العدد 2960 - الأربعاء 13 أكتوبر 2010م الموافق 05 ذي القعدة 1431هـ

ملحمة عمال تشيلي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عادت تشيلي إلى واجهة الأخبار خلال الشهرين الماضيين بسبب مأساة عمال المناجم الفقراء.

تشيلي على الخريطة مجرد خيطٍ دقيقٍ كالخنصر في ذيل قارة أميركا الجنوبية، ارتبطت في ذاكرتنا بنهائيات كأس العالم. ففي دورة جنوب إفريقيا الأخيرة، خرجت من الدور الثاني على يد البرازيل بثلاثة أهداف نظيفة، حسب الزملاء بالقسم الرياضي. والعام الماضي قرأت خبراً شدّني عن منع الاتحاد الدولي إقامة المباريات الدولية في تشيلي، بسبب ارتفاع ملاعبها عن سطح الأرض، وبالتالي نقص الأوكسجين ما يسهم في هزيمة الفرق الزائرة، بينما أبناء الأرض متكيّفون مع هذه الظاهرة الطبيعية. ومع ذلك أصر التشيليون على إلغاء القرار وكان لهم ما أرادوا. وسوى الرياضة هناك التفاح والموز التشيلي الذي يعرفه الجميع.

صباح أمس... كان العالم يتابع أخبار تشيلي وهي تنتشل 33 عاملاً محاصراً منذ شهرين في أحد مناجم سان خوسيه، بعضهم من مدن ومناطق أخرى بعيدة. وعاشت المجموعة 18 يوماً تتقاسم كميات زهيدة من الطعام، حتى أمكن تزويدهم بالماء والغذاء، عبر ثلاث مراحل طويلة من عمليات الحفر التي انتهت بإيجاد مخرج تقني بسيط، يستلهم فكرة المصاعد الكهربية، عبر إنزال كبسولة سُمّيت بطائر الفينينق الأسطوري، الذي ينبعث بعد موته من الرماد.

في نهاية الأسبوع الأول من الكارثة، أعلن وزير المناجم أن العثور عليهم أحياء احتمال ضعيفٌ جداً، ما أثار غضب عوائل العمال الفقراء، فنصبوا خيامهم في اليوم الثامن بموقع المنجم، للضغط من أجل استمرار محاولات الإنقاذ. وتراخي الحكومة في البداية عرّضها إلى مزيدٍ من الانتقادات، ما دفع الرئيس التشيلي لاحقاً للإشراف شخصياً على عملية الإنقاذ، مع انتداب وزيرٍ يحضر يومياً في موقع المنجم لمتابعة عمليات الحفر.

تشيلي بلدٌ فقير، ولكنه غنيٌ بالمعادن كالذهب والفضة والنحاس والمنجنيز، والمنجم المذكور سبق أن تعرض لحوادث قاتلة من قبل، ولكن صوت العمال الكادحين لم يكن يسمعه أحد، غير أن هذه الكارثة دفعت إلى اتخاذ قرارٍ بإغلاقه نهائياً، ومحاسبة المتسببين فيها.

القصة كلها قصة إصرار الإنسان على الحياة، فهناك فريق عملٍ شحذ ذهنه على تصنيع كبسولة يمكن إنزالها في نفقٍ محفورٍ دُعّم بالأنابيب. وزودت الكبسولة بخطوط اتصال بالصوت والصورة؛ مع أحزمةٍ لتثبيت كتفي ووسط من يتم إنقاذه. كما زُوّدت بعجلات مطاطية من الأسفل تسهّل عملية إنزالها ورفعها. ولم يُترك الأمر للصدفة، بل شملت خطة الانقاذ احتمال تعطّلها، فأعيدت تجربتها مراراً، وصُمّمت بحيث يمكن انفصال الجزء الأسفل منها ليمكن سحب العامل للسطح وهو متعلقٌ بجزئها العلوي.

عند الساعة السادسة من صباح أمس بتوقيت الخليج، شاهد الملايين عبر العالم أول العمّال يخرج وقد ارتدى نظارةً سوداء لتقيه من أشعة الشمس، حيث تلقته عائلته بالأحضان. ومع غروب الشمس كان قد تم إخراج ثلث المجموعة من بطن الأرض، استقبلتهم عدسات المصوّرين من مختلف وسائل الإعلام، وليتنافس على مطاردتهم 2000 صحافي للحصول على أية تفاصيل لكتابة قصة خبرية مميّزة.

العمال الفقراء الكادحون، توقّعوا في خلوتهم القسرية الطويلة، أن تعرض عليهم عقودٌ من بعض دور النشر العالمية لكتابة قصتهم، فاتفقوا مسبقاً على اقتسام أية مردودات مالية على قدم المساواة.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2960 - الأربعاء 13 أكتوبر 2010م الموافق 05 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 3:31 م

      تصحيح معلومة(2)

      بالنسبة لي ، إرتبط اسم تشيلي بالمجرم أوغستو بينوشيه و الذي حكم البلاد بيد من حديد لمدة 20 عاماً ، لم يدع بيتاص في تشيلي إلا وفيه ناعٍ وناعية ، قتل ، إغتيالات ، سجن ، تعذيب ، إضطهاد ، إختطافات ، إبعاد قسري عن البلاد ، تعليق الحياة السياسية ، محاولة تغيير الدستور الي فرضه هو ليحكم مدى الحياة ، تشريد ، محاربة في الأرزاق ، عنصرية ، فساد مالي وإداري و أخلاقي ، مال سياسي ، تشويه سمعة ، مصادرة الحريات ، إلا أن ضحاياه و قضاياهم ظلت تلاحقه في المحاكم منذ قرر الذهاب للعلاج في بريطانيا وستمرت حتى موته

    • زائر 14 | 3:19 م

      تصحيح معلومة (1)

      الدولة التي عارض الفيفا إقامة المباريات فيها هي بوليفيا وليست تشيلي ، وبالتحديد العاصمة لابازا حيث تأهلت بفضل نقاط ((اللعب على الأرض)) بوليفيا في تصفيات مونديال أمريكا94 بما في ذلك فوها على البرازيل بهدفين نظيفين لتتأهل بذلك للمونديال ، لكن البرازيل ردت لها الدين حينما شلختها على عاصمتها المرتفعة لاباز 3-1 في نهائي كوبا أميريكا سنة 1997 م .

    • زائر 13 | 1:17 م

      تحية إجلال و تقدير لتشلي

      تحية إجلال و تقدير لتشلي رئيساً وحكومةً وشعباً على هذا الصمود والأصرار والتحدي للصعاب. الرئيس و زوجته كانا متواجدين على طوال المدة الستة والعشرون ساعة التي إستغرقت عملية الإنقاذ يؤازرون عوائل العمال حتى خروجهم ويحتضنونهم واحداً بعد الآخر. في تعليق لمراسل البي بي سي عندما قال أنظروا عناق الرئيس الميلونير للعمال البسطاء. نِعم الرئيس الذي ينزل للشعب كخادم لهم وساهر على همومهم.
      VIVA CHILE

    • زائر 12 | 9:34 ص

      الى الكاتب المحترم قاسم حسين ....... ام محمود

      لماذا لم تكتب عن زيارة أحمدي نجاد الى لبنان وتسجيل هذه اللحظات الذهبية من حال الامة الاسلامية التي ستتعافى باذن الله ... أنت وبقية الكتابَ خيبتوا الآمال

    • زائر 11 | 5:00 ص

      اياك اعني

      انه زمن الارهاب الحقيقي... اما معي والا انت ضدي، هذه هي فلسفة جورج بوش. والكتاب واضح انهم يكتبون تحت ازيز الرصاص وتهديد البنادق فينخفض صوتهم بطبيعة الحال. الله يساعدهم ويساعدنا جميعاً.

    • زائر 10 | 3:36 ص

      الموت والحياة

      هناك في كل العالم فقراء وضعفاء يموتون من أجل\r\nالحياة وهناك من يجمعون الحلال والحرام مالهم وما\r\nوما لغيرهم جشعا يمنعون الحق عن صاحبه ويرعى\r\nفيه الاجانب ولكن يمهل ولايهمل•••

    • زائر 9 | 2:26 ص

      تصحيح (وعاشت المجموعة 18 يوماً)

      صباح الخير سيدنا والحمد لله على سلامة الوالدة. سؤال يطرح نفسه من وحي الحدث: البحرين والحمد لله بعيدة عن خط الكوارث الطبيعية، ولكن ماذا لو - لا قدر الله - حدثت كارثة ما كان لها تأثيرها على البحرين، فهل سنستطيع تجاوزها (ونحن الدولة النفطية) كما فعلت تشيلي (الدولة التي تعد فقيرة نسبياً)؟ فمثلاً: لو حدثت حرب إقليمية في المنطقة - لا قدر الله - كم عدد الأيام التي سنستطيع أن نعيشها ونحن دولة نعتمد كلياً على ما نشتريه من غذاء من الخارج؟- الخلاصة هل نحن كدولة مستعدون لمواجهة الكوارث والمشاكل؟

    • زائر 6 | 1:27 ص

      اياك اعني واسمعي يا جارة

      يبدوا ان كاتبنا العزيز ، يبتني سياسية : اياك اعني واسمعي يا جارة ، فقد مر كم كبير من المقالات على هذه الشاكلة ...
      يبدوا ان هناك ما يخيف في هذه الايام يا سيدنا الكريم
      اتمنى لك دوام الصحة والعافية والامان

    • زائر 5 | 1:19 ص

      مجرد سؤال

      هل كان ذلك سيحدث لو كان في روسيا او الصين او بعض الدول العربية التي لا تقدر او تحترم شعوبها؟

    • زائر 4 | 1:10 ص

      القصة كلها قصة إصرار الإنسان على الحياة، واذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر .

      في نهاية الأسبوع الأول من الكارثة، أعلن وزير المناجم أن العثور عليهم أحياء احتمال ضعيفٌ جداً، ما أثار غضب عوائل العمال الفقراء، فنصبوا خيامهم في اليوم الثامن بموقع المنجم، للضغط من أجل استمرار محاولات الإنقاذ. وتراخي الحكومة في البداية عرّضها إلى مزيدٍ من الانتقادات، ما دفع الرئيس التشيلي لاحقاً للإشراف شخصياً على عملية الإنقاذ، مع انتداب وزيرٍ يحضر يومياً في موقع المنجم لمتابعة عمليات الحفر.
      القصة كلها قصة إصرار الإنسان على الحياة، واذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر .

    • زائر 3 | 1:00 ص

      عبد علي عباس البصري

      كان من المفروض ان تذهب الى هؤالاء الاخوه في تشيلي وتتعلم منهم الصبر على الدنيا ومقارعه الحياه في حقيقتها المره ان الدنيا كفاح وعدم تهرب من المسؤليه ، ولكل انسان مسؤليته . هذا المنجم ليس بأشد من الصحافه وهؤالاء العمال ليسو بأسعد من الكتاب والصحفيين اذا ما ثبتو على الثوابت الاسلاميه والانسانيه و مقارعه ا لذات . نعم اذهب يا سيد وتعلم منهم كيف الثبات ، كتاباتك هذه في القشور انت مسؤول عنها ، حبر وورق ووقت ، ارجو منك يا ابو هاشم ان تكون تحت المنجم لكي تأتي لنا بالدر والياقوت. كما كان جدك الامام موسى

    • زائر 2 | 12:19 ص

      قيمة الانسان

      lما حدث في شيلي يثبت قيمة الانسان والاهتمام بحياته. وحتى عندما قصرت حكومتهم في البداية تحرك الراي العام لايجاد حل ومتابعة الموضوع، واضطر الرئيس لمتابعة الموضوع بنفسه.

    • زائر 1 | 12:15 ص

      تشيلي رمز الاصرار

      جميل أن تعيشنا هدا الانجاز الانساني الدي عاشته شيلي ياسيد قاسم وقد خرجت الجاهير على هيئة المنتصرين في مباراة كرة قدم نعم لقد كان درساً كبيراً في كل النواحي منها الاصرار على الانجاز وتقاسم الحياة بين أصحاب المصير الواحد ولكن في الرخاء يرجع الانسان ليسرق أخوه الانسان ويأخد كل شيئ ولايدع شيئ للالاخرين.

اقرأ ايضاً