1061 - الإثنين 01 أغسطس 2005م الموافق 25 جمادى الآخرة 1426هـ

جابر في ذاكرة الجنوب عين وأثر وجمال

إلقاء نظرة على أعمال كامل جابر الفوتوغرافية في مجموعته الرائعة التي تحمل عنوانا هو "ذاكرة الجنوب. . عين وأثر" يطرح أسئلة تبقى مغلفة بنوع من الحيرة.

من هذه الاسئلة واحد يختصر على الشكل الآتي... هل يمكن لقراءات نقدية في وكالات أنباء تعتمد أقصى درجة ممكنة من الموضوعية وتكاد تحظر على الكاتب اطلاق العنان لمشاعره الذاتية... ان تحمل وصفا لعمل فني كالقول عنه مثلا انه "مذهل" أو ما شابه ذلك من دون أن ينسب القول الى مصدر محدد.

ومن الاسئلة أيضا ما يعيد الى الذهن مسألة في صلب مفهوم الفن وهل الفن كما قال أرسطو قديما هو محاكاة للطبيعة أم أن الطبيعة والحياة تحاكيان الفن كما قال أوسكار ويلد.

تبدأ هذه الانطباعات بالتكون في ذهن القارئ مباشرة بعد القاء نظرة على لوحة غلاف المجلد الفني الصقيل الموسوعي القطع بصفحاته الكبيرة التي بلغت 199 صفحة حافلة بالصور الفوتوغرافية التي التقطها كامل جابر المصور الصحافي والصحافي عن جنوب لبنان وصدر في الذكرى السنوية الخامسة لتحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي. وقد صدر عن مؤسسة "الجنوب للاعمار". وحملت الصفحات تعليقات وشروحا ومعلومات من التاريخ القديم والمعاصر باللغتين العربية والانجليزية. أجواء لوحة الغلاف وكثير من الصور الأخرى الداخلية المأخوذة من الواقع تبدو أقرب الى لوحات من رسم فنان متميز.

يطل جابر على المشاهد - القارئ بصورة من يعيد خلق الطبيعة ومظاهر الحياة والفعل الانساني بالة التصوير وهو أمر ليس واردا على الصعيد الفعلي... لكنه يتحقق عندما يتمكن المصور الفنان من قراءة كل ذلك من زاوية مختلفة وبعين مختلفة فكأنه يدخل الى الأعماق فيرى ويظهر ما لم يكن ظاهرا بجلاء.

وجابر "الصحافي والمصور والاذاعي الميداني" يمارس مهنته منذ العام 1987 وقد نشرت صوره في الصحف اللبنانية والكثير من الصحف العربية والعالمية من خلال عمله مصورا ومراسلا في وكالة "رويترز" منذ العام 1993 وبرز في تغطية حوادث جنوب لبنان خلال الاحتلال الاسرائيلي.

وقد التحق بصحيفة "السفير" اليومية اللبنانية في يوليو/ تموز العام 2000 بعيد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب اللبناني في 25 من مايو/ آيار من ذلك العام.

تحت عنوان "صورة لجبل عامل بعين العاشق وريشة الفنان" كتب الصحافي والكاتب البارز طلال سلمان ناشر صحيفة "السفير" متحدثا عن كامل الذي انتدب نفسه "ليكون بدأبه وباصراره على إعادة اكتشاف مكامن الجمال في جبل عامل مزيجا من وزارة السياحة ووزارة الثقافة والمؤرخ الحريص على اعادة الاعتبار الى مواقع منسية اذ التاريخ محفور بالصخر أو مكتوب بالحجر على رؤوس الجبال والتلال قلاعا وحصونا ومراكز لمن كان حس الجمال متمكنا في نفوسهم".

وختم سلمان قائلا: "إن كتابك يكشف فيك عن عين العاشق وريشة الرسام الفنان". وكتب نقيب المصورين الصحافيين اللبنانيين جمال سعيدي تحت عنوان "تقنية مرهفة تختصر الذاكرة" يقول "في عالم التصوير والتكنولوجيا تأخذنا هذه الصور الى تقنية لافتة خصوصا انها تضعنا امام اهمية التصوير الضوئي ومكامن ابرازه... لقد استخدم كامل جابر كل خبرته في مجال التصوير الصحافي وراح الى الذاكرة التاريخية والجمالية الجنوبية التي دخل في أتونها من خلال تقنية مرهفة تنامت مع ارتياده الأمكنة عينها وقراءتها من خلال الاحساس بها وندخل في تفاصيل الصور فنجد فيها اختصار الزمان والمكان".

زهير هواري قال في كلمة شعرية وجدانية "دوما تحملك صور كامل جابر الى الشعر..." وختم قائلا "كامل جابر انك تصنع لنا وطنا مما تراه ولن ننتبه له... شكرا للقناطر التي حافظت على معناها ففتحت لنا الافق برغم غياب الاهل... شكرا لكل الابواب المقفلة على صدى طفولتنا الهاربة". عين جابر الجمالية تناولت الابنية جسورا وقلاعا ومعابد وبيوتا قديمة تحكي عن أزمنة كانت بحلوها أو مرها الذي يحوله العمل الفني الى ذي حلاوة... والطبيعة بفنيتها العظيمة المطلة من خلال الجبال ثلوجا وزرقة وألوانا وردية... والغسق الرائع يلف الجنوب اللبناني... والاشجار جماعات رائعة و"افرادا" اطلت كأنها خرجت من بين يدي فنان جعل الحياة تدب فيها باشكال عدة.

يعود جابر الى التاريخ القديم والى زمن الاساطير التي "سبقته" ومن الفينيقيين والرومان واليونان الى الصليببين والعهود الإسلامية وصولا الى الأزمنة الحديثة وتركيزا على التراثي... القديم المجدد والقديم المهجور ذي الأبواب المغلقة أو تلك التي نهشها الزمن.

وهو في ذلك كله لا ينسى الناس فهم حاضرون دائما بآلامهم وافراحهم وبكدهم الدائم من اجل الحياة حتى وسط نيران الموت واشداقه. السماء الزرقاء والجبل المكلل وقد "تبروزا" في لقطة من خلال قنطرة مبنى قديم. وطريق في سوق قديمة مقنطرة تبدو كأنها من تاريخ ناء لولا عجلة دراجة لم تستطع الاختباء كليا فبقي قسم منها في الحاضر... وشاب يطل نصف اطلالة في زيه المعاصر... قميص وسروال حديثان فكأن المكان يسأله من أين جاء.

في صورة أخرى الجسر الحجري القديم مغرم باسطورة "نارسيس" وهو مثله يتمرأى ليكتشف صورة له في مياه النهر. الأبواب العتيقة تحرس الجدران المتهدمة وهي مازالت على وقفة المتأهب ولا أحد يأتي. تبدو لك قلعة الشقيف/بوفور/ كما لم ترها قبلا... انها حية رغم التآكل والتهدم





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً