الحال التي وصلنا إليها في هذه الفترة إنما هي انعكاس لطبيعة العمل الوطني الذي لم يستفد بصورة كاملة من مبادرة الانفتاح السياسي التي دشنها جلالة الملك منذ مطلع العام . 2001 ولكي نكون واضحين أكثر، فإن إصدار القوانين بصورة لا يرغب فيها عدد من الفعاليات السياسية إنما هو أمر طبيعي ومتوقع بعد أن خرجت تلك الفعاليات من النظام الذي تمت إقامته فعلا وعلى أرض الواقع.
جانب من الخطاب السياسي الذي طرح من قبل عدد من الفعاليات نقصته الحكمة لأنه أوحى بأنه لا يعترف بالشرعية السياسية القائمة، وبأنه فوق الإرادة السياسية التي تأطرت بدستور .2002 ليس المشكلة في معارضة النواقص هنا أو هناك، إنما المشكلة في العبارات والمصطلحات والدلالات التي أدت إلى إضعاف الثقة بين الأطراف الفاعلة في الدولة والمجتمع.
إضافة إلى عدم وضوح الخطاب لدى عدد غير قليل من المؤثرين في الساحة، كان هناك الخطاب المتطرف والمتجه نحو التأجيج ونحو إحراج الماسكين بزمام أمور الدولة محليا ودوليا. مثلا؛ بما إن الحكومة لا تود اعتقال سياسيين في هذه الفترة، فقد وجد البعض أن هذه فرصة للتصعيد بمختلف الأشكال لإجبار السلطة على اعتقال عدد من الشباب أو الناشطين ومن ثم عرض الحوادث على المستويين المحلي والدولي لإثبات أن المسئولين في الدولة لديهم نيات مبيتة ومزيفة ضد فئات المجتمع، أو ضد بعض فئات المجتمع.
أدى كل هذا إلى أن تستنفذ بعض الفعاليات أثرها على القرار السياسي. فتخويف السلطة بالتشهير محليا أو دوليا لم يعد يجدي نفعا، وضرره قد تحقق على أية حال، وأية زيادة أخرى لن تقدم أو تؤخر في الأمر شيئا. فهناك أخبار الوكالات الدولية والفضائيات والتقارير الصادرة عن بعض المنظمات الدولية، ولكن ثم ماذا؟
إن الواضح أننا بدأنا نفقد بعض أجواء الثقة التي عمت البلاد في بدايات المشروع الإصلاحي، ولست ألقي اللوم هنا على المعارضة فقط، وإنما للحكومة دور مباشر في ذلك أيضا. وعليه، فإن الرد الطبيعي لفقدان جزء من الثقة هو إصدار قوانين "قد" تتخذ منطلقا لتضييق الخناق على الحريات العامة. والإشارة إلى "قد" لأن الثقة إذا عادت إلى سابق عهدها من شأنها أن تزيل مختلف أنواع المشكلات.
وفيما لو نظرنا إلى قانون الجمعيات السياسية، فإنه "قد" يحمل في طياته التضييق الذي نخشاه، ولكنه أيضا لا يمكن حل الإشكالات عبر استخدام وسائل وخطابات من شأنها أن تزيد الفجوة في الثقة بين الأطراف. القانون يحمل في طياته سلبيات كما يحمل أيضا "بعض الايجابيات"، وفيما لو اعتمدنا على أجواء من الثقة المتبادلة فإن الجوانب السلبية يمكن إزالتها مستقبلا، كما يمكن تجميدها على أرض الواقع. ولكن، أية ردود أفعال أو تصريحات من شأنها تشنيج الأجواء وتأكيد الاتجاه نحو التباعد "بدلا من التقارب" ستكون آثارها السلبية على الفئات التي تطالب بالديمقراطية أكثر من أثرها على أية فئة أخرى.
بعد أربع سنوات من الأجواء الانفتاحية، علينا جميعا أن نراجع خطواتنا وخطاباتنا لنتفحص الأسباب التي أدت إلى تخوفنا حاليا من فقدان ما حققناه من مكاسب سياسية وحقوقية على الأرض. فالبحرين "وإلى حد الآن" تعتبر - بشهادة منظمات تراقب الأوضاع في الشرق الأوسط - من أفضل البلدان العربية التي تتوافر فيها أجواء من الحريات العامة. وحري بنا أن نقارن ما لدينا مع ما لدى غيرنا ممن يحيطون بنا، ومن ثم نعود لنستذكر بعض ما جرى خلال السنوات الأربع الماضية وعن الجذور التي أدت إلى أن تتطور الأمور إلى ما نحن عليه. وفي اعتقادي، فإن المراجعة المتأنية لن تلقي اللوم على المسئولين في الدولة فقط، وإنما يشترك في اللوم كل من ساهم أو يساهم حاليا في توتير الأجواء بما يؤثر على علاقات الثقة بين الدولة والمجتمع
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1060 - الأحد 31 يوليو 2005م الموافق 24 جمادى الآخرة 1426هـ